السجن ظلماً يدفع العراقيين إلى الهرب من البلاد

28 مارس 2018
قبيل الإفراج عن دفعة من المساجين (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -

السجن يدعو عراقيين كثرا إلى الهجرة بحثاً عن مكان بديل آمن. وهؤلاء يؤكدون أنّ السجون ليست لمن أذنب، بل إنّ عشرات الآلاف دخلوا إليها ظلماً.

عندما يُسجن المرء من دون وجه حق، لا بدّ أنّه سوف يشعر بالخوف وبعدم الأمان عند إطلاق سراحه، ويكون هدفه بالتالي مغادرة البلاد. هذه هي حال عدد كبير من العراقيين، ويروي بعض منهم ما عاناه، لـ "العربي الجديد".

يخبر أحمد جمعة (37 عاماً) أنّه كان أفضل حالاً من السجناء المظلومين الذين عرفهم في السجن، مشيراً إلى أنّه كان يمرح باستمرار ولم يبالِ بوجوده خلف القضبان، في حين أنّ كثيرين من رفاقه هناك كانوا في وضع نفسي سيّئ. ويشير إلى أنّ "ما كان يجمعني وزملائي في السجن، هو تفكيرنا في عدم البقاء في البلاد بمجرّد إطلاق سراحنا". ويقول جمعة: "سُجنت في عام 2008 بسبب اتهام باطل من قبل زميل لي في العمل. هو اتهمني بارتباطي بعناصر مسلحة وارتكاب جرائم قتل وسرقة. وهو كان ينافسني في مجال عملي، تجارة الأجهزة الإلكترونية، وتربطه علاقة قوية مع إحدى المليشيات، بالتالي كان من السهل تلفيق أيّ تهمة لأيّ شخص فتقوم المليشيات بالواجب".

ستة أشهر هي المدّة التي قضاها جمعة في السجن، ويلفت إلى أنّ "عدد المسجونين كبير جداً. وبحسب ما يقول زملاء لي تنقّلوا بين أكثر من سجن، فإنّ السجون كبيرة في العراق، والمظلومين كثيرون". ويؤكد جمعة أنّ "الذين دخلوا السجن ظلماً كرهوا الوطن. كثيرون منهم يلعنون حظهم لأنهم ولدوا في هذا البلد، لذا راحوا في السجون يخططون للهجرة وترك العراق بعد إطلاق سراحهم". تجدر الإشارة إلى أنّ جمعة نفّذ القرار الذي اتخذه حين كان مسجوناً، فقد ترك البلاد وتوجّه بداية إلى سورية حيث أقام لعامَين، قبل أن ينتقل إلى لبنان حيث يستقر حالياً.


أيّ من هؤلاء قد تُلفَّق له تهمة (أحمد الربيعي/ فرانس برس)

ذكريات السجن مؤلمة جداً، وقد تمثّل صدمة لغير المسجونين، إذ تكشف لهم حقيقة ما يدور في الداخل ويطّلعون على أحوال السجناء الذين حُكم عليهم من دون أيّ ذنب. عائلة عمر يوسف، على سبيل المثال، تركت كلّها البلاد بعد سجن ابنها الشاب الذي كان لا يزال يتابع دراسته في الجامعة. فالأب قرّر أن يهرب بعائلته بحثاً عن بلاد لا يسجن فيها أولاده بلا ذنب. ويخبر عمر أنّه وعائلته حصلوا على الجنسية الأميركية قبل ثلاثة أعوام، "بعدما تركنا جميعنا العراق عقب خروجي من السجن. فقد حصلنا على لجوء إنساني في الولايات المتحدة الأميركية".


ويقول عمر: "اعتقلت في عام 2007، بعد حملة مداهمات من قبل القوات الأمنية لحيّنا السكني الواقع غربيّ بغداد، بحثاً عن سلاح وعن إرهابيين، وذلك بعد تعرّض دورية عسكرية كانت تمرّ في الحيّ إلى هجوم مسلّح. وكانت فترة 2005 - 2009 من أصعب الفترات التي مرّ بها العراق، إذ وقعت أعمال عنف طائفي". يضيف عمر: "لم تجد القوات الأمنية التي فتشت منزلنا ما تديننا به، لكنّهم اقتادوني من بين إخوتي الخمسة. وقد اعتقل في ذلك اليوم نحو 50 شاباً".

شهر واحد أمضاه عمر داخل السجن، خلاله كان والده يعدّ العدّة للهرب مع العائلة إلى خارج العراق بعد الإفراج عن عمر. ويشير عمر إلى أنّ "والدي كان على اتصال مع ضباط في السجن، فتوصّل معهم إلى اتفاق يقضي بخروجي مقابل ثلاثين ألف دولار أميركي". ويتابع: "باع والدي منزلنا وسيارته وجمع ما لديه من مال في السوق من تجارته في الأثاث وسافرنا إلى الأردن. كان اعتقالي سبباً مهماً في حصولنا على لجوء إنساني في الولايات المتحدة". ويؤكد عمر أنّ "ثمّة عشرات آلاف المظلومين في السجن، حلمهم الوحيد هو الخروج منه والهجرة من البلاد".


بهدف الهرب من البلاد بعد السجن، وصل الأمر ببعض العراقيين إلى حدّ المخاطرة بحياتهم. فقد دفعهم عجزهم عن تحمّل تكلفة باهظة لبلوغ أوروبا بأمان، إلى ركوب البحر في زوارق مطاطية لا تتوفّر فيها أيّ مقوّمات للأمان. محمد عادل من هؤلاء، ويقول إنّه وصل إلى أوروبا لقاء مبلغ ألفَي دولار، "وهو المبلغ الذي تمكنت من جمعه في العراق". فسافر براً إلى تركيا بداية، ومنها إلى اليونان عبر زورق مطاطي مخصص لحمل عشرين شخصاً "في حين كنّا خمسين مهاجراً عربياً على متنه". يضيف أنّ "الزورق غرق قبل وصوله إلى السواحل اليونانية، لكنّني تمكّنت من النجاة مع 23 آخرين. بعدها، واصلت رحلتي بمساعدة مهرّبين وصولاً إلى بلجيكا".

في بلجيكا، تزوّج عادل وأنجب بنتاً قبل عام، وما زال يستذكر أيام سجنه. يقول: "سُجنت بسبب وشاية من مخبر سري علمت هويته وأنا في السجن. هو شقيق شابة كنت أحبّها وأنوي الزواج بها، وقد صارحته بنيّتي الزواج من شقيقته. لكنّه رفض وهددني بإضاعة مستقبلي، وبالفعل هذا ما حصل. كانت تهمتي أنّني أوصل السلاح إلى مجموعة إرهابية. بعد نحو شهرين، خرجت من السجن وقد ثبت للقضاء أنّني بريء". ويتابع عادل: "في السجن كنت شاهداً على أشخاص مضى على سجنهم أكثر من ثلاثة أعوام بتهم كاذبة. وقد عرفت حينها أنّ من يطلق سراحه من المظلومين بعد إثبات براءته، لا يحقّ له أن يطالب بتعويض عمّا لحق به من ظلم. فحسمت أمري بالهرب من البلاد. كيف أعيش في بلد قد أسجن فيه من دون ذنب في أيّ وقت؟".