على السواحل الليبية، عُثر على مئات المهاجرين السريين المتوجهين إلى أوروبا والذين سُجّلت أسماؤهم عند منافذ البلاد الرسمية كيدٍ عاملة أجنبية في شركات نظافة أو مزارع أو منازل.
لا يَخفى على أحد أنّ حدود ليبيا تُفتَح أمام المهاجرين السريين الراغبين في التوجّه إلى أوروبا، وتتزايد عمليات الهجرة السرية وسط الفساد المتنامي في البلاد التي تعاني انهيارات مختلفة الأوجه على خلفية الحروب التي تعصف بها منذ ثمانية أعوام. وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها وتبذلها السلطات، لم تتمكّن من الوقوف في وجه تجّار البشر الذين لا يوفّرون سبيلاً لإتمام عمليات تهريب هؤلاء.
وهؤلاء الذين يمتهنون الاتجار البشر، بحسب ما يقول المسؤول في جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، سليمان بوفرنه لـ"العربي الجديد"، "يعملون على إيصال المهاجرين الى ليبيا بطرق قانونية، حيث يتحوّل الأخيرون إلى مهاجرين سريين". ويشدد على أنّه "لا بدّ للسلطات من متابعة قضية تهريب البشر، ومحاولة تقويض مساعي المهرّبين عبر التنسيق مع الدول التي انطلق منها المهاجرون"، مشيراً إلى أنّ "ثمّة مكاتب لاستقدام اليد العاملة الأجنبية تشتغل بشكل غير قانوني من خلال التواصل مع موظفين فاسدين في السفارات الليبية غير الخاضعة للرقابة بسبب الانقسام السياسي الحاصل في البلاد".
يضيف بوفرنه أنّ "تزايد مكاتب استقدام اليد العاملة الأجنبية في البلاد استرعى انتباه بعض الأجهزة الأمنية التي اكتشفت أنّها تستقدم عمّالاً من بلدان آسيوية وأفريقية مختلفة"، شارحاً أنّ "التنبّه لذلك بدأ عند التحقيق مع مهاجرين ناجين من قوارب الموت عند سواحل البلاد. فهؤلاء أكدوا أنّهم وصلوا إلى ليبيا عبر مكاتب استقدام العمالة، ومنهم من كان يحمل بالفعل جواز سفر مع ختم دخول رسمي إلى البلاد". ويلفت بوفرنه إلى أنّ "أصحاب تلك المكاتب يتهرّبون من تلبية استدعاءات للتحقيق معهم أو لتأكيد قانونية تراخيصهم، إذ إنّ مكاتبهم بمعظمها فُتحت وفق مستندات مزوّرة وبتواريخ قديمة. فوزارة العمل في حكومة الوفاق أقفلت باب منح تراخيص مكاتب استقدام اليد العاملة الأجنبية منذ عام 2016".
وتفيد معلومات جهاز مكافحة الهجرة، بحسب ما يقول بوفرنه، بأنّ "مكاتب استقدام العمالة الأجنبية ما زالت تنشط في المدن الليبية، وخصوصاً في شرق البلاد"، مؤكداً أن "جلب المهاجرين من طريق تلك المكاتب أكثر أماناً وأقلّ تكلفة، مقارنةً بالتهريب لمسافات طويلة عبر الصحراء". ويرجّح بوفرنه أن يكون "ازدهار تجارة البشر عبر هذه المكاتب هو ما حدا إدارة الاستثمار العسكري التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر إلى إصدار قرارها، في العام الماضي، القاضي بفرض رسوم بقيمة 500 دولار أميركي على كلّ فرد تستقدمه تلك المكاتب عبر مطار بنينه في بنغازي (شمال شرق)، علماً بأنّ وزارة العمل في حكومة شرق البلاد لا تشرف على تلك المكاتب، ومعظمها يعمل من دون ترخيص أصلاً".
ويرى بوفرنه أنّه "يجب على سلطات البلاد إنذار الدول المصدّرة للمهاجرين كيد عاملة، لتدرك أنّ مندوبي المكاتب التي تُعنى بشؤون هؤلاء يتعاملون في الغالب مع سفارات تعاني انقساماً في إداراتها تبعاً للانقسام السياسي في ليبيا". ويشير إلى أنّ "ثمّة سفارات ليبية تضمّ ملحقين للعمالة، علماً بأنّ وظيفة هؤلاء لا يلحظها قانون العمل الخارجي في وزارة الخارجية بليبيا"، شارحاً أنّ "هؤلاء الملحقين هم الذين وقّعوا عقود شركات استقدام اليد العاملة الأجنبية إلى ليبيا بمعظمها، ولا سيّما من الصومال وإثيوبيا وبنغلادش". ويذكر بوفرنه أنّ "عدداً كبيراً من اليد العاملة المستقدمة تحوّل إلى الهجرة عبر البحر بعد الوصول بشكل قانوني إلى ليبيا، ومنهم مغاربة. بالتالي، لا يمكن اتهام كل المكاتب".
من جهة أخرى، في نهاية العام الماضي، أكّدت نقابة الشرطة في ليبيا وجود أجانب وعمالة وافدة دخلت إلى الأراضي الليبية من دون تأشيرة، وهي لا تملك إقامة. وقد دعت النقابة في بيان لها، أصدرته في ذلك الحين، سلطات البلاد إلى تطبيق القانون الخاص بالأجانب والعمالة الوافدة، من "خلال تسوية أوضاعهم القانونية والحصول علي بطاقة إقامة من مصلحة الجوازات والجنسية وشؤون الأجانب"، محذّرة بأنّها ستحيل الأمر على مصلحة المنافذ الليبية لمنع دخول أيّ أجنبي إلا بناءً على تأشيرة دخول. في السياق، يقول المدني النقار، وهو ضابط في مديرية أمن سبها (جنوب شرق)، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأمر استفحل ومواجهته تتطلّب بالتالي جهوداً مكثفة وطويلة الأمد"، مشيراً إلى أنّ "من بين الجرائم التي تقترفها تلك المكاتب التوسّط بين المهرّب الذي يتّصل بأهالي المهاجرين لابتزازهم والتهديد بقتل أبنائهم في مقابل الحصول على مبالغ مالية". يضيف النقار أنّ "تحويل الأموال يجري عبر مندوبي تلك المكاتب ووكلائها المنتشرين في دول عدّة، ولا سيّما أنّ المهرّبين لا يتعاملون بالتأكيد مع المصارف".
وفي تأكيد لنشاط تلك المكاتب المشبوه، كانت مديرية أمن بنغازي قد أعلنت في مارس/ آذار الماضي القبض على أصحاب مكاتب تعمل على تهريب اليد العاملة المصرية إلى ليبيا. وأوضحت أنّ المقبوض عليهم يعمدون إلى "تهريب العمالة الوافدة من مصر إلى ليبيا والمتاجرة بها بنحو منظم ودقيق من طريق مكاتب داخل بنغازي وخارجها". ونقلت المديرية عن أحد العمّال المهاجرين من الجنسية المصرية الذي خضع للتحقيق لأنّ أخاه محتجز مع مصريين آخرين لدى تلك المكاتب التي تعمد إلى بيعهم لأوّل مشترٍ، أنّ العصابة تخطف العمّال المصريين من جديد وتطالب أهلهم في مصر بفدية تصل إلى 15 ألف دينار ليبي (نحو 10 آلاف دولار أميركي).