تحدي الكورونا ومستقبل التعليم

17 يونيو 2020
فحص حراري قبل الامتحان في فلسطين (مجدي فتحي/ Getty)
+ الخط -
تركت تداعيات تفشي فيروس كورونا الجديد آثاراً قاسية على العملية التعليمية في شتى دول العالم، وأخرجت عملياً قرابة 1.4 مليار تلميذ وطالب من مدارسهم وجامعاتهم. وأرغمت هذه الأوضاع الحكومات والدول والمؤسسات التربوية على اعتماد تدابير وحلول لضمان استمرارية العملية التعليمية، ومنها اللجوء إلى أسلوب التعليم عن بُعد من خلال المنصات الرقمية وغيرها، لوقف تعطل العملية التعليمية على نحو كامل في ظل هذه الجائحة العالمية. لكن آثار هذه الجائحة كما وصفتها منظمة الصحة العالمية لن تكون متوازية على التلامذة والطلاب لجهة الأضرار التي ستتركها على مستقبلهم وأدوارهم المجتمعية لاحقاً. وإذا كان صحيحاً القول إن انتشار الوباء على النحو الواسع والسريع المعروف قد أثبت أنه نتيجة العولمة، وإن دول وشعوب الكرة الأرضية باتت تعيش في قرية كونية، فالأصح أيضاً أن أحياء وحارات تلك القرية غير متوازنة في الإفادة من ثمرة التكنولوجيا الرقمية.

إذن، انتقلت هذه الجائحة من مرحلة كونها تشكل خطراً على الصحة العامة، إلى قطاعات كثيرة أخرى، ومنها قطاع التعليم، كون مضاعفاته تمتد إلى آجال طويلة، خلافاً للصناعات والنقل والفنادق والزراعة وغيرها، التي يمكن لها في وقت قصير أن تتلافى النتائج من خلال إمدادها بالأموال، وعودة عجلة الإنتاج إلى الدوران، كما فعل العديد من الدول التي باتت تتكيف مع الوضع القائم، وتستعد للمرحلة المقبلة، بما يعيد الحيوية للمجتمعات والقطاعات، رغم أن المختبرات والعلماء حتى تاريخه لم يصلوا بعد لا إلى العلاجات ولا إلى اللقاحات.

تأثيرات الوباء طاولت حوالي 200 دولة، منها أكثر من 140 دولة قررت إغلاق مدارسها وجامعاتها، بما أثر على سائر مستويات التعليم المختلفة، بدءاً من الروضات وحتى ما فوق التعليم الجامعي، أي التعليم العالي. ومثل هذا الوضع لم يشهده تاريخ التعليم في العالم قبلاً. ما اضطر الدول والمؤسسات التعليمية للتكيف مع تداعيات الوباء وحال الإقفال المفروضة... ولا شك في أن الدراسات الحقلية والعملية والأبحاث التي يجريها طلاب وأساتذة المراحل الدراسية المتقدمة، قد تأثرت إلى حد كبير بالوضع، فقد أقفلت معظم المكتبات العامة والمراكز التي يعتمدون عليها في دراساتهم وأبحاثهم الميدانية، واقتصر المتاح منها على المختبرات المعنية بمواجهة الوباء.



والمؤكد تبعاً لذلك أن مقاربة مسألة متشعبة على هذا النحو، وفي ضوء تجارب متعددة من جانب الدول والمؤسسات لجهة التفاعل مع الحال القائمة، تحتاج إلى صفحات كثيرة، إذ لكل تجربة خصائصها ومميزاتها وثغراتها أيضاً، لكن ذلك لا يمنع القول إن تعقيدات التجارب هذه تنبع ليس فقط من قدرات ومقدرات الدول وما تملكه من موارد بشرية ومادية، بل من تشعب وتنوع التعليم، وإن كان البعض يقسمه إلى قسمين دراسيين أحدهما هو العلوم الإنسانية وما يتفرع منها كالآداب والتاريخ واللغات و... والعلوم البحتة بما هي الرياضيات والفيزياء والكيمياء والبيولوجيا... هذا عدا العلوم المهنية والتقنية التي تتوزع بين المصانع والمشاغل والمطاعم ... وطاولات الدراسة النظرية للتطبيقات العملية في ميادين العمل. اختصاراً يمكن القول إن عملية الحجر المنزلي المفروضة، والتغيب عن الدراسة ستكون لهما مضاعفاتهما البعيدة على كل أركان العملية التعليمية.

باحث وأكاديمي
المساهمون