وجوه العبودية الجديدة

10 يوليو 2015
للعبودية في شرقنا وجوه عصرية وحديثة (بوراك ميلي/الأناضول)
+ الخط -

فتيات أو نساء، عازبات أو متزوجات، عاملات أو عاطلات من العمل. العمر لا يهمّ. كذلك الجنسية أو اللون. يكفي أنهن إناث ليتعرضن لانتهاكات تمس كرامتهن. فتيات قاصرات في المغرب وسورية والعراق وغيرها من البلدان، يتاجر بهن، ويزوّجن قسرياً.

اتخذ الزواج القسري أشكالاً عدة، ليس آخرها زواج "الكونترا" (العقد) الرائج في المغرب. يعقد الاتفاق بين ولي الأمر والزوج المؤقت، في مقابل بدل مادي وضمن مهلة محددة. خلال هذه المهلة، يمكن للزوج المؤقت "الاستمتاع" بالطفلة حتى انتهاء مدة العقد. إنها عملية بيع وشراء. والسلعة فتاةٌ لا قرار لها ولا مصير أو مستقبل.

الأمر عينه حدث أخيراً في سورية، وتحديداً بين اللاجئات وإن لم يكن مؤقتاً. تبيع العائلة الفتاة في مقابل الحصول على بدل مادي لأسباب عدة، منها تخفيف العبء الاقتصادي عن كاهل الأسرة، علماً أن بيع الفتيات ليس جديداً في سورية، وكان يحصل في إطار زواج "الكونترا".
العمر ليس عبرة. نساء راشدات يقعن أيضاً ضحية الانتهاكات. نساء يُتاجر بهن بغرض الجنس أو العمالة أو الإثنين معاً، أي عمالة الجنس. ما كشفته هاجر عن كتيبة النساء في تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، بحسب إحدى الجرائد اللبنانية، ليس بعيداً عن هذا الواقع. فالتنظيم الذي أعطى النساء دوراً لقيادة كتيبة ما هو إلا غطاء لتجنيد نساء واستقطاب أخريات. تختلف أغراض الاستقطاب لكنها تلتقي عند كرامة النساء وأجسادهن. تعد أجسادهن عورة، لكن انتهاكها "حلال".

السيستم أيضاً بالمرصاد. يستقبل نظام الكفالة النساء المهاجرات اللواتي يبحثن عن فرص عمل أفضل في شرقنا بأذرع مفتوحة. يُجبرن على الخضوع لمن يتحكم بحريتهن الشخصية ومواردهن وأوقاتهن وحرية تنقلهن. تحت ذريعة الكفالة، أشكال مقززة من الانتهاكات للكرامة الإنسانية.

للعبودية في شرقنا وجوه عصرية وحديثة. وجه يبرّر الارتهان للأب بحكم رابطة الدم، ليصبح السلطة المطلقة في تقرير المصير. ووجه يبرر الارتهان للتقاليد باسم الدين، ويعطيه السلطة المطلقة في استنساب الممارسات القمعية بحق النساء والفتيات. ووجه يبرر الارتهان للمنظومة باسم الكفالة. ثالوث الأبوية والدين والمنظومة يتقاطع عند نقطة واحدة هي حقوق النساء والفتيات.

العبودية بمعناها التقليدي (التعامل مع الأشخاص على أنهم سلع) ربما انتهت. تسابقت البلدان على حظرها. لكن هل تبتعد الممارسات أعلاه كثيراً عن هذا التعريف؟ "يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق". هذا نص المادة الأولى في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان. ربما يجب أن تعيد الأمم حساباتها في ما يتعلق بوجوه العبودية الجديدة.
(ناشطة نسوية)

اقرأ أيضاً: لو لم يكن الانتحار "حراماً"
المساهمون