بير سالم المهجّرة... قرية فلسطينية دخلها أللنبي لطرد الألمان

05 فبراير 2017
هذا ما تبقّى من أطلال القرية (العربي الجديد)
+ الخط -


تقع قرية بير سالم المهجرة على بعد أربعة كيلومترات غربي مدينة الرملة، وتقريبًا 16 كيلومترا جنوب شرقي مدينة يافا، أي إن موقعها الجغرافي كان مركزيًا ووقع على الطريق الرئيسي الذي يوصل مدينة الرملة مع السهل الساحلي الفلسطينيّ.

وترتفع هذه القرية ما يقارب الخمسة وسبعين مترًا فوق سطح البحر، رغم وجودها على رقعة مستوية من الأرض في السهل الداخلي الفلسطيني الخصيب والذي ما زال حتى يومنا هذا مليئًا بالأراضي الزراعيّة المغتصبة من قبل المليشيات الصهيونيّة التي توغّلت إلى القرى الفلسطينيّة الآمنة في أشهر نيسان/إبريل وأيار/مايو من عام النكبة 1948.

ومن الجدير بالذكر أن هذه الأراضي يقطعها منذ بضع سنوات شارع رئيسي يربط بين السهل الساحلي ومشارف القدس المحتلة، مرورًا بالسهل الداخلي المليء بالمستعمرات الصهيونيّة مثل ريشون لتسيون وبير يعقوب ونس تسيونا ورحوفوت التي أقيمت خلال الحكم العثماني للبلاد وتوسّعت على حساب القرى الفلسطينيّة المهجّرة من بعد النكبة.

الرواية الشفويّة تقول إن اسم القرية بير سالم هو الاسم الموروث عن الآباء والأجداد، ويقول البعض إنه كانت في القرية بئر مياهها عذبة أطلق عليها اسم "بئر سالم" حيث إن أول من اكتشفها أحد مشايخ القرية واسمه سالم، هذا وتكثر كلمة بير في كثير من الأمكنة في فلسطين منها: بير سالم في قرية رمّانة، وبير سالم أبو رقيق، وبير سالم السلامين في بئر السبع، وبير سالم الذي نحن بصدده قضاء الرملة.

وصلت مساحة القرية إلى 4708 دونمات، وكانت منازلها مبنيّة بالطوب أو الأسمنت ومتقاربة على بعضها البعض، وتفصل بينها أزقّة ضيّقة تتفرّع من الشارع الرئيسيّ. ومن العائلات التي سكنت فيها تذكر المصادر التاريخيّة كلا من عائلة أبو زيد وأبو زايد وأبو كوش وأبو جربوع وأبو عبيد وجربوع العوامرة وجربوع عبد الرحمن وأبو عوض وأبو عمير وأبو صليح. 
كان عدد السكان عام 1945م (410) نسمات ولهم (100) بيت تقريباً وفي عام النكبة 1948م وصلوا إلى (476) نسمة وعدد البيوت المعمورة حوالي (110) بيوت وعدد نفوس قرية بير سالم المسجل في وكالة الغوث عام 2008 (5077) نسمة.


صورة تاريخية لموسم البرتقال في قرية بير سالم الفلسطينية (فيسبوك) 




كان في القرية منذ بداية المخترة، مختاران: مختار أوّل ومختار ثان، وكانت مهمّة المخترة ذات اعتبار وأهميّة وهيبة وتقدير من قبل أهالي القرية، إذ كانت مهام المختار كثيرة، منها الرسميّة والشعبيّة وكان بيته مجمعًا وملتقى ومركز إصلاح في حل المشاكل إن نشبت، وغالبًا كانت تُحل قبل الوصول إلى المحاكم الرسميّة في المدينة.

لم يكن في القرية مدرسة لتدريس الأولاد، لكن أحياناً يقوم شيخ القرية بتعليم الأولاد في المسجد القرآن والحديث، والذي يريد التعلّم في المدارس يذهب إلى قرية صرفند الخراب القريبة من بير سالم ومن أراد أن يزيد في التحصيل العلمي كان يذهب إلى مدارس الرملة.

