سودانيات في الشارع

17 يناير 2019
سودانيتان تهربان من قنابل الغاز في الخرطوم (الأناضول)
+ الخط -
في التظاهرات العفويّة التي راحت تخرج أخيراً في العاصمة السودانية، الخرطوم، لا بدّ من أن تصادف ناهد محمد عثمان التي تصرّ على المشاركة. تقول عثمان لـ"العربي الجديد" إنّ "ما يدفعني إلى التحرّك والاحتجاج في كلّ مرّة هو ضمّ صوتي إلى أصوات آخرين، في ظلّ وضع معيشي صعب تعانيه الأسر، إذ إنّه يفوق طاقة احتمالها، نتيجة السياسات الاقتصادية الحالية". تضيف عثمان، وهي ربّة منزل، أنّ "ثمّة عاملاً آخر يدعوني إلى التظاهر، وهو الوضع السياسي نتيجة القمع الذي يستهدف المواطنين والجبروت العسكري الذي يتعامل من خلاله النظام مع المتظاهرين السلميّين، محوّلاً الخرطوم ثكنة عسكرية".

في الأسبوع الأوّل من يناير/ كانون الثاني الجاري، لبّت عثمان نداءً للمعارضة دعت فيه إلى حشد شعبي وسط الخرطوم والتوجّه إلى القصر الرئاسي ومطالبة الرئيس السوداني عمر البشير بالتنحّي. هناك، التقت بابنتها الطبيبة حنين أحمد، قبل أن تطارد قوات الأمن المتظاهرين في الشوارع الفرعية. دخلت المرأتان إلى مركز صحي حيث قضتا بعض الوقت، وبمجرّد خروجهما منه اعتقلتهما عناصر أمنية كانت متمركزة أمام المركز، واقتادتهما إلى مقرّ أمني احتجزتهما فيه لنحو 10 ساعات. عُزلت الأمّ عن ابنتها، لكنّهما تعرّضتا لـ"الاستفزاز نفسه" في خلال الاحتجاز والتحقيقات وتفتيش هاتفيهما، بحسب ما تقول عثمان، شأنهما شأن أخريات تعرّضنَ للتوقيف كذلك. يُذكر أنّ عثمان علمت، وهي في داخل المقرّ الأمني، أنّه ألقي القبض كذلك على زوجها.

ناهد عثمان ليست سوى امرأة سودانية واحدة من بين كثيرات سجّلنَ حضورهنّ الفاعل في خلال مشاركتهنّ في التظاهرات السلميّة التي اجتاحت البلاد منذ نحو شهر، في التاسع عشر من ديسمبر/ كانون الأوّل الماضي، للمطالبة برحيل الحكومة. ومشاركة النساء في التظاهرات لا تقتصر على ترديد الهتافات والسير في المواكب، إذ إنّ تلك المشاركة تشجّع الرجال أكثر على التحرّك وتزيد من حماستهم، وهذا ما يُعَدّ واحداً من الموروثات الشعبية في البلاد عند المواجهة. ويؤكّد علي عبد الرحمن لـ"العربي الجديد" من قلب إحدى التظاهرات، أنّ "سماعي زغرودة تطلقها إحدى النساء يجعلني وغيري من الشبان نندفع أكثر في التظاهر والثبات على الرغم من المواقف الصعبة التي قد نواجهها عند تدخّل قوات الشرطة لفضّ تجمّعاتنا السلمية".




كذلك تؤدّي النساء دوراً في حماية المتظاهرين عموماً، إذ إنّهنّ من بعض الأحيان يتقدّمنَ صفوف هؤلاء غير مباليات بما يمكن أن يصيبهنّ من مكروه، سواءً من جرّاء الغاز المسيل للدموع أو غير ذلك. وتختلف أعمار السودانيات في الاحتجاجات القائمة في البلاد، فنجد الطالبات الجامعيات وكذلك النساء المتقدّمات في السنّ. وقبل أيام، تداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي تسجيل فيديو لامرأة سبعينية تتكئ على عصا وتشارك المتظاهرين هتافاتهم.

