الحرب تقتل أشجار اليمن

12 أكتوبر 2015
لم يبق أمامه سوى الأشجار (العربي الجديد)
+ الخط -

يستيقظ خالد السعواني (16 عاماً) باكراً من أجل تأمين الحطب اللازم للطبخ بعد انقطاع الغاز المنزلي. وفي ظلّ الأزمة الاقتصادية الكبيرة، لا يجد أمامه سوى أشجار زينة الطرقات والحدائق العامة، يقطع منها ما استطاع من أغصان تستخدمها والدته في التنور الطيني التقليدي الذي استبدلت به البوتاغاز.

وصل سعر أسطوانة الغاز في اليمن إلى 42 دولاراً أميركياً، وهو ما لا يتمكن السعواني وعائلته تحمله. وعدا عن الأغصان يبحث عن قطع خشبية مرمية وورق مقوّى وكلّ ما يمكن رميه تحت فرن المنزل المستحدث. ويقول: "أخرج يومياً في الصباح أو المساء إلى بعض المناطق التي تكثر فيها المؤسسات والشركات والمستودعات للبحث عن بقايا أخشاب أو ما يمكن حرقه من الأشجار".

من جانبها، تؤكد سمية البعداني (44 عاماً) شح الأخشاب في العاصمة صنعاء بعد حرص كثير من الأسر على جمعها ليتم استخدامها للطبخ منذ اندلاع الحرب وانقطاع الغاز. تقول لـ"العربي الجديد": "قبل أشهر، كنت أذهب إلى بعض المستودعات والمخازن والمصانع التي كانت ترمي الأخشاب وقطع الكرتون، لأحصل على كميات منها". لكنّ الوضع تغير ولم تعد تجد غايتها بعد ازدياد المنافسة من المواطنين على المورد نفسه. وتشير البعداني إلى أنّ أسعار الحطب في الأسواق في ارتفاع مستمر أيضاً ما يجعل أسرتها غير قادرة على شرائه ناهيك عن شراء الغاز شبه المفقود من الأسواق.

وبينما توزع الشركة الحكومية المعنية الغاز بكميات ضئيلة إلى عقال (رؤساء) الحارات بهدف إعادة توزيعها على المواطنين، تشكو البعداني من المحاباة التي يعتمدها هؤلاء العقال. ما يدفعهم إلى توزيع الغاز على المواطنين أو منعه بحسب الوساطات والعلاقات الشخصية والانتماءات الحزبية والسياسية.

هذا وكان لأزمة انقطاع الغاز تأثير على النازحين أيضاً. فقد شكلت عاملاً أساسياً في مناطق توزع الفقراء من بينهم خصوصاً، الذين نزحوا نحو مناطق ريفية أكثر أمناً. وعن ذلك، يقول محمد السري من محافظة صعدة (شمال) إنّه انتقل مع أسرته من قرية الزافن، إحدى قرى عمران، لينصب خيمته في منطقة شبة جبلية خالية من السكان من أجل الاستفادة من وفرة الأشجار الشوكية فيها لطبخ ما تحصل عليه الأسرة من مساعدات من منظمات الإغاثة. ويضيف أنّه لا معنى من كلّ المساعدات الغذائية من دون غاز لطبخها. لكنّه يجد الحلّ في الحطب والأشواك التي يوقدها ثلاث مرات يومياً. وهو ما يجعل المساعدات التي سيتسلم حصته منها هذا الشهر أساسية.

ففي الريف الوضع أفضل من المدن، والأشجار المنتشرة في الجبال والوديان تجعل من عملية البحث عن الحطب أكثر يسراً. ومع ذلك، تضطر بعض الأسر الفقيرة التي لا تملك الأراضي الزراعية، إلى شرائه وإن بأسعار منخفضة مقارنة بالمدن.

ويُعبّر عبد القوي السفياني عن استيائه من استمرار انقطاع الغاز المنزلي، بالرغم من أنّ اليمن إحدى أكثر الدول الغنية به. ويشير إلى أنّ أزمة الغاز دفعت الناس إلى وسائل تقليدية للطبخ وغيره. ويضيف أنّ محافظة المحويت (غرب) التي يعيش فيها، واحدة من المحافظات الزراعية المليئة بالأشجار، لكنّ أشجارها "تواجه خطراً حقيقياً منذ أشهر بسبب اتجاه سكان المحافظة إلى قطعها لاستخدامها في المواقد في ظلّ أزمة الغاز المستمرة".

ويرجع السفياني أسباب انقطاع الغاز في محافظته إلى الغارات الجوية التي دمرت الجسور والطرقات المحيطة بالمحافظة، والتي تربطها بالمحافظات والمدن المجاورة. كما يدخل في الأزمة أيضاً ازدياد أعداد السيارات التي تعمل على الغاز أخيراً، وهي التي لم تكن تعمل عليه أساساً، لكنّ سائقيها عمدوا إلى تعديل محركاتها بسبب أزمة المحروقات من بنزين ومازوت
المستمرة بدورها.

نشارة خشب

الأزمة التي يشهدها اليمن تدفع السكان إلى طرق بديلة لتأمين بقائهم. ومن ذلك اختراع هاني بختان من صنعاء لتنور (فرن) يتكون من علبة حليب معدنية وماسورتين عرضية وطولية. لتعبأ بعدها نشارة الخشب في العلبة وتُضغط بشكل جيد داخلها. وبعد ذلك تقفل فتحة العلبة بالإسمنت وتسحب الماسورتان، فيصبح التنور جاهزاً للإشعال من الفتحة السفلية وتحضير الطعام عليه من أعلى.

اقرأ أيضاً: "فواتير الظلام" تصل إلى منازل اليمنيين
دلالات