التهريب أمر معتاد، ولا سيّما بالنسبة إلى سكّان المناطق الحدودية. لكنّ كثيرين يستهجنون "تورّط" نساء في هذا النشاط السري الذي يتحفّظون عليه في الأساس. وفي الأزمات، يبدو الأمر "مشروعاً"، اجتماعياً على أقلّ تقدير
في عالم خاص بالرجال تحكمه أعراف المغامرة بعيداً عن الخوف، نجحت التونسية أمّ يوسف في حجز مكان لها. انخرطت المرأة البالغة من العمر 37 عاماً في عالم المهرّبين، ليصير تهريب السجائر والمحروقات مصدر رزق لها منذ أكثر من ثمانية أعوام. هو عالم محفوف بالمخاطر، بحسب ما تشرح، غير أنّ "الكسب فيه مشجّع على الاستمرار في هذه المهنة المارقة على القانون".
تروي أمّ يوسف لـ"العربي الجديد" تجربتها في عالم التهريب التي دُفعت إليها في عام 2012، بسبب البطالة وحاجتها إلى المال لإعالة ثلاثة أطفال. تقول: "في البداية، لم أكن أتوقّع يوماً أن يتحوّل التهريب إلى مهنة دائمة أجني منها آلاف الدينارات. كنت فقط أنوي فكّ ضائقتي المالية في بادئ الأمر، ثمّ أغيّر الوجهة نحو نشاط آخر. لكن بعد ثمانية أعوام، ها أنا اليوم مهرّبة محترفة، أجيد فنون الاختفاء والتخفّي والمراوغة مع دوريات الجمارك". وتؤكّد: "نعم أنا مهرّبة، أتسلّل مساءً عبر الحدود الجزائرية من طريق الجبل الرابط بين محافظة جندوبة في تونس وعنابة في الجزائر بمعدّل أربع مرات أسبوعياً لجلب السجائر والمحروقات". ويمكن القول إنّ أمّ يوسف اكتسبت الخبرة، وكما تقول: "صار لي باع وذراع في عالم التهريب"، لا بل هي تنافس زملاءها الرجال في مجالات السجائر والعجلات المطاطية والمحروقات من الجزائر.
يبدأ يوم أمّ يوسف في فترة بعد الظهر، فترتّب رحلتها برفقة معاون لها من محافظة جندوبة، شمال غربي تونس، هو من يتولى قيادة السيارة، نحو الحدود الجزائرية عبر معبر ملولة الحدودي، لتنطلق في بداية الليل برحلة إلى حيث ينتظرها مزوّدوها في الأراضي الجزائرية، وتعود في الليلة ذاتها بعد أن تُحكم إخفاء السلع بطريقة رفضت الكشف عنها لـ"العربي الجديد"، لتقطع نحو 400 كيلومتر في رحلتها ذهاباً وإياباً.
اقــرأ أيضاً
تشرح أمّ يوسف أنّ نوعية السلع التي تجلبها تفرض عليها اختيار المسلك، سواء عبر الطرقات الوطنية أو المسالك الجبلية بعيداً عن أعين الأمن والجمارك، مؤكدة أنّها تعود عبر الطرقات الوطنية إذا كانت حمولتها من البنزين الذي تخزّنه في السيارة المعدّة لذلك التهريب. لكنّها تختار الطرقات الجبلية الوعرة عندما تكون الحمولة من السجائر أو عجلات العربات، مشيرة إلى أنّ "الطريق الجبلي خطر عادة، خصوصاً في فصل الشتاء عندما تكثر الانزلاقات وتزيد مخاطر حوادث المرور". وتذكر أنّ "زملاء لي من المهرّبين الرجال قضوا في حوادث مماثلة في المسالك الجبلية، في أثناء مطاردتهم من قبل الجمارك أو بسبب عدم درايتهم الكافية بتلك المسالك التي تتطلب قيادة حذرة".
وعن تقبّلها كأنثى في عالم خاص بالرجال، تقول أمّ يوسف: "أتخلّى عن أنوثتي بمجرّد الخروج في رحلة تهريب، وأنا أتعامل مع زملائي الرجال بمنطق الندّ للندّ، ولا أجد منهم إلى الاحترام بالإضافة إلى ما يقدّمونه من مساعدة في مناسبات عديدة. هم يدركون أنّني أعمل من أجل كسب قوت عائلتي، وهذا الأمر وحده يجعلني محلّ احترام. أكثر من ذلك، أنا أشعر أحياناً بأنّني في حمايتهم". وبينما تتباهى بأنّها تفلت كثيراً من قبضة الجمارك، لا تخفي أنّها وقعت أحياناً في الفخاخ، فصودِرت السلع التي تنقلها والمبالغ المالية التي في بحوزتها، بالإضافة إلى تحرير محاضر جمركية في حقّها، "الأمر الذي يجبرني على مضاعفة جهودي لتعويض الخسائر".
