يجلس العم محمود (60 سنة) في ركن صغير في ورشة قديمة وسط الأعمدة الحجرية وقطع الرخام. يكسّر الحجارة بالمطرقة والمبرد لتحويلها إلى قطع صغيرة لتزيين واجهات البيوت والمحلات. يكسّر أكثر من مائة قطعة يومياً، في ظل الطلب المتزايد على تلك الحجارة والرخام.
يقول إنّه يعمل في تكسير الرخام والنقش على الحجر منذ أكثر من ثلاثين عاماً، مع عشرات الحرفيين في المحلّ نفسه، الذي عرف أجيالاً عدّة ورثت الحرفة، حتى باتت موطن العمل الأساسي بالنسبة لمئات الحرفيين في الجهة.
بدأ النقش على الحجارة في مدينة دار شعبان الفهري في محافظة نابل منذ أكثر من 150 عاماً. وتوارثت الأجيال تلك الحرفة على مدى عشرات السنوات، ما وفّر فرص عمل للمئات في المدينة، التي باتت تسمى بمدينة النقش على الحجارة.
وتعدّدت الورشات بعد انتشار استعمال تلك الحجارة والنحت عليها في كامل مناطق الجمهورية، لا سيما وقد زاد الطلب عليها من قبل العائلات الميسورة التي تزين واجهات بيوتها بتلك الحجارة المنقوشة والأعمدة والأقواس الرخامية. كما تستعمل في المساجد التي تعتمد على الأعمدة المنقوشة بالخط والنقوش العربية، إضافة إلى تزيين غالبية القاعات الثقافية ومقرات الوزارات بأنواع مختلفة من الحجارة المنقوشة يدوياً. وأصبحت للمدينة شهرة كبيرة، وقد وفرت منتجات توزّع في مختلف المناطق وحتى في الخارج.
تقع مدينة دار شعبان الفهري في محافظة نابل، وهي إحدى المناطق الساحلية التي تبعد عن العاصمة نحو 60 كيلومتراً. وتميزت مناطق عدة في المحافظة بحرف قديمة، أهمها صنع السجاد والفخار والجلد. لكن مدينة دار شعبان الفهري، تميزت تحديداً عن كل المدن التونسية الأخرى بالنقش على الحجارة.
ويُلاحظ من يزور المدينة مجسماً كبيراً، على شكل مدخل قصر، مصنوعاً من الحجارة المنقوشة يدوياً. كما يلاحظ تشابهاً بين البيوت المزيّنة بأنواع مختلفة من الحجارة المنقوشة.
النقوش وأشكال الأقواس المختلفة والأعمدة المصنوعة من الحجر الخام أضفت جمالاً على المدينة، ما جعل العديد من سكان مناطق تونسية عدة يقبلون على شراء تلك المنتجات لتزيين واجهات بيوتهم على غرار ما هو موجود في مدينة دار شعبان الفهري، حتى انتشر ذلك الطابع المعماري في مختلف المدن التونسية.
ربما لا تتوفّر في المدينة الحجارة الكافية لصنع كميات توزّع على كامل أراضي الجمهورية، وتكون مختلفة لناحية اللون والشكل. لكن غالبيّة الحرفيين يجلبون الحجارة من مناطق عدة في الشمال والجنوب على غرار قابس والقصرين والكاف وسليانة، لتوفير حجارة مختلفة لصنع أشكال متنوعة، إذ إن بعض الحجارة يمكن أن تستخدم فقط لواجهات البيوت.
لكن أنواعاً أخرى من الحجارة تصلح لصنع أعمدة وأقواس وأحواض ونافورات وفسقيات صغيرة للبيوت والمساجد والمحلات، أو لصنع لوحات فنية من الصخر تزين واجهات البيوت والمقاهي والمطاعم. ويضطر كل صاحب محلّ للتنقل إلى جهات عدة بحثاً عن أجود أنواع الحجارة، كما يقول الحرفي مالك مجدوب لـ"العربي الجديد".
