كلّما أمل المواطنون المصريون بأن تُسهَّل معاملاتهم، لا سيّما الرسميّة منها، فإنّهم يجدون أنفسهم في مواجهة تعقيدات جديدة. ولعلّ المستجدّ في موضوع "بطاقة التموين" خير مثال على ذلك.
تشهد مكاتب التموين بمحافظات مصر زحاماً كبيراً في هذه الأيام، بعد قرار وزير التموين المصري الدكتور علي مصيلحي ضرورة تحديث "بطاقة التموين". وهذا القرار الذي يُتّخذ للسنة الثالثة على التوالي، وسط تذمّر الناس الذين يرون فيه قراراً ظالماً ومتعباً لهم من دون أن ينطوي على أيّ جديد.
واحتمال "توقّف البطاقة" صار هاجساً لعدد كبير من المصريين، لا سيّما محدودي الدخل والفقراء، خوفاً من توقّف مخصصاتهم التموينية. لذا، يهرع كثيرون منهم إلى مكاتب التموين لتحديث البطاقة، في حين تواجههم عشرات العقبات لا سيّما البيروقراطية التي يرفع لواءها الموظفون في مكاتب التموين، فتتعقّد الإجراءات. ويرفع الغلابة صوتهم، آملين بأن يسمعه أحدهم وينقذهم من طوابير لا تتحرك إلى الأمام، أمّا إذا تحركت فإنّها تحتاج إلى شهور حتى تتنقل بين أدراج الموظفين. يُذكر أنّ مشاكل عدّة ظهرت أمام مكاتب التموين، فوقعت مشاجرات في ما بين المواطنين في الطوابير أو بينهم وبين موظفين من الجهة الأخرى لشبابيك الحديد.
في أثناء تحديث بطاقات التموين مقابل فرض عشرة جنيهات مصرية (نحو 0.6 دولار أميركي)، يُفاجَأ المواطن بتوقف "السيستم" (النظام) الذي لا يعرف الآلاف معناه. وذلك نتيجة عطل في شبكة الإنترنت، فيطلب الموظف من المواطن المرور غداً أو في الأسبوع المقبل. وبسبب كثرة المشكلات، تعرّض عدد كبير من المواطنين إلى عمليات نصب في "مكاتب النت" (الشبكات)، إذ إنّ بطاقة التموين راحت تُحدّث مقابل ما بين 20 و30 جنيهاً (1.1 - 1.7 دولاراً تقريباً). ومن المشكلات التي ظهرت أخيراً عدم توفّر أجهزة كمبيوتر كافية للتحديث في كل مكاتب التموين بالمحافظات، وعدم وجود عمالة، ما دفع إلى الاستعانة بعدد من المواطنين أصحاب الخبرة في مجال التكنولوجيا. كذلك يعمد عدد من النواب في دوائرهم إلى التدخل لحلّ مشكلة التحديث، من خلال الاستعانة بمواطنين شباب يملكون خبرة في الكمبيوتر مقابل عشرة جنيهات (نحو 0.6 دولار أميركي) عن كل بطاقة.
وكانت هذه المشكلات نفسها قد سُجّلت في العام الماضي في خلال عمليات التحديث، وقد اتفقت حينها وزارتا التموين والإنتاج الحربي على جعل التحديث عبر مكاتب البريد فقط، مقابل عشرين جنيهاً (نحو 1.1 دولار) عن كل بطاقة. أمّا هذا العام، فقد تجاهل المسؤولون عن التموين بالمحافظات الطوابير التي تتزايد يوماً بعد يوم، في حين تأبى "منظومة الدعم" في مصر أن تجد طريقها الصحيح. وما بين الدعم النقدي والعيني والحذف العشوائي، يذوق الغلابة كل أنواع العذاب حتى يستطيع كلّ منهم الحصول على بطاقة تموينية صالحة لصرف الدعم له ولأسرته.
