يعود أبو عمار الحمصي من السوق وقد جلب معه القليل من الأرز وربطة خبز، يلاقيه أطفاله بلهفة منتظرين ما يملأون به معداتهم، في حين كانت أم عمار قد أشعلت النار، فهي تعلم أن الوجبة الوحيدة التي يعيشون عليها منذ مدة طويلة عبارة عن شوربة رز أو عدس أو برغل، يضعون فوقها الخبز ويتناولونها، قائلة في حديث مع "العربي الجديد": "منذ نحو 20 يوما بدأت المواد الغذائية الأساسية تقل في السوق، والأسعار ترتفع يوماً بعد آخر، حتى وصلنا اليوم إلى أن تأمين نصف كيلوغرام من الأرز يحتاج إلى بحث مطول".
وقد يكون أهالي مخيم الركبان قد اعتادوا على عدم تناول الخضار والفواكه لفترات طويلة، واعتماد الخبز وجبة رئيسية مع القليل من مواد أخرى، إلا أنه حتى هذه المادة مهددة بأن تفقد من السوق، بحسب ما تحدث به أحمد الصغير، النازح المقيم في مخيم الركبان، لـ"العربي الجديد"، معرباً عن قلقه الكبير من مسألة نقص الطحين، "ما يعني توقف الفرن عن إنتاج الخبز"، وفي ظل فقدان باقي المواد الغذائية، يكون المخيم مقبلا على مجاعة ستهدد حياة كثير من سكان المخيم.
ورأى المقيم في مخيم الركبان، الصحافي خالد العلي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن للحصار العديد من السيناريوهات، وكلها تصب في إفراغ المخيم من سكانه، ودفعهم للخروج إلى مناطق النظام ليموت الشبان على الجبهات أو جوعاً داخل المخيم، وغالبية الناس مع الخيار الثاني"، مضيفاً "بالرغم من عدم الاستجابة، لكننا ما زلنا نناشد أصحاب القلوب الرحيمة التدخل لوقف ما يحصل في مخيم الركبان".
وسبق أن حاصر النظام والروس المخيم العام الماضي، ما أجبر مئات العائلات على الخروج من المخيم، هرباً من الجوع وبحثاً عن العلاج، حيث تم حجزها في مراكز إيواء خاصة، ومن ثم أعيدت العائلات إلى مناطقها، في حين تم سوق الشبان إلى الخدمة في صفوف القوات النظامية، كما سجلت حالات اعتقال بينهم.
وأكد رئيس هيئة العلاقات العامة والسياسية لمخيم الركبان محمد أحمد درباسي، لـ"العربي الجديد"، فقدان المواد الغذائية في المخيم، لافتاً إلى أن "الفرن الوحيد سيتوقف عن العمل خلال الساعات المقبلة بسبب عدم توفر مادة الطحين".
وأعرب عن استغرابه عدم الاهتمام الدولي بمخيم الركبان حيث انقطعت السبل بآلاف المدنيين "في بادية قاحلة لا توجد فيها لا زراعة ولا عمل، حيث تدخل إلى المخيم كل عدة أشهر، وقد تصل إلى عام، بعض المعونة غير المجدية".
وكانت هيئة العلاقات العامة والسياسية لمخيم الركبان، قد قالت عبر صفحتها على موقع "فيسبوك"، يوم أمس الاثنين، إن "الركبان يقتل بصمت"، في حين أعلنت في اليوم ذاته أن "مخيم الركبان منطقة منكوبة إنسانياً".
Facebook Post |
وبينت أن "المليشيات الأسدية والإيرانية والروسية تحاصر مخيم الركبان منذ شباط (فبراير) 2019... وخلالها لم تدخل إلى المخيم أي مساعدات إنسانية، فآخر قافلة أممية كانت بشباط 2019... وفي آخر ثلاثة أسابيع مضت، أطبقت تلك المليشيات الحصار على المخيم، فلم يدخل للمخيم سوى الهواء، ولو استطاعت تلك المليشيات لمنعت دخوله. الوضع داخل المخيم مأساوي جدا جدا".
ولفتت إلى أنه "يوجد فرنان في المخيم، فرن توقف فلم تعد لديه مواد أساسية للعمل من طحين وديزل، والفرن الآخر كان يقوم بخبز 1 طن من الطحين يومياً، أما اليوم فتناقصت الكمية إلى نصف طن من الطحين، بيوم عمل ويوم عطلة، أي انخفضت كمية الخبز إلى الربع، والفرن أخبر الأهالي بأنه لن يستطيع العمل أكثر من يومين آخرين، ولا يوجد طحين بالأسواق، حتى كميات الرز والبرغل أصبحت مهددة بالنفاد، لأن المادتين حلتا بدل الخبز، ولكن لن يدوم ذلك أكثر من عدة أيام، ولم نتلق بالمخيم أي تطمينات أو وعود بحل تلك الأزمة الإنسانية من أي جهة لا دولية ولا إنسانية أو أممية".
يشار إلى أن عدد سكان مخيم الركبان كان قد وصل إلى نحو 80 ألف شخص، إلا أنه تم العمل خلال السنوات الماضية على تفريغه، فجزء كبير منه انتقل عبر طرق التهريب إلى مناطق شمال شرق سورية، ومناطق المعارضة في الشمال السوري، وجزء آخر انتقل إلى مناطق النظام تحت ضغوط الحصار والحاجة إلى العلاج، حيث تم تجنيد شريحة واسعة من الشبان ضمن صفوف القوات النظامية.