بات الاكتظاظ مشكلة كبيرة في عدد من مدارس الجزائر. ويرفض المدرسون هذا الواقع، الذي قد يؤثر على مستوى التعليم في البلاد.
قبل أيام من بدء العام الدراسي في الجزائر، كان بعض التلاميذ يحلمون بـ "العودة". ومنهم من بادر إلى التواصل مع عدد من المدرسين، في إشارة إلى مدى حماسهم، إلا أن هذه الفرحة لم تدم طويلاً. ويقول وليد (9 سنوات) لـ "العربي الجديد": "كان يحلم بـالعودة إلى المدرسة والتنافس مع زملائه، إلّا أنّه صُدم باكتظاظ الصفّ الذي انتقل إليه، وهو الذي انتقل من حيّ كان يقطنه في وسط العاصمة الجزائرية في إطار الترحيل، إلى حي جديد. واليوم، هو مضطر إلى الدراسة بعيداً عن مدرسته الأولى، والقبول بالأمر الواقع". وتقول والدته إنّ "في الصف 44 تلميذا، فكيف يمكن للتلاميذ استيعاب الدروس؟". لم يختر هذا الطفل الانتقال إلى مكان جديد، لكن فرض عليه الانتقال من الحي العشوائي الذي كان يسكنه، في انتظار الانتهاء من بناء مدارس جديدة.
ويبقى الاكتظاظ عاملاً سلبياً في عدد من المدارس. ويقول بعض التلاميذ لـ "العربي الجديد" إنّ المشكلة التي يعانون منها هي وجود أكثر من أربعين تلميذا في الصف الواحد، ما يعني أنّ المدرس يحتاج إلى أربعين دقيقة للشرح على سبيل المثال، وأربعين دقيقة أخرى للإجابة على أسئلتهم، و40 دقيقة إضافية أو أكثر للاستماع إلى أفكار التلاميذ. إذاً، المشكلة اليوم هي نوعية ما يتلقاه التلميذ في صفوف مكتظة.
تقول مدرّسة مادة العلوم الطبيعيّة في ثانوية في غرب الجزائر، سارة غربي، إنّ "الاكتظاظ أحد أسباب تردّي المضمون المعرفي"، مضيفة أن هذا الأمر يؤدي إلى مشاكل أخرى، منها عدم قدرة المدرس على تقديم أفضل ما لديه. وتوضح أنه "في حال تجاوز عدد التلاميذ في الصف العشرين، فهذا يعني استنفاد طاقة الأستاذ. ومع الوقت، لن يؤدي عمله كما يجب". من جهته، يرى مدرس الرياضيات في مرحلة التعليم المتوسّط، رياض بن عبد الرحمان، أن "الاكتظاظ في الأقسام من شأنه إنهاك المدرسين، وبالتالي يصعب عليهم أداء المهمة بكفاءة عالية، وتقييم مستوى كل تلميذ".
ويلفت عدد من المدرّسين إلى أنّه عادة ما يتأثر التلاميذ المتفوقون بالاكتظاظ في الصفوف. أحد هؤلاء هو مدرس الفلسفة، سعد الدين مهداوي، الذي يعمل في التدريس منذ أكثر من ربع قرن، في إحدى الثانويات وسط الجزائر. ويقول إن الاكتظاظ لا يساعد التلاميذ المتفوقين، الذين يضيعون في جو كهذا.
في الصف... (أحمد كمال) |
في هذا السياق، يطالب عدد من الأساتذة المسؤولين على مستوى مديريات التربية في الجزائر، الاهتمام بالتلاميذ المتفوقين أو النوابغ، وإعداد أقسام خاصة لهم، حتى يتمكنوا من متابعتهم بشكل جيد وتوجيههم، خصوصاً أن مستوى بعض هؤلاء تراجع بفعل الاكتظاظ في الصفوف. ويؤكّد مدرس اللغة العربية، أمين زكري، لـ "العربي الجديد"، أن التلاميذ يحتاجون إلى وسائل تواصل تمكنهم من الخروج من قوقعتهم، وتفعيل عملية الاتصال بينهم وبين أساتذتهم.
وأحصت وزارة التربية الوطنية الجزائرية وجود أكثر من 9 ملايين تلميذ على مستوى 27 ألف مدرسة في مختلف المراحل. وترى جمعيّة أولياء التلاميذ أن هذا الرقم "ليس بسيطاً"، ويحتاج التلاميذ إلى مخطط تربوي لتعليمهم، في إشارة إلى أن غياب هذا المخطط هو أحد أسباب الاكتظاظ في الصفوف.
تقول وزيرة التربية، نورية بن غبريط، إن عدداً من المدارس في طور الإنجاز في الأحياء السكنية الجديدة التي استقبلت عشرات العائلات بعد ترحيلهم من الأحياء العشوائية، وهو ما يفسر سبب الاكتظاظ، على حد قولها. في المقابل، فإن أصواتاً نقابية في قطاع التربية ترفض هذه الحجج "الواهية"، منها نقابة عمال التربية الوطنية، التي عرضت مشاكل عدة يتخبط فيها هذا القطاع. وتلفت إلى أن "عدم توفير الشروط الأساسية للدراسة يعكر أجواء التعليم، ويؤثر سلباً على نفسية التلاميذ".
ويشدد عدد من الخبراء في قطاع التربية، في تصريحات متفرقة لـ "العربي الجديد"، على أن المشكلة الأكبر تمكن في الاكتظاظ في الصفوف، لافتين إلى أن الاكتظاظ يشكل صعوبة لدى الأساتذة للتعرف على قدرات التلاميذ، ما يجعلهم في حاجة إلى وقت طويل للتعرف على التلاميذ، وإعطائهم كامل المنهاج، والاستماع إليهم.