دبلوماسية دينية مغربية في أفريقيا

28 نوفمبر 2016
غالباً ما يشارك أفارقة في الصلاة بمساجد المغرب(سليم طاس/الأناضول)
+ الخط -
دور المغرب على مستوى أفريقيا ظاهر من خلال العديد من المجالات، لعلّ ما يعرف بالدبلوماسية الدينية أحد أبرز تجلياته

اتجهت الدبلوماسية المغربية في السنوات القليلة الأخيرة إلى إرساء علاقات اقتصادية وسياسية متينة مع بلدان القارة الأفريقية، خصوصاً تلك التي تقع غرب وشرق القارة السمراء. لكن، هناك أيضاً علاقات دينية وروحية تربط المملكة بكثير من هذه البلدان، وهو ما يسميه كثيرون بالدبلوماسية الدينية.

تتجلى الدبلوماسية الدينية ذات النشاط المكثف في أفريقيا في عدة مجالات رئيسة، منها تدريب أئمة مساجد أفارقة على برامج تتسم بالوسطية ومحاربة التطرف. ومنها أيضاً النشاط الطبيعي للزوايا الصوفية التي توحّد ما بين المغرب وعدد من تلك البلدان، من قبيل الزاوية التيجانية الموجودة في المغرب والسنغال ومالي.

وترتكز الدبلوماسية الدينية في أفريقيا على محاربة التطرف والتشدد في عدد من البلدان، عبر الأدوار التي يؤديها معهد الملك محمد السادس لتكوين الأئمة، الذي تحول إلى مؤسسة لإنتاج "الفكر الوسطي" و"الإسلام المعتدل" ليستفيد منه مئات الأئمة والفاعلين الدينيين الأفارقة.

يحتضن هذا المعهد الديني تدريب العديد من الأئمة والخطباء من بلدان أفريقية كثيرة، مثل ساحل العاج، والسنغال، ومالي، وغينيا، والغابون، وتونس. يتلقون فيه دورة تدريبية تدوم سنتين، وتتضمن دروساً شرعية في الفقه المالكي أساساً، وتكوينات في ثقافة السلم والتسامح ونبذ التشدد الديني.

ومن المؤسسات الرسمية الأخرى التي ترسي دعائم محاربة المغرب التطرف في أفريقيا معهد العلماء الأفارقة الذي تأسس في مدينة فاس، ويضم في مجلسه الأعلى عشرات العلماء من تشاد والسنغال والصومال وتوغو والغابون وأنغولا وبنين وجزر القمر وجيبوتي وسيراليون وتنزانيا وبلدان كثيرة أخرى.

يقول الواعظ الديني إبراهيم بن الكراب، لـ"العربي الجديد"، إنّ ما يجمع المغرب وهذه البلدان على الصعيد الديني والروحي أكثر مما يفرق بينها. فهي تشترك مع المغرب في العقيدة الأشعرية التي ترفض التكفير، والمذهب المالكي الوسطي، وطرق الإمام الجنيد في التصوف السني، خصوصاً الطرق الشاذلية والقادرية والتيجانية.

يلفت بن الكراب إلى ترسيخ دعائم العلاقات الروحية بين المغرب وأفريقيا في مجال محاربة التطرف، من خلال حضور دائم للعلماء الأفارقة في المحافل الدينية في المملكة. ومنها الدروس الحسنية التي تلقى في شهر رمضان أمام الملك، فضلاً عن توزيع المصاحف المغربية في مساجد أفريقيا، ونشر المذهب المالكي في الدول التي توجد فيها أغلبية مسلمة.

يعتبر أيضاً أنّ المغرب، من خلال معهد تدريب الأئمة والخطباء، ومعهد العلماء الأفارقة، وتوزيع المصاحف، واحتضان رجال دين أفارقة، ومن خلال جولات علماء دين مغاربة في بلدان أفريقية، وإلقاء دروس دينية هناك "يعمل على محاربة الفكر المتطرف الذي تعاني منه القارة السمراء".


من جهتها، تشير عضوة الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا نزهة الوفي، في حديثها إلى "العربي الجديد"، إلى أنّ مبادرات المغرب ذات الأبعاد الدينية هي تصدير لنموذج ديني، وخدمة دبلوماسية من أفريقيا إلى العالم. تشرح أنّ مثل هذه المبادرات تتعدى الطلبات الملحة المتعلقة بتكوين الأئمة والواعظين المتحدرين من الدول الأفريقية، وتتجاوز مستوى الشراكة المغربية الأفريقية، إلى تقديم جواب وبديل وأطروحة للأمن الروحي في أفريقيا من أجل التصدي للفكر الإرهابي.

تتابع أنّ هذه المبادرات "تشكل إسهاماً في الدبلوماسية الدينية، وجواباً دينياً علمياً أكاديمياً، وبديلاً روحياً وفكرياً يجفف منابع الإرهاب الذي ينتعش بشكل مقلق في القارة الأفريقية، بالنظر إلى مجموعة من الشروط الحاضنة له، وأهمها ضعف الاستقرار السياسي وضعف التنمية الاقتصادية والاجتماعية".

تضيف البرلمانية المغربية المهتمة بشؤون الجاليات، أنّ مثل هذه الأوضاع الاجتماعية المزرية هي التي تجعل الشباب لقمة سائغة للمنظمات الإرهابية العابرة للقارات والحدود، كما تشهد بذلك عدة تقارير دولية. وتذهب الوفي إلى أنّ "المغرب بهذه المبادرات يحظى بشرف التصدي الحضاري الذي تميّز به طوال قرنين من تاريخ المملكة، من خلال حفاظه على حيوية العمق الروحي مع القارة الأفريقية، وتقديم الأمن الروحي والخدمة الحضارية ذات الخلفية الاستراتيجية للتصدي للإرهاب".

وتقول إنّ الدبلوماسية الدينية المغربية في أفريقيا تمثل خدمة لكلّ المتوجهين إلى القارة من القوى الاقتصادية الكبرى والتجار والمستثمرين: "فأفريقيا اليوم قبلة للمشاريع الكبرى".