تعاطف كاذب

15 فبراير 2016
من يشتري الحبّ منها؟ (Getty)
+ الخط -

تحمل الطفلة ورودها الحمراء في جعبتها. تدور فيها على المتنزهين على كورنيش الروشة قبالة الصخرة الشهيرة في العاصمة اللبنانية بيروت. من يشتري الحبّ منها؟ من يقدم لها ورقتين ماليتين أو ثلاثاً لا تتجاوز قيمتها دولارين أميركيين؟
ربما تنجز مهمتها سريعاً، وربما تتأخر في ذلك. فالمطلوب أولاً وأخيراً أن تنهي ما معها من "بضاعة" وتعود من حيث أتت. حيث لا أحد يعرف أين أو يهتم حتى.

يلتقط أحدهم صورتها بهاتفه المحمول. ينشر الصورة بسرعة لطفلة يندب هو نفسه حظها فكأنه يتقمصها ويعلم كلّ ما مرت به من مآس، ويتباكى على حالها. يبث أصدقاؤه عواطفهم إعجابات وتعليقات متعاطفة، وأخرى تشتم من يشغّلها وتطالب بمعاقبته.
لكنّ هؤلاء لا يقدمون البديل أبداً. فلو افترضنا أنّ الدولة تحركت فعلاً واعتقلت مشغّل الفتاة، وهم أهلها في الغالب، فما الذي سيحدث لها؟ هل ستؤويها الدولة في مركز متخصص يؤمّن لها أسلوب حياة صحياً فيه من التعليم والترفيه والمعاملة الحسنة ما يغنيها عن أهلها الذين كانوا يستغلّونها؟ هل الدولة تهتم فعلاً بأطفال الشوارع؟ هل الجمعيات، لا الدولة، تبادر بدورها إلى ضمّ هؤلاء إلى برامجها المكثفة التي تستدرج من أجلها الدعم الخارجي؟ ذلك الدعم الذي يظهر عادة في جيوب مسؤولي تلك الجمعيات وحساباتهم المصرفية وحفلاتهم وسياراتهم ومساكنهم. هل ستكون الطفلة في مأمن من الاستغلال هناك؟

المسألة هي في انسلاخ عن الواقع يتحكم بهؤلاء "المهوبرين" خصوصاً في وسائل التواصل الاجتماعي. يجدها البعض موضة شعبية أن يقدم مثل هذه الصور مع البكائيات المعهودة لأصدقائه. هي تجارة من نوع آخر.. تجارة إعجابات ومشاركات وتعليقات وربما يكون من بعدها لقاء مع أحد برامج ليلة الإثنين الفضائحية، تلك التي تحسب نفسها وهي تتحكم بعقول المشاهدين وتثير غرائزهم، تصنع الرأي أو تصنع التغيير. وما هي كذلك أبداً، فالعقل هو الأساس مهما أطلق الناس العنان لغرائزهم.

يمكن أن نتخيل الأمر بشكل آخر واقعي تماماً. أن يشتري منها المصور تلك الورود. هو يعلم أنّ المال قد يصل إلى يد من يستغل الطفلة. لكنّ المطلوب منها هو إنهاء بضاعتها. عندها ربما يكون لها المزيد من وقت الراحة، الذي يمكن أن تمضيه في أيّ شيء خاص بها ولو عند الرصيف، أو عند الشاطئ، أو حتى تختبئ فيه بين القصب.. ربما تنام، أو تأكل سندويشاً اشترته خطفاً من مطعم مأكولات سريعة لطالما حلمت به.
الواقع نفسه يشير إلى أنّ تشغيل الأطفال في لبنان سيبقى، فلا الدولة ستتحرك ولا الجمعيات. إذاً، وببساطة، لا تزيدوا إلى النفاق نفاقاً. تعاطفكم لن ينقذ الطفلة أو ينصفها.

اقرأ أيضاً: تمساح الحبّ
المساهمون