عقود ما قبل التشغيل... حلّ مؤقت أم "إعدام مهني" في الجزائر؟

24 نوفمبر 2019
هل يحظون بفرصة أفضل؟ (رياض كرامدي/ فرانس برس)
+ الخط -

استمرّت معاناة آلاف الجزائريين العاملين في إطار "عقود ما قبل التشغيل" سنوات طويلة، في ظل عدم حصولهم على حقوقهم كاملة. وعلى الرغم من وعود الحكومة بحلّ هذه المشكلة قبل نهاية العام، ما زال الجدال حولها مستمراً في البلاد، حتى أن البعض يراها إيجابية

يُطالب آلاف الشباب العاملين بصيغة عقود ما قبل التشغيل في الجزائر بتسوية أوضاعهم، وإنهاء الغموض المتعلق بملفاتهم منذ سنوات، بهدف تمكينهم من الاستفادة من حقوقهم المهنية الاجتماعية، وخصوصاً أن عدداً منهم قضى سنوات في هذه المناصب المؤقتة، وقدّم خدمات كثيرة في مقابل مبلغ مالي ضئيل.

منذ ستّ سنوات، تعمل فاطمة حمية مدرسة في مجال محو الأمية في منطقة العفرون في ولاية البليدة، قرب العاصمة الجزائرية. كلّ عام، يجدد عقدها المهني من دون ترسيم دائم في هذا المنصب، ما يحرمها من الحصول على راتب كامل وحقوق كباقي العمال، على الرغم من أن قانون العمل في الجزائر يفرض على المؤسسة المستخدمة توظيفها بعد ثلاث سنوات من العمل المؤقت والتعاقدي.




مثل فاطمة، ثمة آلاف الموظفين الذين يعملون بصيغ "عقود ما قبل التشغيل" في عدد من المؤسسات العامة والخاصة، وينتظرون تسوية ملفاتهم منذ أكثر من عشر سنوات. وتعد هذه المسألة من بين المشاكل التي تواجه الحكومة، وخصوصاً أن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وعد بتسوية الأوضاع خلال فترة حكمه، من دون أن يتحقق أي شيء. وعجزت الآليات المنتهجة عن إيجاد مخرج لهم.

وتتضمن صيغة التوظيف بعقد ما قبل التشغيل توفير فرصة عمل للشباب من خريجي الجامعات ومعاهد التكوين المهني في الشركات العمومية والخاصة والمؤسسات والمكاتب الخدماتية، على أن تتكفل الدولة بالتأمين الاجتماعي وراتب بمعدل 120 دولاراً شهرياً. ويدفع المستخدم جزءاً آخر كراتب للموظف، على أن تقوم المؤسسة بانتداب الموظف المؤقت وتحويله إلى موظف دائم. وتهدف هذه الصيغة إلى امتصاص غضب المتخرجين ومنحهم فرصة لاكتساب الخبرة المهنية والوظيفية التي تساعدهم على التقدم لفرص عمل جديدة.

المؤقت أصبح دائماً
يؤكد بعض المحتجين في كل من ولايات ورقلة وعنابة وقسنطينة وجيجل والجزائر العاصمة أنّ هذه الصيغة المؤقّتة للعمل باتت اليوم "عملاً دائماً في حالة مؤقتة" مع مرور الزمن. وهذا ما يؤكده محمد بوشعالة، الذي يعمل في إدارة الجامعة في العاصمة الجزائرية، لـ"العربي الجديد". يوضح أن هذا هضم لحقوق العمال من خريجي الجامعات، خصوصاً أن الآلاف منهم يشعرون أن "العمل بصيغة مؤقتة بمثابة انتظار الإعدام المهني، إذ في إمكان رب العمل أن يقطع رزقك ويوقف عقد عملك في أي وقت. وهذا بالنسبة للبعض عمل تحت ضغط نفسي لا يحتمل".



احتجاجات عمال ما قبل التشغيل في الجزائر لم تتوقف، إذ سجلت الجزائر في إحصاءات غير رسمية أكثر من 125 احتجاجاً منذ بداية عام 2018، مرتبطة أساساً بالعمل. و"الأمل هو أن تفرج الحكومة عن صيغ جديدة لضمان حقوق المعنيين"، بحسب فاطمة الزهراء بن حلبيلة، التي تعمل في إطار صيغة عقود ما قبل التشغيل منذ أكثر من 11 عاماً في مديرية الخدمات الجامعية في ولاية سطيف، بأجر لا يتجاوز 15 ألف دينار جزائري (نحو 124 دولاراً). وتوضح لـ"العربي الجديد"، أنها سئمت هذا الوضع، وخصوصاً أن الأجر لا يكفي لبدل النقل من مقر سكنها في مدينة تاجنانت إلى الجامعة.

