لبناني ينتحر حرقاً لعجزه عن سداد مستحقات دراسة ابنته

08 فبراير 2019
انتحار المواطن اللبناني جورج زريق (فيسبوك)
+ الخط -
انشغل الرأي العام اللبناني، بمواطنيه ونقاباته وسياسييه، بحادث انتحار مواطن لبناني حرقاً، بعدما أشعل النار في جسده أمس الخميس، وقضى متأثراً بحروقه الشديدة اليوم الجمعة، لعجزه عن سداد أقساط مدرسة ابنته المتراكمة. ودعا اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة إلى الاعتصام يوم الاثنين المقبل أمام وزارة التربية في بيروت، استنكاراً للحادثة، واحتجاجاً على سياسة المدارس الخاصة المتبعة بشأن الأقساط.

وذكرت مصادر محليّة في منطقة الكورة اللبنانية أن المواطن جورج زريق، وهو أب لولدين في الأربعينيات من عمره، أقدم ظهر أمس على إحراق نفسه في ساحة ثانوية بكفتين في منطقة الكورة، بسبب ضيق المعيشة وعدم قدرته على سداد الأقساط المدرسية.

وأشار شهود عيان إلى أنه سكب مادة البنزين على جسده في ملعب المدرسة، صارخاً بعبارات عن عدم قدرته على تحمّل الأوضاع الاقتصادية في البلد. ومن ثم أشعل النار بنفسه احتجاجاً أمام مرأى الجميع، ما أدى إلى إصابته بحروق من الدرجة الثالثة، لينقل بعد ذلك إلى مستشفى السلام في طرابلس التي فارق فيها الحياة اليوم الجمعة.

وفي التفاصيل، فإن جورج زريق أخرج ابنه من مدرسة بكفتين الخاصة في الكورة بعد رسوبه، مبقياً ابنته فيها لتفوقها وتميّزها في جميع المواد الدراسية، رغم تردي أوضاعه المادية حاله كحال معظم اللبنانيين الذين تتراجع قدرتهم الشرائية مع كل مطلع نهار، ويعانون من أوضاع مادية صعبة، بسبب الظروف السياسية العامة في البلاد.

لكن بعد أن تراكم القسط المدرسي المتوجب عليه، أرسلت إليه إدارة المدرسة بلاغات عدة مع ابنته تطالبه بالدفع، فقرّر سحب ابنته من المدرسة لينقلها إلى أخرى رسمية يستطيع تحمل تكاليفها. وتواصل هاتفياً أكثر من مرة مع مدير المدرسة بشارة حبيب، طالباً إفادة لابنته المتفوقة في الدراسة كي ينقلها إلى مدرسة أخرى رسمية أقل كلفة، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، ورفضت المدرسة تلبية طلبه، مشترطةً تسديد القسط أولاً. حاول جورج اللجوء إلى توقيع تعهد بالدفع، لكن طلبه قوبل بالرفض أيضاً، فأقدم على حرق نفسه في باحة المدرسة من دون مقابلة مدير المدرسة.

هدّد بالانتحار ونفذ تهديده

وأوضح شقيق جورج المدعو شكري زريق لـ"العربي الجديد" قائلاً: "أخي هو شهيد تلامذة لبنان في الرسمي والخاص، شهيد الأبوة في لبنان، وطننا الذي نشعر فيه بالخذلان أمام أطفالنا حيث يقف فقر حالنا حاجزاً بينهم وبين حقهم في التعليم. أضرم النار في روح كل أب يتمزق في يومياته كي يعلّم أطفاله علهم يصلون إلى حال أفضل من حاله".

غص صوته، ثم تابع "أخي كان سائق تاكسي يوصل الليل بالنهار، واهباً روحه لأبنائه، خسرناه جسدياً، لكن عائلته كانت تراه يحترق مع كل اتصال يطالبهم ببدل التعليم، الذي هو حق من المفروض أن يكون مقدساً ومصاناً لنا في بلدنا. نحن كعائلة خسرنا أخاً وأباً ورجلاً متعباً مترهل الروح، لكن الخاسر الأكبر اليوم هو لبنان، الذي ينزف من وجع المواطنين، وخاصة الأهالي".

ورداً على سؤالنا عن تفاصيل الحادث قال: "الجهة المعنية، أي المدرسة، من حقها أن تدافع عن نفسها، بطبيعة الحال لديهم التزامات، لكن العتب والوجع أن جورج قال للمدير إنه سيحرق نفسه إن لم يثق به بتعهّد مكتوب بعد خمس سنوات من التعامل معاً، وكان من الأخير أن تجاهل أمراً بغاية الأهمية، وكان بإمكانه أن يبلغ المخفر الذي يبعد نحو كيلومترين عن المدرسة، لكن تم التعامل مع روح أخي المتعب باستهتار ومن دون أي شفقة. باختصار من كثرة أوجاع المواطنين انعدم الإحساس بالتهديد الحقيقي".






إدارة المدرسة

من جهتها، أعربت المدرسة عن أسفها لتحول موضوع مادي إلى مأساة. وتلقّى "العربي الجديد" من الإدارة رداً يؤكد أنها لم تهدد جورج بطرد ابنته في حال عدم الدفع. وذكرت لنا المتحدثة باسم المدرسة (لم تذكر اسمها) أن الإدارة "أرسلت له وللعديد من أولياء الأمور المقصرين عن الدفع أربع رسائل ودعوات خطية مع التلاميذ أبنائهم، مطالبة بمراجعة المدرسة لتسوية الأمور المالية دون اللجوء إلى أي أسلوب تهديد بالفصل أو ما شابه ذلك".

