إنهاء الحياة ليس حلّاً لمشاكلنا

10 سبتمبر 2018
معاً للوقاية من الانتحار (ياوار نذير/ Getty)
+ الخط -
خرافة: "الناس الذين يتحدثون عن الانتحار لا يقصدون القيام بذلك". الحقيقة: "الناس الذين يتحدثون عن الانتحار قد يسعون للحصول على المساعدة أو الدعم. عدد كبير من الناس الذين يفكرون في الانتحار يعانون من القلق والاكتئاب واليأس وربما يشعرون أنه لا يوجد خيار آخر".

خرافة: "معظم حالات الانتحار تحدث فجأة دون سابق إنذار". الحقيقة: "معظم حالات الانتحار سبقتها علامات تحذيرية سواء لفظية أو سلوكية. بالطبع، هناك بعض حالات الانتحار التي تحدث من دون سابق إنذار. لكن من الضروري أن نعرف ما هي هذه العلامات التحذيرية وننتبه إليها".

خرافة: "الشخص الذي لديه ميول انتحارية عازم على الموت". الحقيقة: "على العكس من ذلك، غالباً ما يكون الأفراد الذين لديهم ميل للانتحار متردّدين ما بين الحياة والموت. قد يتصرف شخص باندفاع عن طريق شرب المبيدات الحشرية على سبيل المثال، ويموت بعد بضعة أيام على الرغم من أنه كان يود أن يعيش. لذلك، الحصول على الدعم النفسي في الوقت المناسب يكون سبباً في الوقاية من الانتحار".

خرافة: "فقط من لديهم اضطرابات نفسية يُقبلون على الانتحار". والحقيقة أن "السلوك الانتحاري يشير إلى التعاسة العميقة لكن ليس بالضرورة إلى الاضطراب النفسي. لا يتأثر كثير من الناس المتعايشين مع الاضطرابات النفسية بالسلوك الانتحاري، وليس كل الناس الذين ينتحرون لديهم اضطراب نفسي".



وردت هذه الخرافات والحقائق في تقرير "الوقاية من الانتحار: ضرورة عالمية" الصادر عن منظمة الصحة العالمية في عام 2014. واليوم يُصادف اليوم العالمي لمنع الانتحار. والهدف منه إتاحة الفرص أمام الناس في كلّ أنحاء العالم لتوحيد الجهود في الالتزام والعمل بغية ضمان منع الانتحار وتوفير العلاج المناسب لأولئك الذين يعانون من أمراض نفسية، وإتاحة خدمات الرعاية المجتمعية وخدمات المتابعة الوثيقة لأولئك الذين يحاولون الانتحار، وتقييد إمكانية الحصول على وسائل الانتحار الشائعة.

الأرقام التي تُوردها منظمة الصحة العالمية تبيّن انخفاض نسب الانتحار في الوقت الحالي، وإن كانت ما زالت مرتفعة. وتشير إلى أن نحو 800 ألف شخص يضعون حداً لحياتهم سنوياً. وسجّل الانتحار ثاني أهم سبب للوفيات الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 عاماً على الصعيد العالمي في عام 2016. كما أن أكثر من 79 في المائة من حالات الانتحار في العالم حدثت في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. في هذا السياق، يقول المستشار الإقليمي للصحة النفسية والإدمان في منظمة الصحة العالمية، د. خالد سعيد، لـ "العربي الجديد"، "الانتحار قضية صحية عامة. وعدا عن رقم 800 ألف المذكور أعلاه، فإن نسبة كبيرة من الناس تحاول الانتحار". ويوضح أن "هذا الرقم لا يعكس الحقيقة لأن العديد من حوادث الانتحار لا تسجّل بسبب عدم الإبلاغ عنها لأسباب دينية أو اجتماعية وغيرها. وفي بعض الدول، يعدّ هذا الأمر جريمة".

سعيد يشير إلى أنّ نسبة الانتحار تعدّ أكثر ارتفاعاً بين الرجال بالمقارنة مع النساء، في وقت ترتفع فيه محاولات الانتحار بين النساء. والسبب هو لجوء الرجال إلى أدوات ووسائل أكثر عنفاً كالأسلحة النارية أو الشنق وغيرها، فيما تلجأ النساء إلى تناول الأدوية على سبيل المثال.
في عام 2017، ذكرت منظمة الصحة أنّ حالة انتحار تحصل كل 40 ثانية حول العالم. وتقدّر نسبة الانتحار في أفريقيا بـ 7.4 في المائة، و9.8 في المائة في الأميركيتين، و13.2 في المائة في جنوب شرق آسيا، و15.4 في المائة في أوروبا، و3.9 في المائة في الشرق الأوسط، و10.2 في منطقة غرب المحيط الهادئ.

يشعر بالضيق (Getty) 


الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة، والحروب، وارتفاع نسب اللاجئين حول العالم، كلّها عوامل قد تشكّل أسباباً تدفع الأشخاص إلى الانتحار. سعيد، وخلال حديثه عن الأسباب، يوضح أنها عديدة، منها المشاكل الاجتماعية (بطالة، استغلال نفسي أو جنسي، الشعور بعدم الاستقرار والأمان، وغيرها)، ومشاكل الصحة النفسية والعقلية، والاضطرابات المؤلمة والمزمنة، والأحداث القاسية، وغيرها. هنا، يشير إلى أن تاريخ العائلة (وجود حالات انتحار سابقة) قد يكون مؤشراً على مدى احتمال إقدام الأشخاص على الانتحار. ولا يمكن، بحسب سعيد، إغفال العوامل الخارجية وواقع الحروب واللجوء والتشرد والعنف والموت وغيرها، وإن يؤكد أن 60 في المائة من محاولات الانتحار هي نتيجة أمراض نفسية وعقلية.

