النكتة اليمنية... سلاح في مواجهة القهر والانقلاب

11 ديسمبر 2016
يلجأ اليمنيون للنكتة لمواجهة أزماتهم (أحمد غربللي/ فرانس برس)
+ الخط -


لا يملك شاعر قصيدة النثر اليمني مروان كامل سلاحاً غير قلمه ليقاوم به الانقلاب الذي قاده تحالف الحوثي وعلي عبد الله صالح، لكنه لا يستخدم قصيدة النثر في ذلك، بل يستخدم سخريته في مواقع التواصل الاجتماعي. سلاحه هو النكتة التي يقدمها لجمهوره عن طريق تعريف نفسه بنقيب الموالعة اليمنيين (ماضغي شجرة القات)، ما جعله يكسب جمهوراً كبيراً يستطيع من خلاله إيصال أفكاره بسخرية لاذعة.

يعتمد مروان في كتابته على اللغة البسيطة والمفهومة للعامة، فهو يكتب باللهجة العامية ويستخدم أسلوب الحوار بين طرفين يرسم ملامحهما من طيف خياله، ويتركز الحوار بالغالب على تساؤل أحد الأطراف والمصحوب غالباً بالاستغراب. في حين يردّ الطرف الآخر على تلك التساؤلات بعبارات قصيرة، ومقتضبة، وسريعة تشبه انطلاق الرصاصة التي تصيب هدفها بدقة وبسرعة خاطفة، وتعرّض للملاحقة من قبل الحوثيين بسبب ما يكتبه.

يقول مروان كامل لـ"العربي الجديد" إنه "يستخدم النكتة والسخرية عن طريق التغريدات في مواقع التواصل الاجتماعي، فهي أكثر جدوى من غيرها، وجدواها أنها تحطم الممارسة والسلوك الخاطئ وتتجاوز النقد إلى الفعل الثوري. والكتابة الساخرة سلاح أكثر نفعا لأنها تؤثر أكثر وتصل إلى الناس بسرعة ومتعة".

في الأحداث التي شهدها اليمن أخيراً منذ ثورة فبراير/شباط 2011 مروراً بالانقلاب الذي قاده تحالف الحوثي وصالح على الدولة، وظّف اليمنيون النكتة السياسية في التعاطي مع كثير من القضايا، والأحداث المجافية لثقافة المجتمع، والسلوك السوي لأفراده. كما أنهم اتخذوها وسيلة لمواجهة الأحداث غير المتوافقة مع توجهات الرأي العام ونمطه الحياتي، وهذا يعكس ميل أفراد المجتمع اليمني إلى النقد السلمي، وتحاشيهم أساليب العنف والتطرف.

والملاحظ في المجتمع اليمني زيادة استخدام النكتة السياسية، وسرعة انتشارها بفعل ظروف الواقع، والاستناد إليها لبلورة مواقف فئات عريضة من أفراد الشعب. وتصاغ النكتة بأساليب بسيطة، تصوّر أحداث المجتمع ومفارقاته، ومواجهة النظام السياسي، ومحاولة إظهار الرفض له ولممارساته. كما تعبر عن وعي المجتمع بمدى فساد النخب الحاكمة، وضرورة تغيير الأوضاع، كما أن النكتة تمنح الناس جزءاً من الأمان وتعبر عن إرادتهم، وتسعى إلى تجاوز حالة الخوف وعدم الاستقرار.

وأعلن تحالف الانقلاب أخيراً عن تشكيل ما سماها حكومة "الإنقاذ"، التي تشكلت من 44 وزيراً بالتقاسم بين جماعة الحوثي وحزب المؤتمر التابع للمخلوع صالح، وهي الحكومة التي لم تعترف بها أي دولة أو منظمة دولية، ليجد اليمنيون في الإعلان عن هذه الحكومة هدفا مناسبا للسخرية، وصناعة النكات التي ملأت وسائل التواصل الاجتماعي.

ومن تلك النكات تلك التي تسخر من تعيين الأمين العام لحزب الحق المؤيد للحوثيين حسن زيد في منصب وزير الشباب والرياضة، إذ قال الجمهور إن حسن زيد تحول اسمه إلى "حسن زيد الدين زيدان"، وإنه قال في أول تصريح له: "أنا رياضي من زمان، ويعجبني جداً اللاعب المعروف ريال مدريد". كما جرى تداول نكتة أخرى تقول إن وزير الزراعة بعد تسلمه منصبه وعد بافتتاح قسم "زراعة الألغام" في كلية الزراعة.

