خسّ أبو دقّة في غزة

27 مايو 2019
المهندسان الزراعيان في دفيئتهما (محمد الحجار)
+ الخط -

لا يتمتّع مزارعو غزّة بالحرية الكافية لممارسة نشاطهم، نظراً إلى أنّ الأراضي الزراعية بمعظمها تتمركز في شرق القطاع، علماً أنّ الاحتلال الإسرائيلي يعمد إلى رشّ مبيدات حشرية في المنطقة إلى جانب شحّ المياه الصالحة للريّ. لكنّ عازم أبو دقّة (27 عاماً) وشقيقته صفيّة أبو دقّة (25 عاماً) حاولا تخطّي تلك الظروف وإنشاء مشروع زراعي مغاير.

عازم وصفيّة من سكان بلدة خزاعة الواقعة إلى شرق مدينة خان يونس، جنوبي القطاع المحاصر، وقد حسما أمرهما لجهة تحقيق هدفهما في تأسيس مشروع زراعي من ضمن برامج التنمية المستدامة للقطاع الزراعي الفلسطيني، بعدما تخرّجا من كلية الزراعة في جامعة الأزهر في غزة. وقد لاقى مشروعهما استحساناً كبيراً من مزارعين كثر أشادوا بفكرتهما وبأسلوب استخدام القنوات المائية للريّ. وقد نفّذ عازم وصفيّة مشروعهما بعدما يئسا من استصلاح أيّ أرض زراعية في غزة، نظراً إلى احتمالات تعرّضها إلى أضرار مختلفة في أيّ وقت بفعل الانتهاكات الإسرائيلية المختلفة وعدوان الاحتلال المتكرر. من شأن ذلك أنّ يدمّر البنى التحتية فتختلط المياه العادمة بالمياه الجوفية في بعض مناطق قطاع غزة الجنوبية حيث لا شبكات خاصة بالصرف الصحي.

وعمد المهندسان الزراعيان إلى تصميم مزرعة مائية بتقنية "هيدروبونيك"، ليست الأولى من نوعها في غزة، إنّما هي الأكبر. فقد أقيمت على مساحة 200 متر في داخل دفيئة، أمّا إنتاجها فيعادل إنتاج مساحة دونم واحد في حقل مفتوح. يُذكر أنّهما نجحا بعد جهد استمرّ لأكثر من عام، بإنتاج الخسّ بكميات كبيرة. وتلك التقنية تقوم على الاعتماد على الزراعة من دون الاعتماد على التربة أو أحد عناصرها، بل يكون الأمر مستنداً بصورة أساسية على الماء والمحاليل المغذية. ويؤكد عازم لـ"العربي الجديد" أنّ "هذه المزرعة أو تقنية هيدروبونيك المعتمدة آمنة، لا بل تحلّ كذلك مشكلة ملوحة المياه التي يعانيها المزارعون وكذلك ندرة المياه"، شارحاً أنّ "لا خسارة في المياه، لأنّ تلك المستخدمة في الريّ في داخل القنوات يُعاد استخدامها أكثر من مرة، الأمر الذي يوفّر 90 في المائة من المياه".

صفية أبو دقّة: هذا إنتاجنا (محمد الحجار)

ويشير عازم إلى أنّه قضى مع شقيقته صفيّة "سنوات في محاولات فاشلة للانضمام إلى سوق العمل، علماً أنّ القطاع الزراعي هو أقلّ القطاعات في ما يتعلق بفرص العمل. بالتالي، رحنا نفكّر بتقنية جديدة، فوجدنا أنّ الزراعة من دون تربة قد تكون من مشاريع الزراعة الناجحة في قطاع غزة المحاصر والذي يعاني من ندرة الأراضي الزراعية". يضيف: "نحن لا نستخدم إلا 20 في المائة مواد كيميائية في زراعتنا، فهي تعتمد على الأسمدة السائلة والماء بالدرجة الأولى"، مؤكداً أنّ "تلك المواد الكيميائية ليست من المبيدات الزراعية المضرة بصحة الإنسان".

عازم أبو دقّة: تقنيّة هيدربونيك المعتمدة آمنة (محمد الحجار)

ويوضح عازم: "بحثنا جدياً بمجالات زراعية جديدة وبإجراء أبحاث في الإطار، ثمّ قرّرنا الخوض في الزراعة المائية. فجهّزنا دفيئة من شأنها امتصاص أشعة الشمس والحرارة اللازمة للنباتات ووضعنا نظاماً آلياً للريّ، ورحنا نراقب ما يجري. بعد نحو أربعة أشهر وظهور النتائج الأولية، رحنا نسجّل ملاحظات بهدف تطوير مشروعنا، وبالفعل بدأنا بتحقيق النجاح. وبعد شهر واحد، رأينا أنّنا نجحنا في المشروع". ولعلّ الأمر اللافت في مشروع عازم وصفيّة هو أنّ النموّ في الزراعة المائية أسرع ممّا هو في الزراعة التقليدية، ويشرح عازم أنّ "الإنتاج يستغرق في الزراعة المائية ما بين 30 يوماً و35، فيما يتطلّب ما بين شهرَين و80 يوماً في الزراعة التقليدية. وهكذا، نستطيع تحقيق نموّ المحاصيل بطريقة أسرع وأكثر أماناً وفي مساحة أصغر".

يطمئنّنا على خسّهما (محمد الحجار)

من جهتها، تقول صفيّة إنّ "الزراعة المائية مناسبة للبيئة الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال والحصار الإسرائيليين"، موضحة أنّ "تطبيقها لا يقتصر على قطاع غزة بل يشمل الضفة الغربية المحتلة التي تعاني من تهويد واستيطان إسرائيلي على أراضي المزارعين الفلسطينيين". تضيف أنّ "هذه الزراعة توفّر جهداً وتغني عن استخدام الأدوات الزراعية التقليدية، فهي لا تحتاج إلى حراثة ولا إلى ممرات ترابية". وتشير صفيّة إلى أنّهما واجها "صعوبات عدّة، منها تركيب النظام الكامل للمشروع في داخل الدفيئة الزراعية. فاعتمدنا على التجارب حتى توصلنا إلى أفضل طريقة لتركيب النظام. ومن الصعوبات كذلك المحاليل المغذية للنباتات، نظراً إلى عدم توفّر العناصر اللازمة لتركيبها بسبب الحصار الإسرائيلي، لذا اضطررنا إلى استخدام البدائل".




ومشروع عازم وصفيّة لم يكن ليرى النور لولا الدعم الذي حصلا عليه من قبل جهات عدّة، محلية ودولية. وتقول صفيّة إنّ "المشروع جميل وفيه استثمار مستقبلي كبير، لكنّ تكلفته مرتفعة، لا سيّما أنّ الزراعة المائية حديثة العهد في فلسطين. ولأنّ المحيطون بنا أدركوا أنّنا نخوض تجربة ناجحة، صار التشجيع جماعياً". وبعد نجاهما في إنتاج الخسّ، يسعى المهندسان الزراعيان في الفترة المقبلة إلى إنتاج الفلفل والبندورة، ثمّ المضيّ قدماً في هذا المجال وتطويره، لعلّهما يقنعان الجهات الرسمية بدعم مثل هذه المشاريع التنموية.