فكر أبيض

09 سبتمبر 2016
تناضل ضد التحرش (باتريك باز/ فرانس برس)
+ الخط -
أثناء أو بعد كل ورشة عمل أو لقاء مع نساء في القرى أو الأرياف، نخرج، نحن "المناضلات" أو "الناشطات" النسويات مندهشات. لتلك الدهشة أسباب عدة، لكن أبرزها حين ندرك أن لتلك النساء أصواتاً وآراءً. تفتح عيوننا دهشة حين نعلم أن امرأة محجّبة مثلاً ومن بيئة محافظة، خاضت معركة الطلاق والحضانة بنفسها في وجه المحاكم والذكورية. الدهشة هنا بمستويين. يأتي الأول على شكل استنكار لقدرة امرأة "بلا موارد" – بحسب رأينا – على الوصول إلى حل للتخلص من عنف زوجي. أما الثاني، فمفاجأة بكيفية استطاعة المرأة القيام بذلك دون الحاجة إلى "مخلّص" – أي جمعية حقوقية أو مدنية أو نسائية.

في الوقت ذاته، يستفزّ بعض "المناضلات" المحليات منا – كما يحلو للمجتمع المدني الدولي تصنيفنا مقابل "الناشطات الدوليات" – مشهد بعض أولئك النساء اللواتي أتين مستنفرات من بلدان العالم الأول للعمل في بلدان العالم الثالث المختلف و"المتخلّف" لـ "تخليص" النساء من أعباء الذكورية وهمّ التحرّر. وفي ذلك، تراهنّ يحرصن على مراعاة "الحساسية الثقافية" لبلداننا في لباسهن وتصرفاتهن بطريقة "إكزوتيك"، بعباءة من أفغانستان، ولباس تقليدي من السودان، وغطاء رأس من مصر، في وقت يتعاطين مع غيرهن من النساء "المحليات" بطريقة والديّة – فوقية – تعليمية فيها من التعالي ما يكفي ليعتقدن بأنهن المخلّصات المنتظرات.

مع ذلك، فهذا المقال ليس عن تلك النساء الغربيات بقدر ما هو نظرة نقد من الداخل عنا نحن "الناشطات المحليّات" أو بعضنا من اللواتي استقينا تلك المنهجية الفكرية وتسلّل التفكير الأبيض إلى عقولنا. بات للتحرير والتحرّر وصفة، وللتمكين دليل، وللاستقلالية ورش عمل يجب أن يتم الأمر حصراً عبرهم.

في كثير من النقاشات العامة أو الخاصة يكثر الحديث عن ضرورة تمكين النساء في الأطراف، وانتشالهن من الفقر والجهل والفكر التقليدي وغيره من أطر "التنوير" الثقافية. لمن يعمل في الميدان ويحتّك بأولئك النساء أو يعاشرهن، يجد أنهن قادرات (بما أتيح لهن من موارد أو بما أوجدنه) على السيطرة على حياتهن. هن ببساطة متمكنات. قد لا تكون خطوات "التمكين" هذه موجودة في الأدلة التدريبية، ولكن النتيجة التي وصلن إليها هي ذاتها – الحق بالاختيار وعيش حياة تحفظ لهن كرامتهن الإنسانية.

لابد من الإشارة إلى أن ذلك "التفكير الأبيض" نفسه حين يجتمع في نيويورك قبيل اليوم العالمي للنساء "للنظر بأوضاعهن"، يوصي بضرورة مراعاة "الخصوصية الثقافية" للبلدان. تتمثل خطورة الأمر في بلداننا فيما تعنيه أو تحمله تلك الخصوصية الثقافية من ختان للنساء أو تعدّد للزوجات أو التزويج المبكر أو تطبيع العنف.
تكمن المشكلة إذاً حين تترجم حقوق ومصائر الناس بطريقة مجتزأة، فوقية، ومشككة بقدرتهم، لتبقى تجلّياتها في أول مقطع ورد في هذا المقال.

(ناشطة نسوية)

دلالات
المساهمون