حيل الطيور من أجل البقاء [2]

17 مايو 2016
تتجمّع الزرازير ككرة كثيفة لتعوّق اقتراب الباشق (فرانس برس)
+ الخط -

بعض أنواع البوم التي تعيش في الأنفاق أو الجحور تحت الأرض، مثل البومة الصغيرة التي نجدها في لبنان والعالم العربي أيضاً، تضطر إلى ترك فراخها في الجحر لتبحث عن طعام. وقد طوّرت هذه الفراخ لنفسها وسيلة دفاعية تتمثل في إصدارها صوتاً يشبه فحيح الأفعى، كلّما أحست بأنّ أحداً يحاول الدخول إلى الجحر أو حفره لتوسيعه، سواء أكان حيواناً أو إنساناً. فيهرب الدخيل ويزول الخطر.

تعدّ هذه الحيلة من أنجح وسائل الدفاع. حتى أنّ البومة هذه تنتظر خروج الأرنب من جحره، لتدخل. وعندما يعود، تصدر صوت الفحيح نفسه الذي يصدره صغارها، فيهرب الأرنب بلا رجعة. صحيح أنّها وسيلة جدّ ناجحة، إلا أنّها تفشل إذا كان الدخيل أفعى.. حقيقية. عندها، لن تنفع الحيلة، خصوصاً أنّ الأفاعي صماء لا تسمع الأصوات.

من أشكال الدفاع عن النفس الأخرى، نذكر ما يعمد إليه طائر واق الشمس، الذي ما إن يلمح عدواً له، حتى يرفع ذيله ويفرد جناحيه بطريقة يجعل فيها جسمه ضخماً. يظنّ العدو أنّه لن يستطيع القضاء على طريدة بهذا الحجم، فيذهب إلى حال سبيله. لكنّ أنواع طيور كثيرة تنفش ريشها لتكبير حجمها، مثل هازجة القصب الصغيرة المنتشرة في لبنان وبعض دول الشرق الأوسط، إذا شعرت بتهديد حيوانات أخرى، بما في ذلك الإنسان.

من جهته، يعمد طائر الطيهوج إلى التمويه في فصل الشتاء. يتحوّل ريشه البنيّ إلى أبيض يتماشى مع لون الثلج، فلا تراه الحيوانات والطيور العدوّة التي تفترسه عادة. لكن مع حلول موسم ذوبان الثلوج، يواجه الطيهوج مشكلة تبديل ريشه من أبيض إلى بنيّ. ولأنّ مدة تبديل الريش طويلة قد تستلزم أكثر من شهر، فإنّ طيور الطيهوج تتجمّع في مناطق لم يذب فيها الثلج بعد. يُذكر أنّ الوضع يصبح محرجاً مع مرور الوقت. في الواقع، تطرح الإناث ريشها أولاً ويصبح لونها بلون الأرض وتذهب إلى الغابة حيث تبني لها أعشاشاً في انتظار وصول الذكور. أما الأخيرة، فيستحيل عليها دخول الغابة برداء أبيض يكشفها أمام أعدائها الطبيعيين. لذلك، تعمد إلى التمرّغ بالطين ولا تلحق بالإناث إلا مع استبدال كامل ريشها.

بالنسبة إلى طيور البطّ المعروفة جيداً في البلاد العربية، فإنّ ذكورها ملوّنة بينما إناثها بنيّة مرقشة بلون التراب، إذ إنّها في حاجة إلى عدم لفت النظر عندما تكون حاضنة للبيض في العشّ على الأرض. وفي حال اقترب كائن من الواحدة منها أكثر من اللزوم، يطير الذكر الذي لا يكون بعيداً وهو يصدر أصواتاً ليلفت نظر الدخيل بصوته وبلونه. ويبعده عن العشّ.

أما طائر السكرتير الذي يتغذّى على الأفاعي، فيضربها ضرباً مبرحاً بقائمتيه على رأسها حتى تنفق قبل أن يلتهمها. إذا كانت الأفعى سامة، يقترب منها ويمدّ لها ريش جناحه لتعضّه. وحين يتأكد من أنها أفرغت كل سمّها، يبرحها ضرباً لتنفق، فيلتهمها.

إلى ذلك، تتمتّع بعض أنواع الطيور بتكتيك يحميها من أعدائها الطبيعيين، مثل الزرازير. هي معروفة بأنها تقصد منطقة الشرق الأوسط انطلاقاً من أوروبا، هرباً من الصقيع في فصل الشتاء. بمعنى آخر، يمكن القول إنّها تمضي الشتاء عندنا. ونراها في الحقول، حيث تلتهم أيّ شيء من نمل إلى عناكب وجنادب وديدان وضفادع صغيرة وحبوب وبذور وفاكهة، حتّى أنّها تتناول روث الأبقار والحشرات التي تتغذى عليها. ما إن ترى تلك الزرازير الخطر يتوجّه صوبها من حيوان أو إنسان، فإنّها تطير بسرعة. على الأرض، تنجو من حيوانات كالثعالب والكلاب والهررة، وفي السماء تتجمّع على شكل كرة كثيفة لتعوّق اقتراب الباشق الذي يحاول اصطيادها. هو يفضّل الابتعاد عنها، إذ لا يتجرّأ على الدخول بينها.

*اختصاصي في علم الطيور البريّة

المساهمون