وأوضحت أن "إدارة المدرسة سبق لها أن ساعدت المرحوم مرات عدة منذ أن سجل ولديه منذ خمس سنوات، وهي غير بعيدة عن ظروفه المعيشية، حتى إنها عملت على إعفائه من دفع الأقساط المدرسية مرات عدة، باستثناء رسوم النقليات والقرطاسية والنشاطات غير التربوية  كالرحالات".

وناشدت وسائل الإعلام "توخي الدقة الشديدة عند سرد ما حصل، فثانوية سيدة بكفتين الأرثوذكسية ممثلة بإدارتها كانت متعاونة كل التعاون مع أولياء الأمر، وذلك تحت طائلة المسؤولية".





وزارة التربية...حل متأخر

أوعز وزير التربية والتعليم العالي، أكرم شهيب، بفتح تحقيق لجلاء الملابسات المحيطة بالحادثة، وشدد في بيان أصدره اليوم، أن "وزارة التربية التي استوعبت خلال العام الحالي في المدارس الرسمية آلاف التلاميذ الذين انتقلوا إليها من التعليم الخاص بسبب صعوبة الظروف الاقتصادية، لم تتوان يوماً عن منح الطلاب الإفادات اللازمة للتسجيل في المدارس الرسمية، انطلاقاً من حق الوصول إلى التعليم للجميع".

وأكد شهيب توليه متابعة تعليم ولدي المرحوم جورج زريق، وتأمين المنح اللازمة من أجل استكمال تعليمهما، متوجهاً للأسرة بأحر التعازي، ومعرباً عن أمله بأن تشكل هذه الحادثة المؤلمة حافزاً للحكومة كي تولي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة الأولوية في عملها.



البلدية

وأوضح رئيس بلدية بكفتين جورج شوبح لـ"العربي الجديد" أن المرحوم "قضى متأثراً بجراحه بعد أن أضرم النار في نفسه قبل مواجهة أحد في ذلك الوقت، وأنه لم يلتق مدير المدرسة أمس". وأضاف "على وسائل الإعلام توخي الدقة في ما يتعلق بحادثة بكفتين، لأنني شخصياً أشهد على تعاونهم (إدارة المدرسة) التام والملموس مع الجميع، وأنهم غير قساة ويأخذون الواقع الاقتصادي الذي يعاني منه جميع اللبنانيين حالياً ومنهم أنا، بعين الاعتبار طبعاً".

وأكمل: "بدون خجل، حتى أنا، رغم أنني رئيس بلدية وأب لثلاثة أطفال، مقصّر في دفعات مدرسة أطفالي، إلا أن الأمر كان يجب أن يعالج بطريقة أكثر وعياً. لا أعلم حجم الضغوطات التي كان يعاني منها (جورج زريق) والظروف التي رافقت هذا الحدث الأليم لعائلته الكريمة، وليس بمقدورنا أن نحكم على تصرفه، ونتقدم بالعزاء لذويه".




الدعوة إلى الاعتصام 

ودعا اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة إلى الاعتصام أمام وزارة التربية يوم الاثنين المقبل لاستنكار ما حدث، وللتحذير من مغبة ما يعانيه أهالي الطلاب في مسألة الأقساط مع إدارات المدارس الخاصة.


ونشر على صفحته الرسمية على "فيسبوك" منشوراً جاء فيه: "كي لا يسقط جورج آخر بنار أقساط المدارس، وكي لا يسقط عمر أو علي أو معروف، وكي نستعيد حقوقنا المهدورة من قبل إدارات المدارس الخاصة بالتواطؤ مع كبار الموظفين في وزارة التربية، ولأنّ الحكومة حكومة عمل كما يقولون، ولأن وزير التربية هو المسؤول المباشر عمّا يحصل في المدارس الخاصة حسب القانون، ولأن الاستمرار في السكوت عن الفساد في الملف التربوي جريمة، يدعوكم اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمر إلى اعتصام أمام وزارة التربية، وذلك يوم الإثنين 11 فبراير/ شباط 2019 الساعة التاسعة والنصف صباحاً".

استنكار للحادث المفجع

وشغل الموضوع وسائل التواصل الاجتماعي، وعلّق عدد من الناشطين والسياسيين على الحادث المفجع.


وغرد رئيس حزب الكتائب سامي الجميل بالقول:



كما كان النائب وليد جنبلاط من بين المغردين عبر "تويتر" إذ قال: "في انتظار قانون الـPPP وما يسمى الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام وطبعاً تشكيل الهيئات الناظمة والإصلاحات، مواطن في الكورة يذكرنا بالبوعزيزي".



والانتحار مصدر قلق كبير في العديد من المجتمعات، إذ سُجلت في لبنان مئتا حالة انتحار عام 2018، مقارنة بـ143 حالة خلال 2017، وبين عامي 2009 و2018 وقعت في لبنان 1393 حالة انتحار، بحسب إحصاءات لقوى الأمن الداخلي.

وتفيد الإحصاءات أيضاً بحدوث حالة انتحار كل يومين ونصف يوم (60 ساعة)، ومحاولة انتحار كل ست ساعات.