نُدُل طنجة يفكرون بالتقاعد

05 ابريل 2017
تنتظر يوم التقاعد (العربي الجديد)
+ الخط -
حالة النُدُل في مقاهي ومطاعم مدينة طنجة، شمال المغرب، تختلف عن كثير من العمال الآخرين، فكثير من هؤلاء لا يحصل على تقاعد يؤمّن له حياته لاحقاً

تزداد مدينة طنجة، شمال المغرب، ضخامة في المساحة والسكان وعدد المقاهي المشرّعة فيها، فأفضل وسيلة للاستثمار وأسرعها في استقطاب الزبائن هي افتتاح مقهى جديد. في هذا القطاع، تعمل شريحة واسعة من المواطنين المغاربة شباناً وكهولاً ونساء، إمّا نُدُلاً أو عاملي نظافة أو محاسبين أو غير ذلك. وتقسّم المقاهي إلى قديمة يُطلق عليها اسم "شعبية" وجديدة عصرية تحمل اسم "صالون دو تيه". ومن هذه المرافق ما يتبنّى نظام التقاعد لعماله وموظفيه وبعضها لا يؤمّن ذلك.

ومع غياب أيّ برامج حكومية أو غير حكومية تهتم بفئة المتقاعدين وتستوعبهم في أعمال مجتمعية، تظلّ الخيارات أمام هؤلاء ذات طابع ديني أو عائلي أو اجتماعي هدفها قتل الوقت. وغيرهم يستمر في العمل في المجال نفسه ولو على حساب صحته.

يعمل الحاج مفضل في مقهى "باريس" الذي يعود تاريخ بنائه إلى عام 1927، منذ ثلاثين عاماً. يحصل مقابل عمله الذي يمتد ثماني ساعات يومياً على راتب ثابت بالإضافة إلى جزء من "البقشيش". يقول لـ"العربي الجديد": "لا شيء أفعله بعد التقاعد، بل سأجلس في المنزل".

عاملون وندل كُثر ينتظرون أن تنتهي حياة الروتين اليومية ويُحالون إلى التقاعد ويعوضون المناسبات واللحظات التي فاتتهم. فاطمة الغالي التي تعمل في مقهى "سينما الريف" منذ ثماني سنوات تقول لـ"العربي الجديد": "في يونيو/ حزيران 2018 سأحصل على تقاعدي. هو شعور جميل. أعدّ الأيام واللحظات المقبلة بانتظار ذلك اليوم. أتعبني العمل في المقهى، وأريد أن أتفرّغ لمنزلي وحياتي الخاصة بعد زواج أولادي. سأزور الصديقات والعائلة وأولادي في فرنسا وأغادير. وسأتفرّغ لقراءة القرآن وأداء العبادات والتخطيط من أجل أداء العمرة مجدداً".



الغالي التي أمّنت مصيرها المستقبلي بتقاعد يضمن لها تغطية صحية وراتباً شهرياً تقول: "ضمنت لي إدارة السينما نظام تقاعد منذ إعادة فتحها قبل 8 أعوام. قبلها كنت أعمل في التنظيف، ونادلة في الأعراس وما زلت مستمرة في الأخيرة حتى تمكنت من تعليم أطفالي وتربيتهم تربية جيدة". وعمّا إذا خطر في بالها يوماً ترك الوظيفة تقول: "فكرت بالتوقف لكنني لم أستطع اتخاذ القرار، دائماً أفكر في مصيري وبالراتب التقاعدي الذي سيمكّنني من العيش من دون أن أكون عالة على أولادي. لذلك صمدت وصبرت في عملي اليوميّ، ولا أحتاج حالياً إلى مساعدة أولادي، فراتبي الشهري جيد".

الغالي مسؤولة عن البوفيه (المقصف) وطاقم الموظفين: "وظيفة البوفيه مسؤولية مادية ومعنوية نحو صندوق الحسابات والمخزن والطاقم الذي يعمل معي. عندما حصلت على الوظيفة توليتها عن خبرة وعن استحقاق بالرغم من أنّ الإدارة أعطتني الخيار بقبولها أو رفضها، لكنني توليت مسؤولية القيادة بشكل جيد". ربما يقتل الروتين اليومي معنويات الموظفين، لكنّ الغالي تقول: "العمل الشريف مفخرة للإنسان أياً كان نوعه، والحبّ والتفاني أساسه".

حسن السيدي المصباحي يعمل في أحد المقاهي منذ تسع سنوات. ترك تطوان مدينته الأصلية وانتقل مع بناته الخمس وزوجته للعيش والعمل في طنجة. يقول: "لا يصرّح مالك المقهى بأوراق التقاعد لي ولشخص آخر. أعمل هنا من دون ضمانات. وحتى في حال تغيبي لأسباب صحية أو أخرى، أغيب على حسابي الشخصي. مالك المقهى يؤجل دائماً تقنين أوراقنا، أما أجرتنا فهي البقشيش الذي نحصل عليه". يشير إلى أنّ "90 في المائة من مقاهي طنجة الشعبية يواجه فيها الندل المصير نفسه من دون إجراءات تقاعد". يفكر المصباحي بالاستمرار في عمله بعد التقاعد بسبب مسؤوليته تجاه العائلة.

بحسب "مدونة الشغل" المغربية، أو قانون العمل، يمكن أن يستمر العامل في عمله بعد تجاوزه السن القانونية للتقاعد، وذلك بطلب من مشغّله وبموافقة الأجير نفسه، بالإضافة إلى بعض الإجراءات القانونية الأخرى وموافقة وزارة الشغل على ذلك الطلب.

السي عثمان يعمل في مقهى "باريس" منذ أواخر التسعينيات عندما جاء من مدينة الحسيمة. يقول: "ليس لديّ فكرة واضحة عن تقاعدي بعد سبع سنوات وما بعده". يتكهن أنّه ربما سيستمر في عمله نادلاً أو يعود للفلاحة في بلدته الأصلية في قضاء الحسيمة: "قبل عام من التقاعد ربمّا تتضح لديّ فكرة عمّا أود فعله". ينفي السي عثمان وجود برامج أو خطط حكومية أو مؤسسات مجتمع مدني ترعى المتقاعدين: "يمضي معظم المتقاعدين أوقاتهم إمّا في المسجد وذكر الله أو في المقاهي". اليوم، يحصل السي عثمان على راتب ثابت بالإضافة إلى البقشيش اليومي، لكنّه لا يجد شيئاً مضموناً بعد التقاعد.