شباب متطوّعون من أجل تونس

تونس

بسمة بركات

avata
بسمة بركات
25 نوفمبر 2019
C2498D97-58B0-4EC1-AE7F-2B0562176890
+ الخط -

تُسجَّل في تونس، أخيراً، مبادرات شبابية مختلفة في إطار العمل المدني، انخرط فيها تونسيون كثر يقودهم عزمهم على التغيير والنهوض بوطنهم

تتوالى الحملات في تونس، من شمالها إلى جنوبها، والهدف صورة أجمل للبلاد من خلال تنظيف الساحات العامة والشوارع وطلاء الأرصفة وقلع الأعشاب العشوائية، إلى جانب توجيه دعوات إلى المطالعة واستهلاك المنتجات التونسية ومقاطعة تلك التي أسعارها باهظة، ودعوات إلى العمل والتبرّع من أجل تنمية المناطق المهمّشة. وقد رُفعت في السياق شعارات عدّة، منها: "نظّف بلادك" و"استهلك تونسي" و"كن واعي وادفع تذكرتك"، فيما رُفِع العلم الوطني على مداخل المقاهي والمحلات التجارية، وانتشر كذلك على صفحات التواصل الاجتماعي. وبينما يرى تونسيون في هذه "الهبّة الشعبية" رسائل عدّة، خصوصاً بعد التغيير السياسي الذي حصل في البلاد وانتخاب الرئيس الجديد قيس سعيّد الذي قدّم خطاباً مغايراً عبّر فيه عن إيمانه بقدرة الشباب على التغيير، فإنّ تونسيين آخرين يعدّون تلك المبادرات ظرفيّة، مشيرين إلى أنّها ستزول بعد مدّة.

ريم شابة تونسية في العشرينيات من عمرها، تخبر "العربي الجديد" أنّها شاركت في حملة نظافة مع مجموعة من الطلاب وأبناء حيّها، مؤكّدة أنّ "الشباب فاعل ويتمتّع بدرجة كبيرة من الوعي خلافاً لما يروّج عنه بأنّه متكاسل ولا يحمل أيّ أفكار". تضيف أنّ "التغيير ممكن، ولا سيّما بعدما كنس الشباب الطبقة السياسية القديمة التي لم تقدّم شيئاً للبلاد واختار الأنظف. هذا الشباب نفسه قادر على النهوض بتونس".



في هذا الإطار، يقول المتخصص في علم الاجتماع الطيب الطويلي لـ"العربي الجديد" إنّ "انتصار قيس سعيّد في الانتخابات الرئاسية شكّل عاملاً ملهماً للشباب التونسي الذي يرى أنّ هذا الرجل يحمل قيماً إنسانية وثورية عدّة، وقد حرص على تبنّيها وتقديمها. هو، طوال مدّة حملته الانتخابية، قدّم ما هو مغاير لما قدّمه الآخرون". ويؤكد أنّ "التونسيين، من خلال انتخاب قيس سعيّد، انتخبوا صورة معيارية أو رمزية أخلاقية، مع رسالة مفادها أنّ نظافة اليد والاستقامة هما الأساس، ومن دونهما لا يمكن تحقيق أيّ تقدّم على أيّ من الصعد". يضيف الطويل أنّ "انتخاب قيس سعيّد أعاد إلى عدد كبير من التونسيين اللحظة الثورية الأولى، وكذلك آمال الأيام الأولى التي تلت الثورة والتي قدّمت للشعب التونسي انتظارات وأماني كبرى، فخرج معها المواطن إلى الشارع في لجان لحماية الأحياء وفي حملات تنظيف شهدناها في العاصمة وفي بعض المدن الأخرى".

ثمة قابلية كبرى للتغيير لدى الشباب (العربي الجديد)


ويوضح الطويل أنّ "الدعوات الأخيرة إلى تنظيم حملات نظافة في مدن تونسية عدّة، وكذلك إلى عدم ركوب وسائل النقل من دون مقابل، وإلى تثمين قيم العمل، وإلى استهلاك المنتجات التونسية ومقاطعة شبيهاتها الأجنبية التي تغزو الأسواق، وحملة مقاطعة السلع باهظة الثمن (قاطع الغلا تعيش بالقدا)، كلّها تمثّل إعادة لإنتاج القيم الثورية الأولى التي عرفها التونسي في عام 2011". ويتابع أنّ عبارة "الشعب يريد"، شعار حملة الرئيس قيس سعيّد الانتخابية، هي "إعادة إنتاج لشعار الثورة ومحاولة للاستفادة من فورتها وعنفوانها، إنّما بأشكال جديدة مختلفة"، مشيراً إلى أنّ "هذه الأفكار والحملات بقيت من دون إطار ومن دون فكر ولا سياق ثقافي ممنهج، الأمر الذي من شأنه أن يعيد إنتاج خيبات الثورة الأولى التي انساقت مع الفورة الشعبية واستسلمت للحمّى الثورية التي انقادت إلى إرضاء الجماهير من دون التفكير في المدى البعيد". ويؤكّد الطويل أنّ "عدم تأطير ما يحصل ولّد بعضاً من الفوضى، خصوصاً في ما يتعلق بتزيين بعض المباني، وقد اضطر المعهد الوطني للتراث إلى التدخّل لإزالة تشويه أتى به عدد من المتطوّعين في القصبة بمدينة تونس العتيقة، على سبيل المثال".



