البراميل المتفجرة تقتل أحلام طلاب حلب

12 مارس 2014
+ الخط -

ترك "حسان. م" تعليمه الجامعي، ليلتحق بدورات الدفاع المدني التي تُقام دورياً في اسطنبول، إذ لم تترك الأحداث المتصاعدة في مدينته حلب أمامه أي خيارات، حسب ما يقول لـ"العربي الجديد".
الجامعة التي دخلها حسان لتعلم مبادئ هندسة العمارة، هي ذاتها التي هتف الطلاب بين أروقتها بكلمة "حرية"، وهي ذات الجامعة التي سقط العديد من طلابها بسبب البراميل المتفجرة التي يلقيها الطيران الحربي، لكن حسان لم يعد أمامه سوى ترك كلية "العمارة" في سنته الدراسية الأولى، مفضلاً الانضمام إلى صفوف الدفاع المدني.
حسان يعدّ انتقاله من "العمارة" إلى الدفاع المدني مفارقة، إذ كان يتجه لتعلم فن بناء مدينته، وهو اليوم يتعلم كيف يرفع أنقضاها؛ محاولاً إنقاذ الناس من تحت ركام المباني المتهدمة، بفعل قصف الطيران، "إنه قدري الذي رسمته لي براميل النظام الحاقدة".. يقول حسان.

في نبرة صوته مسحة قناعة بمهنته الجديدة، تحرضنا على سؤاله إن كان سيرجع إلى مدرجات كيلة هندسة العمارة حال "سقوط النظام"، ليجيب: في كل يوم أشعر أنني أكبر مئة عام، وأشعر أن أحلامي الماضية صارت بعيدة عني كثيراً، وهي لم تعد تشبهني، لقد نسيت أني في يوم من الأيام أردت أن أكون المهندس حسان".
محاكمات افتراضية
خلافاً لحسان، قرر "أكرم. ع" عدم الاستسلام لقدر البراميل وقدراتها التدميرية، موضحاً أنه يحاول المداومة على قراءة الكتب التي كان يدرسها في كلية الحقوق، مضيفاً: "لا أريد أن أنسى المعلومات التي تعلمتها في الكلية، فأنا اليوم في مهمة مؤقتة لخدمة أهلي، وبعد زوال الخطر ستكون أمامي مهمة المساعدة في إقامة العدالة ومحاسبة المجرمين".
ويواصل زميل حسان في فريق الدفاع المدني: "لن أسمح للنظام بسرقة حلمي في أن أكون محامياً، كفاه ما سرق من عمرنا وخيراتنا وشهدائنا، لن يكون حلمي أحد غنائمه".
كان أكرم قريباً جداً من التخرج عندما فضل التوقف عن الدراسة في السنة الرابعة، متأثراً بحادثة قدحت شرارة التحول في حياته، ولو إلى حين. يروي أكرم: "سقطت قذيفة على أحد المنازل المجاورة لبيتي، فساعدت أنا وشباب الحي في إخراج سكان المنزل من تحت الأنقاض، ورغم أننا ظننا أن أحداً لن يخرج حياً من تحت الركام، إلا أننا تمكنا من إخراج الأسرة كلها على قيد الحياة، وحينها شعرت بنفسي كأنني بطلٌ لأنني أنقذت عائلة بأكملها".
يكاد العمل مع فريق الدفاع المدني يشغل معظم وقت أكرم، لكنه لا يمنعه من تخصيص ساعة أو ساعتين أسبوعياً للاجتماع مع من تبقى من زملاء دراسة، ليعيدوا مذاكرة المعلومات التي تلقوها في كلية الحقوق، حتى ولو كان عن طريق التمثيل.
يقول أكرم: كثيراً ما نمثل أنا وأصدقائي محاكمة (الرئيس السوري) بشار الأسد والمتعاونين معه، فننقسم إلى هيئة المحكمة ومحامي الدفاع، ومحامين إلى جانب الشعب والمتضررين، موضحا أنه صار يدعو زملاءه في الدفاع المدني إلى حضور هذه المحاكمات الافتراضية.
محاولات شعرية 
معظم المنضمين إلى فرق الدفاع المدني في حلب شباب وطلاب سابقون، تظهر عليهم علامات النشاط والتفاؤل، رغم ما تختزنه المشاهد واللحظات التي يعايشونها من حزن وألم، وفق وصفهم.
"أيهم. ص" واحد من شباب الدفاع المدني الذين يصرون على البقاء "طلاباً وشباباً"، كما يقول، مشيراً إلى قيامه بدعوة بعض رفاقه في الدفاع المدني إلى أمسية شعرية، يحييها مع اثنين من زملائه في كلية الأدب العربي – سابقاً -، وفي الدفاع المدني حالياً.
ويوضح أيهم: "نحاول أن نجتمع كل خميس في منزل أحدنا، للاستماع إلى محاولات شعرية نُعدّها خصيصاً لهذه الأمسيات"، ويقول أيهم إنه قرر مع "زملائه الشعراء" الاحتفاظ بالأشعار التي كتبوها، ريثما يتمكنون من طباعتها في ديوان واحد، عندما تستقر الأمور ويرجع كلٌ منهم إلى كليته.
وإلى أن يحدث ذلك.. يأمل أيهم ألا تسرق منهم قسوة الظروف شغف الشعر وحب الحياة.

المساهمون