وعود
قرّرت الحكومة الجزائرية تسوية أوضاع حاملي عقود ما قبل التشغيل بشكل نهائي، وقد أفرج عن القرار مجلس الوزراء أخيراً، وقضى بتسوية الملفات "تدريجياً وبحسب جدول زمني محدد"، كما جاء في بيان المجلس. والقرار، الذي سيكون لصالح الآلاف من حملة الشهادات العليا، سيسمح بتمكين هذه الفئة من كامل حقوقها، كالأجر، فضلاً عن التحفيزات في الراتب الشهري، علاوة على العطل. كما أمرت الحكومة بتشكيل لجنة وزارية يرأسها وزير العمل للبدء في دراسة الملفات وتسوية أوضاع الموظفين في إطار هذه العقود، خصوصاً الذين يعملون ضمن هذه الصيغة منذ أكثر من 10 سنوات. وستكون البداية مع هؤلاء مع مراعاة أرباب العائلات. وأعلنت الحكومة الأسبوع الماضي عن تشكيل لجنة وزارية مشتركة للبدء في التسوية التدريجية لوضعية الشباب المهنية في عقود ما قبل التشغيل، وكلفت الحكومة هذه اللجنة بوضع خطة واضحة وآلية لتسوية أوضاعهم في مدى قصير.

وتثبيتاً لذلك، سبق لوزيرة التضامن الجزائرية غنية دالية أن أكدت في تصريحات صحافية سابقة، أن "عقود ما قبل التشغيل هي مرحلة تحضيرية للمستفيدين منها للحصول على خبرة وتأهيل ميداني". وترى أن هذه الصيغة فرصة للتكوين أولاً والابتعاد عن شبح البطالة ثانياً، على الرغم من الأجر الضعيف الذي يتقاضاه هؤلاء، والذي لا يتجاوز 15 ألف دينار جزائري، أي ما يعادل 110 يورو تقريباً في الشهر. وشددت المسؤولة على أن مرحلة ما قبل التشغيل "تسمح لهم لاحقاً بالحصول على عمل في قطاعات عمومية وخاصة، أو تجسيد مشاريع اقتصادية".

أفضل من البطالة
وتهدف صيغة "عقود ما قبل التشغيل" إلى الحد من البطالة في صفوف المتخرجين من الجامعات، وقد زاد الطلب عليها بعدما قرر الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الدفع نحو اعتماد تسهيلات لتوظيف الشباب عقب احتجاجات يناير/ كانون الثاني عام 2011، ما سمي في ذلك الوقت بـ"احتجاجات الزيت والسكر"، التي ارتبطت بارتفاع أسعار المواد الأساسية، وهي قرارات ساهمت في تهدئة الشارع وامتصاص غضب الشباب الحاصلين على شهادات عليا بسبب البطالة، فضلاً عن فتح الباب للآلاف للاستثمار في مشاريع اقتصادية تتكفل الحكومة بدعمها.




ولا ينكر آلاف الشباب أن لهذه الصيغة إيجابيات، كـ"الابتعاد عن شبح ومساوئ البطالة". تقول سمية لوراري لـ"العربي الجديد"، أن "الحاصل على عقد ما قبل التشغيل يحظى بفرصة للتعلم والتجربة، واكتساب خبرة تؤهله لأن يحصل على وظيفة أفضل في المستقبل". تضيف أنها عملت بهذه الصيغة ست سنوات، لكنها كانت تطمح للأفضل، وهو ما حصل بالفعل، إذ توظفت في شركة للنقل البحري بأجر جيد، بعدما كانت ترد على المكالمات في مؤسسة البريد والاتصالات. ويبدو أن صيغة "عقود ما قبل التشغيل" ما هي إلا مرحلة مؤقتة أو مرحلة انتقالية، في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة في البلاد. إلا أن الدولة كمؤسسات تعكف خلال هذه الأيام على إيجاد حل لتوظيف الآلاف، ويمكن أن تتفادى الحكومة من خلاله دخول سنة جديدة بحمل ثقيل ورثته عن سنوات الحلول المؤقتة.

سياسة توظيف عادلة؟
عقد ما قبل التشغيل في الجزائر هو عقد مهني خاص يتم بموجبه تشغيل خريجي الجامعات والمعاهد من الشباب في مؤسسة عمومية أو خاصة، على أن تقوم مديرية التشغيل بدفع منحة شهرياً ولمدة 3 سنوات قابلة للتجديد. وتعرف هذه العقود عند الشباب الجزائري بعقود الاستعباد، إذ يعتقد بعضهم أن الهدف الحقيقي من ورائها تغطية عجز الوزارة في توفير سياسة توظيف عادلة.