وتوضح تهاني عباس علي، وهي ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، لـ"العربي الجديد"، أنّ "وجود المرأة السودانية في الاستحقاقات الوطنية أمر طبيعي، وقد ظهر ذلك منذ مقاومة السودانيين للاستعمار في القرن الماضي، ومثال على ذلك أيقونة النضال ضد الاستعمار الفنانة الراحلة حواء الطقطاقة". وتشير إلى "صورة فوتوغرافية خالدة لممرضات في ستينيات القرن الماضي وهنّ يودّعنَ جثمان الطالب أحمد القرشي، شهيد ثورة أكتوبر الشعبية التي أطاحت الحكم العسكري في عام 1964". وتتابع علي أنّ "مشاركة المرأة السودانية في الحراك الشعبي الحالي تأتي أكثر بروزاً ممّا كانت عليها الحال في المراحل التاريخية السابقة".

وما الذي يدفع المرأة السودانية إلى الخروج إلى الشارع والاحتجاج؟ تجيب علي بأنّ "النظام الحالي منذ قيامه في عام 1989، عمد إلى إذلال النساء، إلى جانب ما تسبّب فيه من وضع اقتصادي متدهور تدفع ثمنه نساء كثيرات، خصوصاً اللواتي نزحنَ إلى المدن على خلفية النزاعات في الأطراف. وهؤلاء بمعظمهنّ فقدنَ أزواجهنّ ويُعلنَ أبناءهنّ، فضلاً عن أنّ أخريات فقدنَ أولادهنّ في الحروب أو في خلال احتجاجات سابقة". وتوضح علي أنّه "في مجال التعليم، كثيرات هنّ النساء اللواتي حُرمنَ منه لسبب أو لآخر ، لدرجة أنّ كلية النفط وحتى وقت قريب، لم تكن تستقبل طالبات في صفوفها"، مضيفة أنّ "ارتفاع نسبة الوعي حول الحقوق ومكافحة التمييز ضدّ المرأة ساهما كذلك برفع نسبة مشاركة النساء في الاحتجاجات الحالية".



وتلفت علي إلى "وجود ممثلات للمرأة في اللجان التنسيقية العليا التي تشرف على تحرّك الشارع السوداني، في حين تبرز حماسة النساء من خلال الشعارات والهتافات والأغاني السريعة التي يؤلّفنها والتي تُردّد في التحرّك الشعبي. ولا ننسى أنّ ربّات البيوت يؤوينَ المتظاهرين في أثناء مطاردتهم من قبل رجال الأمن لهم، ويمنعنَ هؤلاء الأخيرين من دخول منازلهنّ وتفتيشها". وتتوقّع علي "حدوث تغيير كبير في وضع المرأة في حال تغيّر النظام وألغيت القوانين المذلّة في حقّها، وكذلك زيادة فرص التعليم والتوظيف".

من جهتها، تؤيد عضو البرلمان السوداني، ممثلة حزب المؤتمر الوطني الحاكم، آمنة السيدح، ما قالته تهاني عباس علي عن "المشاركة الطبيعية والطليعية للمرأة السودانية في كل الأنشطة السياسية والاجتماعية نتيجة وعيها المبكر حول القضايا الوطنية والمجتمعية وتقدّمها في ذلك على كثيرات من نساء المجتمعات العربية والأفريقية". وتشير السيدح لـ"العربي الجديد" إلى أنّ ذلك "لا يبرز فقط في الأوساط المعارضة، إذ إنّ الفرص تتاح أمام المرأة للمشاركة السياسية في مختلف الأجهزة الرسمية، تنفيذية كانت أم تشريعية، والتي حددها الدستور بنسبة لا تقلّ عن 30 في المائة، مع عدم حرمانها من المنافسة في ما تبقّى، أي نسبة 70 في المائة".




وتتحدّث السيدح عن "مشكلات تواجه المرأة مثل قانون النظام العام الذي يتضمّن بعض الشوائب، الأمر الذي يستوجب ضرورة تعديله"، مشدّدة على "عدم وجود فرز سياسي يتعلّق بالمرأة السودانية في القضايا المرتبطة بحقوقها وكذلك بحقوق الطفل". وتتابع أنّ "مشاركة سودانيات كثيرات في التظاهرات الحالية ضدّ الحكومة دليل على تمتّعهنّ بالحرية"، نافية "وجود أيّ تمييز للمرأة في التعليم والتوظيف، فالمرأة حاضرة في كل الوظائف الآن".