يضيف مجدوب أنّ تلك الحرفة حافظت على مكانتها خصوصاً أنها توارث جيلاً بعد جيل من دون أن تؤدي إلى نفور الشباب على الرغم من صعوبتها والإرهاق الذي تسببه نتيجة الغبار والأتربة وضجيج المطرقة يومياً، عدا عن أصوات الآلات الكبيرة لقص الحجارة. يقول إنّ الحرفيين يطورون شكل الحجارة المنقوشة وحجمها وألوانها، وباتت تستعمل في غالبية البيوت التونسية، لا سيما في المناطق الساحلية، ولم تعد حكراً على ميسوري الحال".
اقــرأ أيضاً
على صعيد آخر، يشير مجدوب إلى أنّ "البعض تعلّم النقش في ورشات التكوين، فيما تعلّمها آخرون من خلال العمل اليومي في ورشات النقش على الحجارة التي يرتفع عددها سنوياً. ولم تشهد أي ركود أو تراجع في اليد العاملة أو في عدد الأسواق المحلية أو حتى الأجنبية".
في إحدى تلك الورشات، يحدّد أحد الحرفيين شكل النقش بقلم الرصاص قبل أن يبدأ النقش بواسطة مطرقة أو مسمار أو عمود حديدي ذي رأس مسطح، أو آخر حاد يسهّل عملية النقش. وفي بعض الأحيان، يرسم نقوشاً بحسب طلب الزبائن.
من جهته، يقول رجب فضيلي (45 عاماً)، وهو أحد أولئك الذين أتقنوا تلك الحرفة منذ عشرين عاماً، إنّ غالبية الحرفيين باتوا اليوم يواجهون مشكلة بسبب نقص الحجارة، لا سيما تلك التي كانت تستخرج من جبل عمرون في المنطقة، إضافة إلى صعوبة الحصول على تراخيص للاستفادة من الحجارة في جهات عدة.
ويشير إلى أنّ بعض الحرفيين باتوا يستعملون القوالب لصنع تلك الأعمدة والأقواس من الجيبس أو الإسمنت نظراً لنقص الحجارة، علماً أنها ليست بجودة تلك التي تنحت وتنقش من الحجارة. ويلفت إلى أنّ "بعض الحرفيين الشباب، الذين أطلقوا مشاريع لإنشاء ورشات نقش على الحجارة، باتوا يواجهون مشاكل في التمويل أو الحصول على قروض لشراء التجهيزات والآلات باهظة الثمن".
يقول إنّه يعمل في تكسير الرخام والنقش على الحجر منذ أكثر من ثلاثين عاماً، مع عشرات الحرفيين في المحلّ نفسه، الذي عرف أجيالاً عدّة ورثت الحرفة، حتى باتت موطن العمل الأساسي بالنسبة لمئات الحرفيين في الجهة.
بدأ النقش على الحجارة في مدينة دار شعبان الفهري في محافظة نابل منذ أكثر من 150 عاماً. وتوارثت الأجيال تلك الحرفة على مدى عشرات السنوات، ما وفّر فرص عمل للمئات في المدينة، التي باتت تسمى بمدينة النقش على الحجارة.
وتعدّدت الورشات بعد انتشار استعمال تلك الحجارة والنحت عليها في كامل مناطق الجمهورية، لا سيما وقد زاد الطلب عليها من قبل العائلات الميسورة التي تزين واجهات بيوتها بتلك الحجارة المنقوشة والأعمدة والأقواس الرخامية. كما تستعمل في المساجد التي تعتمد على الأعمدة المنقوشة بالخط والنقوش العربية، إضافة إلى تزيين غالبية القاعات الثقافية ومقرات الوزارات بأنواع مختلفة من الحجارة المنقوشة يدوياً. وأصبحت للمدينة شهرة كبيرة، وقد وفرت منتجات توزّع في مختلف المناطق وحتى في الخارج.
