قلق فلسطيني... السعودية تحرم حملة الوثائق من تأشيرات العمرة

27 سبتمبر 2018
هل تكون ضحية "صفقة القرن"؟ (فرانس برس)
+ الخط -


ثمّة من يعبّر عن مخاوف كبرى ويرى الأمر أكثر من مجرّد رفض تأشيرة للعمرة، في حين أنّ آخرين يفضّلون التريّث. أمّا الواقع فهو حرمان اللاجئين الفلسطينيين من تأشيرات الدخول إلى السعودية.

تسود حالة من الصمت الرسمي الفلسطيني إزاء إجراءات جديدة تتخذها المملكة العربية السعودية ضدّ المقدسيين واللاجئين الفلسطينيين، تحديداً الذين لا يحملون جواز سفر فلسطينياً، في حين يتزايد القلق من أن تكون التغيّرات ذات الصلة قد بدأت فعلاً على الأرض منذ أيام.
وراحت تلك الإجراءات غير المعلنة تتّضح قبل أيام من خلال قرار القنصلية السعودية في الأردن القاضي برفض منح "فيزا" (تأشيرة) للمقدسيين الراغبين في العمرة، والذين اعتادوا في غالبتيهم حمل جواز السفر الأردني المؤقت. يأتي ذلك في حين ما زالت وزارة الخارجية الفلسطينية تلتزم الصمت بهذا الشأن، بينما تنتظر وزارة الأوقاف الفلسطينية عقد لقاء مع القنصلية السعودية في الأردن بداية الشهر المقبل للوقوف على حقيقة ما يجري.

تفيد الشركات المتخصصة في العمرة والحج والعاملة في الضفة الغربية بأنّها تلقت الردّ ذاته من القنصلية السعودية ومفاده أنّه لن تُمنَح أيّ تأشيرة لمقدسي على جواز السفر الأردني المؤقت، بل إنّها سوف تُمنَح حصراً لحامل جواز السفر الفلسطيني. ويقول صاحب شركة "أجياد للحج والعمرة"، جواد جعارة، لـ"العربي الجديد" إنّه "بحسب ما أبلغتنا القنصلية السعودية في الأردن حتى اللحظة، فإنّ أيّ تأشيرة لن تُضاف إلى جواز أردني مؤقت، وقد أعيدت إلينا كلّ جوازات السفر المؤقتة التي قدّمناها، وهي بغالبيتها لمقدسيين". يضيف أنّه "بحسب ما وردنا كذلك من القنصلية السعودية، فإنّ أيّ تأشيرة سعودية لن تُمنح لحملة وثائق السفر المصرية والسورية التي يحملها اللاجئ الفلسطيني". ويوضح جعارة أنّ "الأمر تبلّغناه من موظفي القنصلية السعودية في الأردن خلال تقديمنا جوازات زبائننا من الراغبين في العمرة. لكنّ التبليغ الرسمي عادة يتمّ بين القنصلية السعودية ووزارة الأوقاف الفلسطينية".



الأمر نفسه يؤكده مدير شركة "الفرقان"، أشرف أبو طارق، قائلاً إنّ "الشركة تلقّت تعميماً من القنصلية السعودية مفاده بأنّ التعليمات حتى الآن تقول بعدم السماح بتفييز الجواز الأردني المؤقت للعمرة، إلى حين ورود تعليمات بغير ذلك. لكن من المسموح تفييز جواز السفر الأردني مع الرقم الوطني، على أن يُرفق بصورة الهوية الفلسطينية ملوّنة مصدّقة".

من جهته، يقول وكيل مساعد شؤون الحج والعمرة في وزارة الأوقاف، حسام أبو الرب، لـ"العربي الجديد"، إنّه "سمعنا ما يتردد من قبل المسؤولين في شركات الحج والعمرة حول منع منح التأشيرة للمقدسيين من حملة الجواز الأردني المؤقت، لكننا لم نبلّغ بأيّ شيء رسمي حتى الآن". ويلفت إلى أنّ "وزارة الأوقاف الفلسطينية راسلت السفارة السعودية في الأردن للوقوف على حقيقة ما يجري".

تشير المعطيات المتوفّرة إلى أنّ السعودية لا تتشاور مع السلطة الفلسطينية حول أيّ إجراء تتخذه في ما يخص الحجاج والمعتمرين الفلسطينيين، بل تفرضه فرضاً، تماماً مثلما جرى قبل ثلاثة أعوام، عندما اشترطت حمل الجواز الفلسطيني لنيل تأشيرة الحجّ، رافضة الجواز الأردني المؤقت الذي يحمله المقدسيون بغالبيتهم. وهو ما جعل السلطة تستصدر جواز سفر فلسطينياً صالحاً لمرّة واحدة، للمقدسيين الذي يعيدون تسليمه للسلطات التي تتلفه فور عودتهم من رحلة الحج. إلى ذلك، فرضت السعودية كلفة إضافية تصل إلى 600 دولار أميركي على كل فلسطيني يودّ أداء العمرة للمرّة الثانية.




ويوضح أبو الرب أنّه "قبل ثلاثة أعوام، وُضعت تعليمات من السفارة السعودية في عمّان تقضي بمنح التأشيرة على جواز السفر الفلسطيني الوطني، إذ إنّ لكلّ دولة رمزها الخاص (كود) وتأشيرة إلكترونية. وقد تغلبنا على ذلك من خلال إصدار جواز سفر فلسطيني يستخدم لمرة واحدة لكل مقدسي يرغب في الحج ويحمل جواز سفر أردنياً مؤقتاً".