ومن النكات السياسية التي لها رواج واسع، تلك التي طالبت الانقلابيين بأن يكونوا أكثر واقعية، وأن يستحدثوا حقائب وزارية تتماشى مع الواقع مثل وزارة الطاقة الشمسية، وزارة السوق السوداء، وزارة القصف العشوائي، وزارة الحفر والمطبات، وزارة شؤون المشرفين، وزارة شؤون التبرعات للبنك والمجهود الحربي، وزارة قتلى الحرب، وزارة المطبوعات والصور، وزارة شؤون الحصار الداخلي، وزارة المفاوضات، وزارة نهب الرواتب والمستحقات.




وازدادت فعالية النكتة وتأثيرها مع استخدام وسائل الاتصال الحديثة، ومواقع التواصل الاجتماعي، والإعلام البديل الذي يجعل النكتة تنتشر كالنار في الهشيم في ظل عجز سلطات القمع عن التعامل معها، أو إيقافها، أو بسط سلطة الرقابة عليها في ظل الفضاء المفتوح.

الباحث اليمني في علوم الإعلام والاتصال، أمين العزعزي، في حديثه لـ"العربي الجديد" يرى أن وسائل التواصل الاجتماعي المتاحة في اليمن أصبحت فضاءً عموميا تفاعلياً ذا حوامل وروافع مهمة لبث ونشر النكات السياسية على أوسع نطاق، إذ تساعد النكتة السياسية الناس على تجاوز ما يعانونه في الواقع المؤلم، كما اصبحت أداة هامة وفاعلة من أدوات الإقناع والتأثير على الرأي العام.

ويتابع أن هذا الفن الساخر يسير في اليمن بوتيرة عالية وفاعلة منذ ثورة 11 فبراير/ شباط، وحتى اليوم، وهو مؤشر مهم لقياس توجهات الرأي العام اليمني نحو الأحداث والأوضاع والقضايا في المجتمع.

وعن تأثير النكتة في المعارك السياسية، يضيف العزعزي أن النكتة لها تأثير كبير على الأشخاص، والفئات المستهدفة بالتندر والسخرية، فهي تكسر هيبتهم، كما تعبر عن رفض جبري للممارسات السياسية والأمنية، والأساليب القمعية، مشيراً إلى أن كل ثقافة تطرح رؤية ساخرة لواقعها، وتستخدم النكتة لكسر هيبة الأشخاص، كما تستخدمها الأنظمة أيضاً وسيلة للتنفس، إنها سلوك بشري يخضع لعوامل التغير السياسي.

وتلعب النكتة السياسية دوراً كبيراً في مقارعة الظلم والتعسف، وتزداد وتيرة النكتة انتشارها كأسلوب وقائي كلما أمعن الحكام في البطش والقمع، الأمر الذي يواجهه الجمهور بالسخرية والتهكم، كوسيلة للنيل من الحكام وفقاً لظروف أفراد المجتمع، وثقافتهم وآدابهم المنتشرة والمتاحة، ومنها النكتة والشعر والكاريكاتير وغيرها، وهي بذلك سلاح مجاني بدون ترخيص.

وتؤكد أستاذة علم الاجتماع السياسي في جامعة تعز، الدكتورة ألفت الدبعي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن القهر في البلدان المقهورة يعمل كأداة من أدوات التسلط على جرح روح ووجدان الإنسان، ويزداد هذا الجرح بقدر مستوى القمع ومنع الحريات وما ينتج عنه من قلق يهدد وجوده وذاته ويؤدي إلى عدم اتزانه، فتأتي النكته هنا كمجال من مجالات التنفيس الصحي، والتعبير عن الرفض للعنف والاستبداد الممارس، ومواجهة الخوف ولتأثيرات السلبية للقهر والتي يتمثل خطرها في الكبت وارتداداته السلبية على الذات والوجدان الإنساني.

وتضيف "إن النكته عملت على إبقاء روح المقاومة حيّة رغم إطالة أمد الحرب، وساعدت المقاومين على إبقاء حالة التحفيز الدائم لمواجهة أساليب الانقلابيين التي يراهنون من خلالها على إنهاك طاقة المقاومة، كما أن هذا النوع البسيط من الأدب الساخر ساعد كثيرا في عملية الاستقطاب للمقاومة من الشرائح البعيدة عن العمل السياسي، وساهم في تشكيل وعيها بسهولة ضد الانقلاب".

السخرية والنكتة والهزء من الواقع هي الأسلحة التي يعتمد عليها اليمنيون العائشون تحت القهر. ويلاحظ زيادة النكتة داخل المجتمع كلما زادت الأوضاع سوءاً باعتبار أن الجمهور يجد في السخرية متنفسه الوحيد الذي من خلاله يبوح بهمومه، ويعبر عن معاناته بعيدا عن سلطة الرقابة. وتكسب النكتة العديد من الميزات الأخرى لعل أهمها الانتشار الأوسع والأسرع باعتبار هذا الفن يستهدف أيضا كل فئات الشعب بلا استثناء، وهي الفئات المتضررة من الانقلاب والواقفة في مواجهته.