لا توحي قسمات وجه أمّ يوسف وبنيتها النحيفة بأنّها مهرّبة، فعالم التهريب الخاص بالرجال يتطلّب بنية جسدية قوية ونفساً طويلاً لمكابدة أعباء الطريق. لكنّها تلفت إلى أنّ الأمر ليس كذلك، فـ"الجنس اللطيف" بدأ يخوض التهريب، وبات لهؤلاء النساء شأن في المجال، لكن في اختصاصات معيّنة. وتؤكد أنّ "في أعراف المهرّبين، الرجال يحترمون زميلاتهم النساء. صحيح أنّنا لسنا كثيرات، لكنّ عالم التهريب بدأ يتأنّث".
اقــرأ أيضاً
ولا تنوي أمّ يوسف، على الرغم من التضييقات التي تشهدها المعابر الحدودية، الإقلاع عن نشاطها في التهريب، "فأنا لم أحقّق أهدافي بعد، وطريقي ما زال طويلاً نحو جمع ثروة تؤمّن عائلتي". وتتحدّث عن "زميلات كسبنَ أموالاً طائلة من التهريب، الأمر الذي ساعدهنّ على استثمارها في شراء عقارات للإيجار تدرّ عليهنّ شهرياً مداخيل محترمة".
ولا تملك مصالح الجمارك بيانات تتعلّق بالمهرّبات، كذلك لا تميّز ما بين المهرّبين على أساس الجنس. ويقول المتحدث الرسمي باسم الجمارك التونسية، العميد هيثم زناد، لـ"العربي الجديد" إنّ "التهريب عالم للذكور بامتياز، وإدارة الجمارك ومصالحها لا تملك أيّ إحصاءات على أساس النوع الاجتماعي" للمهربين، مشيراً إلى أنّ "النساء قلّة قليلة في هذا العالم المحفوف بالمخاطر". يضيف زناد أنّ "النساء قد يُعتمَدنَ للتمويه أو كمرافقات للطريق، ولم يسبق للجمارك أن أنجزت أيّ بحوث أو دراسات عن وجود النساء في ميادين التهريب"، شارحاً أنّ "مهرّبين يصطحبون عادة نساء معهم في رحلاتهم للإيحاء بأنّهم في رحلات عائلية حتى لا تُخضَع مركباتهم للتفتيش من قبل الدوريات". ويعود ليشدّد على أنّ "وجود نساء مهرّبات استثناء".
في عالم خاص بالرجال تحكمه أعراف المغامرة بعيداً عن الخوف، نجحت التونسية أمّ يوسف في حجز مكان لها. انخرطت المرأة البالغة من العمر 37 عاماً في عالم المهرّبين، ليصير تهريب السجائر والمحروقات مصدر رزق لها منذ أكثر من ثمانية أعوام. هو عالم محفوف بالمخاطر، بحسب ما تشرح، غير أنّ "الكسب فيه مشجّع على الاستمرار في هذه المهنة المارقة على القانون".
تروي أمّ يوسف لـ"العربي الجديد" تجربتها في عالم التهريب التي دُفعت إليها في عام 2012، بسبب البطالة وحاجتها إلى المال لإعالة ثلاثة أطفال. تقول: "في البداية، لم أكن أتوقّع يوماً أن يتحوّل التهريب إلى مهنة دائمة أجني منها آلاف الدينارات. كنت فقط أنوي فكّ ضائقتي المالية في بادئ الأمر، ثمّ أغيّر الوجهة نحو نشاط آخر. لكن بعد ثمانية أعوام، ها أنا اليوم مهرّبة محترفة، أجيد فنون الاختفاء والتخفّي والمراوغة مع دوريات الجمارك". وتؤكّد: "نعم أنا مهرّبة، أتسلّل مساءً عبر الحدود الجزائرية من طريق الجبل الرابط بين محافظة جندوبة في تونس وعنابة في الجزائر بمعدّل أربع مرات أسبوعياً لجلب السجائر والمحروقات". ويمكن القول إنّ أمّ يوسف اكتسبت الخبرة، وكما تقول: "صار لي باع وذراع في عالم التهريب"، لا بل هي تنافس زملاءها الرجال في مجالات السجائر والعجلات المطاطية والمحروقات من الجزائر.
يبدأ يوم أمّ يوسف في فترة بعد الظهر، فترتّب رحلتها برفقة معاون لها من محافظة جندوبة، شمال غربي تونس، هو من يتولى قيادة السيارة، نحو الحدود الجزائرية عبر معبر ملولة الحدودي، لتنطلق في بداية الليل برحلة إلى حيث ينتظرها مزوّدوها في الأراضي الجزائرية، وتعود في الليلة ذاتها بعد أن تُحكم إخفاء السلع بطريقة رفضت الكشف عنها لـ"العربي الجديد"، لتقطع نحو 400 كيلومتر في رحلتها ذهاباً وإياباً.