والفرق بين الإقدام على الانتحار والانتحار بسيط، ويرتبط بالوسيلة بشكل أساسي، بحسب سعيد. ويوضح أن احتمال النجاة من الأسلحة النارية على سبيل المثال أقل من الأدوية. لكنه يشدّد على ضرورة أخذ أولئك الذي يعربون عن رغبتهم في الانتحار على محمل الجد، و"لا نظنّ أنهم يرغبون في لفت الانتباه فقط".

وما يدعو إلى القلق، هو أن نسبة الانتحار في الشرق الأوسط وأفريقيا تشكل نحو نصف النسبة في العالم على الرغم من غياب الإحصائيات من جهة، وإمكانية الوقاية من الانتحار من جهة أخرى، خصوصاً إذا كان للرغبة في الانتحار علاقة بمشاكل صحية أو مشاكل اجتماعية أو اقتصادية. ويلفت إلى أن نسبة الانتحار تعد مرتفعة بين المراهقين وكبار السن. وللوقاية، يتطلب الأمر تهيئة الكادر الصحي وتوعية المجتمع وتغطية إعلامية مسؤولة والحد من الوصول إلى الأدوات التي تسهّل الانتحار. على سبيل المثال، إذا تبيّن بحسب الإحصائيات، أن الأسلحة النارية هي الوسيلة الأكثر استخداماً للانتحار في دولة ما، يجب إصدار قوانين للحدّ أو من الحصول عليها من قبل الناس بسهولة. وفي ما يتعلق بوسائل الإعلام، يشدد سعيد على ضرورة عدم نشر كل تفاصيل الانتحار، والعمل على إرشاد الناس إلى الجهات التي يمكن أن تقدم المساعدة لهم، وعدم تصوير الانتحار وكأنّه حل لمشاكلهم، واحترام خصوصية عائلة الأشخاص الذين يختارون إنهاء حياتهم. يضيف: "من المهم جداً القول إن الناس قادرون على المساعدة".

كيف يمكن مساعدة الراغبين في الانتحار؟ يوضح سعيد لـ "العربي الجديد" أنّه يمكن الحديث إلى بعض الأشخاص كالأصدقاء أو العائلة أو آخرين. وفي حال لم يكن ذلك كافياً، لا بدّ حينها من الاستعانة بالمتخصصين أو الاتصال بالمراكز المعنية التي تقدم المساعدة عبر الهاتف. وفي ما يتعلق بالأمراض النفسية والعقلية والمزمنة، فيمكن للمتخصصين المساعدة في "إدارة" هذه الأمراض.

مراهقة تبكي (Getty) 


سعيد يلفت إلى أن العديد من الدول النامية ومتوسطة الدخل بدأت العمل على وضع استراتيجية للوقاية من الانتحار، على غرار إيران وسريلانكا وتونس، حتى أن لبنان بدأ أولى خطواته في هذا الإطار. سعيد يبدو متفائلاً، ويقول إننا نسعى إلى تحقيق الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة الذي يتحدث عن الصحة، أي تخفيض الوفيات المبكرة الناجمة عن الأمراض غير السارية بمقدار الثلث من خلال الوقاية والعلاج وتعزيز الصحة والسلامة العقليتين بحلول عام 2030.

تفيد منظمة الصحة العالمية بأن "وصمة العار التي تحيط بالاضطرابات النفسية والانتحار، تعني أن كثرا ممن يفكرون في وضع نهاية لحياتهم سيتعذر عليهم طلب المساعدة علماً أنهم في أمس الحاجة إليها". وترى أن "الوقاية من الانتحار لم تعالج بشكل كاف بسبب ضعف الوعي حول الانتحار كمشكلة صحة عمومية رئيسية، لكونه من المحظورات في كثير من المجتمعات". وحتى اليوم، عدد قليل من البلدان أدرج الوقاية من الانتحار ضمن أولوياتها الصحية، و38 بلداً فقط وضع استراتيجية وطنية للوقاية من الانتحار.



والتزمت الدول الأعضاء في المنظمة، بموجب خطة عملها للصحة النفسية 2013-2020، العمل من أجل تحقيق الهدف العالمي المتعلق بخفض معدل الانتحار في البلدان بنسبة 10% بحلول عام 2020.

معدّل الانتحار في العالم سنوياً يبلع 10.5 لكل مائة ألف شخص، في مقابل 4.3 لكل مائة ألف شخص في منطقتنا، بحسب سعيد، ما يتطلب جهداً إضافياً. ترفض منظمة الصحة العالمية أن يكون الانتحار حلاً؟ لكن لماذا لا يكون كذلك؟ ولماذا لا يمكنه أن يكون مشابهاً للقتل الرحيم الذي ما زال الجدال حوله مستمراً؟ يقول سعيد: "السبب بسيط، وهو أنه يمكن الوقاية من الانتحار". يضيف: "حين لا يشعر شخص ما بأنّه على ما يُرام، قد يرغب في الانتحار في حال لم يحصل على العلاج. لكن إذا حصل على العلاج المناسب، سيكتشف أنه لم يكن يرغب في الموت".

المساهمون