اللاجئون يغيّرون وجه أوروبا

10 يناير 2016
الأميركيون يعانون من جهل سياسي (حسين بيضون)
+ الخط -
خلال زيارته إلى لبنان، حاول عالم الاجتماع الأميركي مايكل بوراووي قراءة العالم العربي بعد الثورات. قال إن اللجوء سيغير أوروبا، وإن ضعف الحركة النقابية في البلدان العربية سيجعل عملية التغيير أصعب

يتوقّع عالم الاجتماع الأميركي مايكل بوراووي أن يُغير اللجوء أوروبا بشكل كبير خلال السنوات المقبلة. ليس هذا فقط. يؤكد لـ "العربي الجديد" أن الربيع العربي سيؤدي إلى بروز أقطاب واحتكاكها في البلدان العربية ودول الجوار وأوروبا. الثورات في تونس ومصر وليبيا والبحرين وسورية قد جعلت كثيرين متفائلين، الأمر الذي بددته الأحداث اللاحقة.

وفي ظل تسارع الأحداث السياسية والعسكرية في البلدان العربية، تراجع الاهتمام بآثارها على شعوب المنطقة. وقد درس كثيرون موجات التهجير الجماعي في العراق أو سورية، مثلاً، أو التغييرات العميقة التي تمر بها المجتمعات من زاوية سياسية فقط، تتحكم فيها الطائفية في معظم الأحيان. لكن بوراووي يرى أن الأحداث الجارية في العالم العربي "بددت الكثير من النظرة التشاؤمية التي أبداها علماء الاجتماع في العالم حيال هذه المنطقة"، مطلقاً موجة تفاؤل لا تستند إلى أي أساس علمي سوى مشاهد ميادين التغيير في تلك البلدان.

ينطلق الرئيس السابق للجمعية الدولية لعلم الاجتماع، في شرح التغيير خلال مقابلة خاصة مع "العربي الجديد" أثناء زيارته العاصمة اللبنانية بيروت، من ميدان التحرير في القاهرة. يقول: "تابعنا بشغف الإدارة الديمقراطية للفعاليات، والتعاون المدني بين مُختلف التوجهات السياسية والدينية المشاركة في التظاهرات". وتوالت الأحداث سريعاً جداً، "وباتت دراسة هذه المجتمعات المعقدة للغاية أصعب وبحاجة لدقة أكبر".

يرفض بوراووي اعتبار بعض علماء الاجتماع الأحداث التي تمر بها المنطقة "ردة فعل على الحقبة الاستعمارية فقط، بل هي وليدة حراك اجتماعي تفاعلت فيه أنماط الحياة السياسة والاقتصادية والاجتماعية والتربوية مع بعضها بعضاً، للمطالبة بالتغيير".

يُقسّم أستاذ علم الاجتماع في جامعة "بيركلي" الأميركية النشاطات البحثيّة في علم الاجتماع إلى أربعة نشاطات هي: البحث المحترف والبحث النقدي وبحث السياسات والبحث الموجّه للناس.

وفي الحالة العربية، يتوقع بوراووي "بروز المزيد من الأقطاب المتعارضة على مختلف الأصعدة الدينية، القومية، السياسية، والاقتصادية داخل البلدان العربية وأوروبا". وعلى الصعيد الاجتماعي، يؤكد أن "ضعف الحركة النقابية في البلدان العربية يجعل عملية التغيير أصعب"، مشيراً إلى أن تركيا كنموذج، وقد نجحت في "استخدام القوة على أساس قومي لإعادة حزب العدالة والتنمية إلى البرلمان بغالبية مريحة من خلال تحريك الملف الكردي". ويلفت إلى أن "تمدد استخدام القوة خارج الحدود التركية يعني سهولة تمدد الحالة العنفية القائمة على أساس قومي بين البلدان العربية". ومع تزايد أعداد اللاجئين في الغرب، يوضح عالم الاجتماع أن العنصرية هي "ردة فعل عفوية وأولية تجاههم".

ويحذر بوراووي من "إصابة علماء الاجتماع بأمراض المجتمعات التي يدرسونها". ويرى أن تطبيق هذه المقولة سهل في أوروبا، إذ ستتحول صعوبة دمج اللاجئين الجدد في المجتمعات الأوروبية إلى مشكلة في القارة التي بقيت مستقرة طوال خمسين عاماً". وبرأيه، ترتبط المشكلة بـ "تصاعد اليمين المتطرف في عدد من الدول الأوروبية، في مقابل صعود حركة اليسار في بلدن أخرى كألمانيا وإيطاليا والبرتغال". الاحتكاك بين القوتين أكيد، بحسب بورواي، وهو ما تظهره قرارات السويد والدنمارك والنروج بإغلاق حدودها مع ألمانيا بصورة مؤقتة، مع التدقيق بالأوراق الرسمية لجميع العابرين عبر البلاد، في نقض صريح لاتفاقية "شنغن" التي تحكم تنقلات المواطنين الأوروبيين بين بلدان الاتحاد. ويرى أن حركة اليمين المتطرف واليسار "ستؤدي إلى خلخلة الأنظمة السياسية القائمة على حكم أحزاب تقليدية كحزب العمال البريطاني مثلاً"، ما يفتح الباب أمام تغييرات أكبر في القارة العجوز.

ويستبعد العالم "نظرية المؤامرة" في التعاطي الأميركي مع بلدان المنطقة. يلتقط أنفاسه بعدما ضحك كثيراً أثناء استذكاره بعض تصريحات المرشحين الرئاسيين في الولايات المتحدة. يؤكد أن "عدم الإدراك هي سمة بارزة في السياسات الخارجية الأميركية، وهو ما أدى عن قصد أو دون قصد إلى إفساد الأمور في البلدان العربية". ولدى سؤاله عن الرأي العام الأميركي، يكتفي بالإشارة إلى نسب التأييد المرتفعة للمرشح دونالد ترامب، قائلاً: "نحن أمام مواطنين يعانون من جهل سياسي".

تخلل زيارة بوراووي إلى لبنان إلقاء محاضرة في الجامعة الأميركية في بيروت تحت عنوان "علم الاجتماع كرسالة". خلالها، يوضح أن "النظام الرأسمالي يطيح بالكوكب، وقد باتت نهاية المجتمع كما نعرفه أقرب من نهاية النظام الرأسمالي الذي يدمر كل شيء". ويحذر من "تسليع التعليم وتحويل الجامعات إلى مؤسسات إنتاجية تبغي الربح من دون الالتفات إلى نوعية التعليم"، واصفاً سيطرة رجال الأعمال الرأسماليين على الجامعات بـ"القرصنة" التي أدت إلى "إيجاد تصنيف الجامعات لتسويقها كشركات حول العالم".

اقرأ أيضاً: الأوروبيون: "صدام حضاري"