تشرح أمّ يوسف أنّ نوعية السلع التي تجلبها تفرض عليها اختيار المسلك، سواء عبر الطرقات الوطنية أو المسالك الجبلية بعيداً عن أعين الأمن والجمارك، مؤكدة أنّها تعود عبر الطرقات الوطنية إذا كانت حمولتها من البنزين الذي تخزّنه في السيارة المعدّة لذلك التهريب. لكنّها تختار الطرقات الجبلية الوعرة عندما تكون الحمولة من السجائر أو عجلات العربات، مشيرة إلى أنّ "الطريق الجبلي خطر عادة، خصوصاً في فصل الشتاء عندما تكثر الانزلاقات وتزيد مخاطر حوادث المرور". وتذكر أنّ "زملاء لي من المهرّبين الرجال قضوا في حوادث مماثلة في المسالك الجبلية، في أثناء مطاردتهم من قبل الجمارك أو بسبب عدم درايتهم الكافية بتلك المسالك التي تتطلب قيادة حذرة".
وعن تقبّلها كأنثى في عالم خاص بالرجال، تقول أمّ يوسف: "أتخلّى عن أنوثتي بمجرّد الخروج في رحلة تهريب، وأنا أتعامل مع زملائي الرجال بمنطق الندّ للندّ، ولا أجد منهم إلى الاحترام بالإضافة إلى ما يقدّمونه من مساعدة في مناسبات عديدة. هم يدركون أنّني أعمل من أجل كسب قوت عائلتي، وهذا الأمر وحده يجعلني محلّ احترام. أكثر من ذلك، أنا أشعر أحياناً بأنّني في حمايتهم". وبينما تتباهى بأنّها تفلت كثيراً من قبضة الجمارك، لا تخفي أنّها وقعت أحياناً في الفخاخ، فصودِرت السلع التي تنقلها والمبالغ المالية التي في بحوزتها، بالإضافة إلى تحرير محاضر جمركية في حقّها، "الأمر الذي يجبرني على مضاعفة جهودي لتعويض الخسائر".
لا توحي قسمات وجه أمّ يوسف وبنيتها النحيفة بأنّها مهرّبة، فعالم التهريب الخاص بالرجال يتطلّب بنية جسدية قوية ونفساً طويلاً لمكابدة أعباء الطريق. لكنّها تلفت إلى أنّ الأمر ليس كذلك، فـ"الجنس اللطيف" بدأ يخوض التهريب، وبات لهؤلاء النساء شأن في المجال، لكن في اختصاصات معيّنة. وتؤكد أنّ "في أعراف المهرّبين، الرجال يحترمون زميلاتهم النساء. صحيح أنّنا لسنا كثيرات، لكنّ عالم التهريب بدأ يتأنّث".
ولا تنوي أمّ يوسف، على الرغم من التضييقات التي تشهدها المعابر الحدودية، الإقلاع عن نشاطها في التهريب، "فأنا لم أحقّق أهدافي بعد، وطريقي ما زال طويلاً نحو جمع ثروة تؤمّن عائلتي". وتتحدّث عن "زميلات كسبنَ أموالاً طائلة من التهريب، الأمر الذي ساعدهنّ على استثمارها في شراء عقارات للإيجار تدرّ عليهنّ شهرياً مداخيل محترمة".
ولا تملك مصالح الجمارك بيانات تتعلّق بالمهرّبات، كذلك لا تميّز ما بين المهرّبين على أساس الجنس. ويقول المتحدث الرسمي باسم الجمارك التونسية، العميد هيثم زناد، لـ"العربي الجديد" إنّ "التهريب عالم للذكور بامتياز، وإدارة الجمارك ومصالحها لا تملك أيّ إحصاءات على أساس النوع الاجتماعي" للمهربين، مشيراً إلى أنّ "النساء قلّة قليلة في هذا العالم المحفوف بالمخاطر". يضيف زناد أنّ "النساء قد يُعتمَدنَ للتمويه أو كمرافقات للطريق، ولم يسبق للجمارك أن أنجزت أيّ بحوث أو دراسات عن وجود النساء في ميادين التهريب"، شارحاً أنّ "مهرّبين يصطحبون عادة نساء معهم في رحلاتهم للإيحاء بأنّهم في رحلات عائلية حتى لا تُخضَع مركباتهم للتفتيش من قبل الدوريات". ويعود ليشدّد على أنّ "وجود نساء مهرّبات استثناء".