تقع مدينة دار شعبان الفهري في محافظة نابل، وهي إحدى المناطق الساحلية التي تبعد عن العاصمة نحو 60 كيلومتراً. وتميزت مناطق عدة في المحافظة بحرف قديمة، أهمها صنع السجاد والفخار والجلد. لكن مدينة دار شعبان الفهري، تميزت تحديداً عن كل المدن التونسية الأخرى بالنقش على الحجارة.
ويُلاحظ من يزور المدينة مجسماً كبيراً، على شكل مدخل قصر، مصنوعاً من الحجارة المنقوشة يدوياً. كما يلاحظ تشابهاً بين البيوت المزيّنة بأنواع مختلفة من الحجارة المنقوشة.
النقوش وأشكال الأقواس المختلفة والأعمدة المصنوعة من الحجر الخام أضفت جمالاً على المدينة، ما جعل العديد من سكان مناطق تونسية عدة يقبلون على شراء تلك المنتجات لتزيين واجهات بيوتهم على غرار ما هو موجود في مدينة دار شعبان الفهري، حتى انتشر ذلك الطابع المعماري في مختلف المدن التونسية.
ربما لا تتوفّر في المدينة الحجارة الكافية لصنع كميات توزّع على كامل أراضي الجمهورية، وتكون مختلفة لناحية اللون والشكل. لكن غالبيّة الحرفيين يجلبون الحجارة من مناطق عدة في الشمال والجنوب على غرار قابس والقصرين والكاف وسليانة، لتوفير حجارة مختلفة لصنع أشكال متنوعة، إذ إن بعض الحجارة يمكن أن تستخدم فقط لواجهات البيوت.
لكن أنواعاً أخرى من الحجارة تصلح لصنع أعمدة وأقواس وأحواض ونافورات وفسقيات صغيرة للبيوت والمساجد والمحلات، أو لصنع لوحات فنية من الصخر تزين واجهات البيوت والمقاهي والمطاعم. ويضطر كل صاحب محلّ للتنقل إلى جهات عدة بحثاً عن أجود أنواع الحجارة، كما يقول الحرفي مالك مجدوب لـ"العربي الجديد".
يضيف مجدوب أنّ تلك الحرفة حافظت على مكانتها خصوصاً أنها توارث جيلاً بعد جيل من دون أن تؤدي إلى نفور الشباب على الرغم من صعوبتها والإرهاق الذي تسببه نتيجة الغبار والأتربة وضجيج المطرقة يومياً، عدا عن أصوات الآلات الكبيرة لقص الحجارة. يقول إنّ الحرفيين يطورون شكل الحجارة المنقوشة وحجمها وألوانها، وباتت تستعمل في غالبية البيوت التونسية، لا سيما في المناطق الساحلية، ولم تعد حكراً على ميسوري الحال".
في إحدى تلك الورشات، يحدّد أحد الحرفيين شكل النقش بقلم الرصاص قبل أن يبدأ النقش بواسطة مطرقة أو مسمار أو عمود حديدي ذي رأس مسطح، أو آخر حاد يسهّل عملية النقش. وفي بعض الأحيان، يرسم نقوشاً بحسب طلب الزبائن.
من جهته، يقول رجب فضيلي (45 عاماً)، وهو أحد أولئك الذين أتقنوا تلك الحرفة منذ عشرين عاماً، إنّ غالبية الحرفيين باتوا اليوم يواجهون مشكلة بسبب نقص الحجارة، لا سيما تلك التي كانت تستخرج من جبل عمرون في المنطقة، إضافة إلى صعوبة الحصول على تراخيص للاستفادة من الحجارة في جهات عدة.
ويشير إلى أنّ بعض الحرفيين باتوا يستعملون القوالب لصنع تلك الأعمدة والأقواس من الجيبس أو الإسمنت نظراً لنقص الحجارة، علماً أنها ليست بجودة تلك التي تنحت وتنقش من الحجارة. ويلفت إلى أنّ "بعض الحرفيين الشباب، الذين أطلقوا مشاريع لإنشاء ورشات نقش على الحجارة، باتوا يواجهون مشاكل في التمويل أو الحصول على قروض لشراء التجهيزات والآلات باهظة الثمن".