اعتمد أهالي القرية في معيشتهم وحياتهم الاقتصادية على زراعة أرضهم بالدرجة الأولى، حيث زرعوها بمختلف بيّارات الحمضيات والأشجار المثمرة مثل اللوزيات، وكذلك زرعت بالحبوب ولقد اعتمدوا على أنفسهم لتأمين كل ما تحتاجه حياتهم المعيشيّة البسيطة، ثم اعتمدوا قديماً على الثروة الحيوانيّة التي كانت منتشرة فيها قطعان الأغنام والأبقار.

فكانت الزراعة في القرية في العهد العثماني تعتمد على الزراعة البعليّة لكن في فترة الانتداب البريطاني زرعت الأشجار المثمرة بالإضافة إلى الزراعة البعليّة، وانتشرت بيارات الحمضيّات بكل مسمياتها مثل: الليمون وبرتقال الشمّوطي والمندلينا والجريب فروت وأبو سرّة. وفي عام 1940ميلادية كانت الأراضي المزروعة بالحمضيّات (500) دونم وفي عام 1945ميلادية وصلت إلى (742) دونما، أمّا الأراضي المزروعة بالزيتون فكانت في عام 1945ميلادية، (267) دونماً منها (210) دونمات مثمرة والباقي غير مثمر. وكان في القرية معصرة ميكانيكيّة وزُرعت أيضاً كروم مثمرة مثل اللوزيات والتين والعنب والصبر والجوافة والتوت، وزُرع حول البيّارات أشجار الصنوبر والجوز والبلّوط والكينا والجمّيز والزعرور والزنزلخت.


بقايا منزل هدمه الصهاينة في قرية بير سالم (فيسبوك) 




أمّا الزراعة البعليّة الصيفيّة منها والشتويّة فأهمّها القمح والشعير والذرة البيضاء والقزحة والسمسم والعصفر والذرة الصفراء وزُرعت أيضاً البقوليّات مثل الفول والحمص والبازيلاء والعدس والفاصولياء. هذا وزرعت القرية عام 1945م (1468) دونماً للحبوب والبقوليّات. ويكثر في القرية الكثير من النباتات البريّة مثل الخبّيزة والهندبة والحمّيض والفرفحينا (البقلة) والشومر والفقع (الفطر) والعكوب والزعتر والميرمية والبابونج. وزُرع أيضًا (510) دونمات خُصّصت للبساتين المرويّة مثل الملوخيّة والسلك والزهرة والملفوف والخس والفجل، هذا وقد زُرع في القرية الخيار والفقوس والبندورة والبصل والثوم والبطيخ والشمام والبامية.

بعد الحرب العالميّة الأولى، احتل البريطانيون موقع القرية وسيطروا على المدرسة الزراعيّة التي كانت بحوزة الألمان والعثمانيين الذين هُزموا في المعارك في فلسطين ولقد دخل قائد الجيش البريطاني الجنرال إدموند أللنبي القرية شخصيًا، ومن هناك تقدّم إلى القدس متمّمًا احتلال فلسطين تحت حجّة محاربة العثمانيين أثناء الحرب العالميّة الأولى.

من الجدير بالذكر أن جزءًا من مسجد القرية ما زال قائمًا وكذلك بعض البيوت، ولكنّها محاطة بالأسلاك والنباتات ومن الصعب الوصول إليها ورؤيتها بوضوح، ولكن المباني الوحيدة التي صمدت، وتم ترميمها هي "عزبة أللنبي" التي تحتوي على المدرسة الزراعيّة ومبنى آخر كان يتبع لها، بالإضافة إلى بيت المضافة التابع لمختار القرية.

حوّل الإسرائيليون المدرسة إلى قاعة أفراح ومناسبات تحت اسم "عزبة أللنبي" ويبدو أن المبنى الرئيسي غير مستعمل في الفترة الأخيرة، كما وتم إنشاء مستعمرة "نيتسير سيريني" على أراضي القرية عام 1948.