ويكمل الطويل قائلاً إنّ "ثمّة قابلية كبرى للفعل والابتكار والتغيير لدى الشباب، غير أنّها تُقابل إمّا بالتهميش وإمّا بالتجاهل، وهو ما قد يؤدّي إلى نتائج عكسية أحياناً وفي أحيان أخرى إلى انطفاء جذوة الرغبة في الفعل والتغيير. فيعود الشباب بالتالي إلى أفكار التواكل والتخاذل والرغبة في الهجرة وغيرها من الأفكار السوداوية الأخرى"، لافتاً إلى أنّ "الحملات الشبابية الأخيرة تمثّل حالة من الوعي لدى الشباب التونسي حول مسؤوليته تجاه بلده، وحول المواطنة والرغبة في التغيير نحو الأفضل. كذلك هي حالة من الوعي لدى الشباب تبيّن أنّه لا يمكن التغيير أن يتمّ إلا إذا تغيّر الأفراد من الداخل، وأنّ المجتمعات غير قادرة على التغيّر إلا إذا غيّر الأفراد ما بأنفسهم". لكنّه يتوقّف ليقول: "ويبقى السؤال عن مدى استمرارية هذه الحالة الواعية وتواصلها وقدرتها على التغيير الفعلي للعقليات"، مضيفاً: "أم أنّها مجرد حالة ثورية ظرفية ستنطفئ؟".



من جهته، يقول مدير مصلحة النظافة في بلدية قليبية التابعة لولاية نابل (شمال شرق) ورئيس "جمعية البيئة"، وحيد الجنحاني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المبادرات التي انطلقت أخيراً وما زالت متواصلة تُعَدّ إيجابية، وبغضّ النظر عن مردوديتها فإنّ الجديد فيها قيادتها من قبل الشباب الذي جمع من حوله الصغار والكبار، نساءً ورجالاً". يضيف أنّه يتلقى اتصالات عدّة، بحكم وظيفته، من قبل شباب يرغبون في تنظيم حملات نظافة في الأحياء والساحات العامة، مؤكّداً أنّ ذلك جعله يلمس "عقلية جديدة للبناء والتغيير. أمّا ردود فعل المواطنين فهي إيجابية جداً، وهم يأملون ألّا تتوقف هذه الحملات وأن تستمر هذه الصحوة".

في سياق متصل، تقول مستشارة المصالح العمومية في وزارة الشؤون المحلية والبيئة، ثريا زيدي، لـ"العربي الجديد"، إنّه "في إطار الاستجابة لنداء التونسيين والمبادرات التي أطلقها الشباب، تعمل الوزارة على إنجاح الحملات، وقد دعت بالفعل البلديات إلى توفير المعدّات والأكياس وعمليات رفع النفايات التي يجمعها المتطوّعون. كذلك، طالبت البلديات لتكون مستعدة لتلبية حاجة المتطوّعين الذين يظهرون وعياً في الوقت الحالي". وتشير زيدي إلى أنّ "التنسيق يجري حالياً مع المتطوّعين لتحديد أماكن التنظيف أو رفع النفايات، ولا سيّما أنّ الأيام المقبلة ستشهد مزيداً من الحملات والمبادرات". يُذكر أنّ وزارة الشؤون المحلية والبيئة كانت قد دعت في بيان لها، في إطار تفاعلها مع الحملات التطوعية "نظف بلادك"، كل مكوّنات المجتمع المدني ومنظمات الشباب والطفولة إلى التوعية على أهمية المبادرات التطوعية وتكثيف الجهود لإنجاحها.

ذات صلة

الصورة
شارك العديد من الشبان في مبادرة الحلاقة (العربي الجديد)

مجتمع

في إطار المبادرات والمساعدات المقدمة للنازحين، رحب النازحون في مدينة صيدا بمبادرة الحلاقة في ظل ظروفهم الصعبة والبطالة
الصورة
البنزرتي طالب الاتحاد تحفيز اللاعبين مزدوجي الجنسية (الاتحاد التونسي/العربي الجديد)

رياضة

حقق المدير الفني للمنتخب التونسي فوزي البنزرتي بداية جيدة مع كتيبة "نسور قرطاج"، بعدما حقق فوزين متتاليين، في مستهل تجربته الرابعة مع الفريق.

الصورة
مسيرة احتجاجية في تونس للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، 25 يوليو 2024 (العربي الجديد)

سياسة

طالبت عائلات المعتقلين السياسيين في تونس بإطلاق سراحهم بعد مضي سنة ونصف سنة على سجنهم، وذلك خلال مسيرة احتجاجية انطلقت وسط العاصمة.
الصورة
مقبرة جماعية في منطقة الشويريف بطرابلس، 22 مارس 2024 (الأناضول)

مجتمع

أعلن المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك، الثلاثاء، أن مكتبه يتابع تقارير عن اكتشاف مقبرة جماعية في الصحراء على الحدود الليبية التونسية.