لكنّ اللجوء إلى الإجراء ذاته، أي إصدار جواز سفر فلسطيني لمرة واحدة على أن يُتلف عند نقطة العبور إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ربّما لن يكون مقبولاً كما هي الحال بالنسبة إلى الحج. فعدد الأشخاص الذين يؤدون مناسك الحج قليل لا يتجاوز بضع مئات ولمرة واحدة في العام ليس إلا، وعلى سبيل المثال نحو 400 من المقدسيين أدّوها هذا العام. أمّا عدد المقبلين على العمرة فيتجاوز 30 ألفاً سنوياً، وجزء كبير منهم من المقدسيين، بالتالي فإنّ إصدار جواز فلسطيني لمرة واحدة أمر صعب لأسباب فنية وإدارية أولاً، على الرغم من تأكيد وكيل وزارة الأوقاف أنّ "أيّ شيء يحقق مصلحة المقدسيين سوف نقوم به"، والأهم في ظل ترقب إسرائيل سحب إقامات المقدسيين الذين يحملون الجواز الفلسطيني.

وحول المخاوف من إصدار جواز سفر فلسطيني لآلاف المقدسيين، وما يترتب على ذلك من ثمن سياسي سوف يدفعه المقدسيون عبر سحب هوياتهم المقدسية منهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي، يقول أبو الرب إنّ "أيّ شيء يؤثّر على المقدسيين أو يحاول أن يغيّر الوضع القائم أو يمسّ بحقوقهم، لن نقبله. وسوف نتغلب على هذا الأمر في خلال لقائنا مع الإخوة السعوديين قريباً، حيث تقرر اللقاء مع بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل".



في السياق، يقول الخبير القانوني بشؤون القدس، معين عودة، لـ"العربي الجديد"، إنّه "من ناحية نظرية لا يمكن للمقدسي التقدم للحصول على جواز سفر فلسطيني إلا بعد فقدانه لحقّ إقامته في القدس. فيقدّم طلباً للحصول على هوية فلسطينية، وذلك يكون عن طريق لمّ شمل من شخص يحمل هوية فلسطينية، وبعد ذلك جواز سفر. وكما هو معلوم، فإنّ الإدارة المدنية هي التي توافق على طلبات لمّ شمل الفلسطينيين حتى وإن وُجِدوا تحت ولاية السلطة الفلسطينية". يضيف: "أنا لم أسمع قط عن أيّ شخص مقدسي تقدّم أو حتى حاول التقدّم بطلب جواز فلسطيني دائم. ونعلم أنّ ثمّة حالات يتمّ فيها إصدار جواز مؤقت لحاجات محددة". ويؤكد عودة أنّه "من ناحية قانونية، فإنّ امتلاك المقدسي جنسية دولة أخرى تخوّل الداخلية الإسرائيلية سحب إقامته. والتطبيق الحرفيّ لقانون الاحتلال الإسرائيلي يعني أنّه في حال تقدّم مقدسي وحصل على جواز سفر فلسطيني، فمن الممكن القول إنّه في إمكان الداخلية الإسرائيلية سحب إقامته".

من جهة أخرى، تصل رسائل صوتية عبر مجموعات التواصل الاجتماعي من لاجئين فلسطينيين في السعودية ولبنان، حول رفض السلطات السعودية منحهم تأشيرة بناءً على الوثائق التي يحملونها. كذلك ترفض السلطات نفسها تمديد إقامات العمل الخاصة بهم في السعودية للسبب ذاته، مشترطة حصولهم على جواز سفر فلسطيني. وعن صحة الأخبار التي يتداولها فلسطينيون في السعودية، يقول السفير الفلسطيني في السعودية بسام الآغا لـ"العربي الجديد" إنّه "ليس لديّ جواب الآن. عندما أملك جواباً سوف أخبركم". يُذكر أنّ الاتصال تعذّر مع السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور.




القيادي الفتحاوي حاتم عبد القادر الذي وردته رسائل صوتية عدّة عبر تطبيق "واتساب" حول رفض السعودية تجديد إقامات لاجئين فلسطينيين لا يحملون جواز سفر فلسطينياً، يقول لـ"العربي الجديد": "لم نتلقَّ أيّ خبر رسمي من السعودية حتى الآن وننتظر ردّ السفراء في الأردن والسعودية حول ما يجري". يضيف أنّ "رسائل مسجلة عدّة وردتني، وهي تتحدث عن رفض تجديد إقامات لفلسطينيين لاجئين في السعودية، واشتراط حصولهم على جواز سفر فلسطيني. ما يقولونه خطر جداً". ويتابع عبد القادر أنّ "كثيراً من المواطنين اتصلوا بنا وأكّدوا أنّ السلطات السعودية طالبتهم بجواز سفر فلسطيني، ورفضت منحهم تأشيرة لأداء العمرة كذلك رفضت تجديد إقامات الفلسطينيين المقيمين في الخارج على جوازات سفرهم المؤقتة".

ويشير عبد القادر إلى أنّ "المشكلة تكمن في أنّ الفلسطيني اللاجئ يحمل جواز سفر الدولة التي لجأ لها، وعندما يحصل على جواز سفر فلسطيني يكون قد نفى عن نفسه صفه لاجئ". ويشرح أنّ "حملة جوازات السفر العربية المؤقتة من الفلسطينيين يُعَدّون جميعهم لاجئين، وعندما يتمّ التخلي عن الجواز العربي المؤقت ويحصلون على جواز فلسطيني، فإنّهم يتنازلون عن صفتهم كلاجئين، وهذا أمر له مدلولات سياسية خطرة قد تكون مرتبطة بصفقة القرن أو توطين اللاجئين".