في العاشر من يونيو/ حزيران 2014 اجتاح تنظيم "داعش" الإرهابي مدينة الموصل لتسقط بعدها باقي مدن شمال وغربي البلاد خلال ساعات قليلة مع انهيار قوات الجيش العراقي، معلناً خلافته المزعومة، التي تسببت بموجة نزوح غير مسبوقة في العراق رافقتها عمليات عسكرية وهجمات للتنظيم خلفت عشرات آلاف القتلى والجرحى والمفقودين وخسائر مالية قدرتها الحكومة بأكثر من 100 مليار دولار غالبيتها ممتلكات خاصة.
وعلى الرغم من مرور خمس سنوات، ما زالت الأحداث الأليمة التي مر بها العراقيون ترافقهم، لا سيما من فقد عزيزا عليه بسبب الحرب، أو خسر كل ما يملك بسبب النزوح والتهجير القسري.
تبعات الحرب على الإرهاب لم تفرق بين صغير وكبير، وفقا لما يراه عمر عبد الرحمن، وهو مهندس من مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار، أوضح لـ"العربي الجديد" أن قصفاً جوياً بطائرات عراقية أسفر عام 2015 عن مقتل شقيقه وزوجته وواحد من أطفالهما الأربعة، مبينا أن الأمر لم يقتصر على ذلك بعدما خطفت نيران تنظيم "داعش" الإرهابي روح صديقه الوحيد الذي كان يعمل ضابطا في الشرطة الاتحادية.
وأكد أنه لم ينس المأساة التي ألمت به رغم مرور خمس سنوات عليها، مضيفا "كلما حاولت النسيان يعود إليّ الألم، كلما سألني أطفال أخي الذين سلموا من القصف عن أمهم وأبيهم، وحياتهم الأخرى في الجنة".
ووفقا لتقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" العام الماضي، يقدر عدد الأيتام في العراق بخمسة ملايين طفل من مجموع 140 مليون يتيم في العالم، في الوقت الذي يشير فيه مختصون إلى أن النسبة الأكبر من هؤلاء الأيتام لا تحظى بالرعاية الكافية.
وأكدت الناشطة المعنية بحقوق المرأة والطفل إسراء العاني، لـ"العربي الجديد"، أن الحروب خلفت مآسي لا يمكن أن تنسى، خصوصا في المحافظات التي خضعت بعض مدنها لسيطرة "داعش" عدة سنوات، كالأنبار وصلاح الدين ونينوى وكركوك وديالى، لافتة إلى وجود أفواج من الأيتام والأرامل في هذه المناطق.
وأضافت: "المأساة تتمثل بمئات المفقودين والمختطفين الذين لا يعرف ذووهم مصيرهم حتى الآن"، مبينة أن نساءهم في حيرة من أمرهن لأنهن الآن في حالة يرثى لها كونهن لا متزوجات ولا مطلقات ولا أرامل.
"خسرنا المال والعيال والله المستعان"، بهذه العبارة بدأ الشيخ السبعيني مجيد حمود الجنابي حديثه لـ"العربي الجديد"، قائلا "إن اجتياح المليشيات لبلدة جرف الصخر، شمالي محافظة بابل، نهاية عام 2014، حوّل المنطقة إلى خراب"، مؤكدا أن الفصائل المسلحة قتلت أحد أولاده واختطفت الآخر واقتادته إلى مصير مجهول.
وأضاف "لم تكتف المليشيات بذلك بل استولت على سياراتي ومعملي وجرفت منزلي"، موضحا أنه ما زال كبقية سكان جرف الصخر ممنوعا من العودة.
أما أم سامر، التي تمتهن بيع المناديل الورقية على أحد تقاطعات العاصمة العراقية بغداد، فأكدت لـ"العربي الجديد"، أنها فقدت ابنها سامر، معيلها الوحيد، في التفجير الذي ضرب حيّ الكرادة، وسط بغداد، عام 2015، وأسفر عن مقتل أكثر من 300 عراقي، موضحة أنها اضطرت بعد ذلك للاعتماد على نفسها والنزول إلى الشارع لبيع المناديل وكسب رزقها.
وبيّنت أن الحديث عن تعويض ضحايا الإرهاب مجرد شعارات نسمعها في وسائل الإعلام، مؤكدة أنها تعرضت لمختلف وسائل الإذلال حين راجعت مؤسسة الشهداء الحكومية للحصول على تعويض عن ولدها "الشهيد"، إلا أنها لم تنل شيئاً.
وفي السياق، قال أستاذ علم النفس في جامعة بغداد كامل القيسي، إن تبعات الحروب والإرهاب تتطلب وضع خطط خاصة لمعالجتها، موضحا لـ"العربي الجديد"، أن مختلف المدن العراقية تأثرت، ولا تكاد تخلو منطقة من حدوث كارثة، باستثناء محافظات إقليم كردستان.
وشدد على ضرورة الإسراع بوضع برامج خاصة تساعد الجيل الجديد من الأطفال، وخصوصا الأيتام، على تخطي الظروف الصعبة التي رافقت الحرب، مؤكدا أن الحزن الذي خيم على العراقيين خلال السنوات الخمس الماضية يتطلب تدخل مؤسسات الدولة لإزالته، سواء كان من خلال التعويض، أو توفير فرص التعليم والعلاج وما شابه ذلك.