يقول مسؤول حكومي فضّل عدم الكشف عن هويته لـ"العربي الجديد"، إنّ وزير التموين في مصر صار "وزير البطاقات"، فلا همّ له يومياً سوى بطاقة التموين وكيفية التخلص من الدعم وحذف ملايين المواطنين بسبب "كرسي الوزارة" وحتى يرضى عنه النظام ويستمر في منصبه، مشيراً إلى أنّ "آلاف المصريين يتوجهون يومياً إلى مكاتب التموين لتحديث بطاقاتهم". يضيف أنّ "الحكومة تملك كل المعلومات حول بطاقة التموين ومن المتوفى ومن المسافر، فمصلحة الأحوال المدنية ووزارة الداخلية تقومان بالمهمة وتخطران وزارة التموين". ويؤكد أنّ ما يحدث نوع من "عكننة" اعتادت عليه وزارة التموين سنوياً. ويتحدّث المسؤول نفسه عن "إهمال في مكاتب التموين، مع غياب الموظفين وقلة المنافذ وتعطّل أجهزة الكمبيوتر بسبب الضغط وقلّة عددها. وهو ما تسبب في طوابير طويلة ومشاجرات وإغماءات أمام نقاط صغيرة جداً في شوارع ضيقة لا تتسع للوافدين الراغبين في تحديث بطاقاتهم خوفاً من توقفها".
ويعاني المصريون بمحافظات البلاد من الوقوف في طوابير ابتداءً في الساعة السابعة صباحاً وحتى الساعة الثالثة من بعد الظهر، من أجل تحديث البطاقة. ويتذكر محمد لطفي وهو في السبعين من عمره، "البطاقة التموينية الورق التي كانت موجودة حتى نهاية عام 2000. وأنا لم أعرف نظام التحديث إلا في مثل هذه الأيام مع اللف والدوران حول بطاقة التموين". ويسأل: "ماذا تريد الحكومة من المواطن الذي لم يعد قادراً على مشاكل الحياة؟". أمّا إبراهيم علي وهو موظف بالمعاش، فيخبر أنّ أسرته مؤّلفة من أربعة أفراد، "لكنّني فوجئت بأنّ العدد المسجّل ستّة. وأنا لا أعلم شيئاً عن الزيادة ولا تُصرف مقررات تموينية زيادة". يضيف: "أنا دايخ السبع دوخات، متنقلاً بين مكاتب التموين لحذف الزيادة".
من جهتها، تخبر فاطمة وهي ربّة منزل، أنّها قصدت مكتب التموين خمس مرات ولم تتمكن من تحديث البيانات الخاصة بها بسبب الزحام الشديد أمام المكتب وقلة عدد الموظفين. وتشير إلى "مشاجرات يومية بين مواطنين متقدمين بالسنّ وبين موظفين يتركونهم لساعات طويلة من دون النظر إلى أوراقهم. وتصف ما يحدث بأنّه "تعذيب للمواطنين، خصوصاً كبار السنّ منهم الذين لا يستطيعون البقاء واقفين لوقت طويل". أمّا الحاجة نجاح أحمد، فتقف أمام المكتب في محاولة لتحديث بطاقة التموين خاصتها التي تعيش عليها. تقول: "أنا مريضة وقد جئت إلى هنا أكثر من مرّة ولا أستطيع التحرّك كثيراً"، مؤكدة أنّ "بطاقة التموين مهمو جداً في حياتي بسبب ارتفاع الأسعار في البلاد".
وكما هي حال هؤلاء، كذلك الأمر بالنسبة إلى كمال أحمد وهو عامل معمار، يخبر أنّه ترك عمله ليحدّث بطاقته. يضيف أنّه "بعدما سلّمتها، طلب مني الموظف العودة بعد 48 ساعة. وهذا ما كان، لكن من دون جدوى. والمشكلة أنّ موظف فرن العيش أعلمني أنّه لن يسلّمني الرغيف المدعم إلا بعد التحديث". أمّا عادل سليم الذي يقف في الطابور منذ ساعات الصباح الأولى من دون أن ينجح في بلوغ الشباك، فيلفت إلى أنّ "ثمّة أشخاصاً يتعاملون يومياً مع عدد من المواطنين لإنهاء مشاكلهم مقابل مبالغ مادية معيّنة". ويتساءل: "هل الحكومة والنظام راضيان عن ذلك؟!".