حكاية رمضان الأمس في المغرب

11 مايو 2019
يوميات رمضانية (آرتور ويداك/ Getty)
+ الخط -
ليس صعباً أن يلاحظ المرء اختلافاً في العادات المصاحبة لشهر رمضان بين الماضي والحاضر في المغرب. سابقاً، كانت الأجواء أكثر روحانية، وصلة الرحم أبرز وأقوى. لكن في الوقت الراهن، تأثرت هذه العلاقات الاجتماعية والطقوس التي لطالما ارتبطت بالشهر الكريم.

وكانت العادات والتقاليد خلال شهر رمضان تتّسم بالعفوية والروحانيات والالتئام والاجتماع والتودّد، لكنها تغيرت وباتت أكثر برودة كما يقول البعض. هكذا يصير شهر رمضان مثل أي شهر آخر. ويقول عبد الرحمان بشكار، وهو سائق سيارة أجرة في العقد السادس، لـ"العربي الجديد": "في وقت سابق، كانت الطقوس والعادات خلال شهر رمضان مليئة بالمحبة والتآزر بين الجيران. أكثر من ذلك، كانت أبواب الجيران مفتوحة دائماً بعضهم لبعض". يضيف: "خلال السنوات الماضية، كان الجار يدخل بيت جاره متى يشاء. وعادة ما يتناول الجيران طعام الإفطار معاً خلال أولى أيام الشهر الكريم. كما كانت النساء يساعدن بعضهن بعضاً في تهيئة مائدة الطعام. وكثيراً ما تُقام موائد مشتركة لتوطيد العلاقات بين الجيران".




يتابع بشكار: "في أيامنا هذه، يغلق المرء باب داره خلال الشهر الفضيل، فلا يكاد يصافح أو يتحدث مع أحد إلا عند نهاية الشهر وحلول عيد الفطر"، مضيفاً أن "علاقات الجيران في رمضان تغيرت بشكل كبير، وصارت البيوت مثل زنازين محكمة الإغلاق".

من جهتها، تتذكّر الأم فاطمة "رمضان زمان"، إذ تقول: "خلال سنوات خلت، كانت النساء يجتمعن من أجل أعمال الشقا والتخمال قبيل رمضان، أي التنظيف وتغيير أثاث البيت وغسل الأواني، بخلاف نساء وزوجات اليوم اللواتي يتأففن من هذه الأعمال البيتية في رمضان وغيره من الأشهر". تضيف: "تتمثل بعض العادات القديمة في اجتماع أفراد الأسرة في أول يوم رمضان، ومنتصف الشهر، وفي ليلة السابع والعشرين حول مائدة الإفطار. ويحرص الأبناء والأحفاد على التجمع في منزل الجد أو الجدة، لتكون صلة الرحم إحدى أولويات الشهر".

تضيف فاطمة: "في الوقت الحالي نادراً ما يجتمع أبناء اليوم مع أقربائهم على مائدة الإفطار. حتى إنهم صاروا يحيون ويباركون هذا الشهر عبر الهاتف ومن خلال واتساب، بدلاً من الحضور الشخصي. وإن اجتمعوا، يمسك كل واحد منهم بهاتفه، وينعدم التواصل بين كبار العائلة وصغارها، حتى خلال الشهر الكريم".

أما عبد الله الكبل، الذي يعمل خياطاً، فيتحدث عن تفاصيل مختلفة. يقول لـ "العربي الجديد": "الرجال والنساء على السواء كانوا يستقبلون رمضان بشكل مختلف، ويحرصون على ارتداء الملابس التقليدية مثل الجلابة والسلهام والبلغة للرجال، والقفطان والجلباب والخمار للنساء. وكانوا يرتدونها في ليالي رمضان لدى ذهابهم إلى المساجد لصلاة التراويح، وخلال عيد الفطر".

في الوقت الراهن، يتابع الخياط أن "هذا الأمر قلّ بشكل لافت. وعلى الرغم من أن البعض ما زال يُقبل على الملابس التقليدية، خصوصاً النساء، قلّ الزبائن خلال شهر رمضان في الآونة الأخيرة، ولم تعد المساجد والساحات العامة تشهد الأزياء التقليدية التي كان الناس يتباهون بها في أوقات ماضية".

إلى ذلك، يرى الباحث في علم الاجتماع كريم عايش أنه "مع تقدم الزمن، صارت عادات رمضان تندثر تدريجياً"، لافتاً إلى أن "انتشار المقاهي في كل ركن من المدينة والنرجيلة والحفلات التي تتضمن فقرات غنائية وطربية ورقص شرقي ساهم في تقليص الاجتماعات العائلية. وبات الناس في رمضان أكثر ميلاً للفردانية". يضيف لـ "العربي الجديد": "من بين هذه التحولات بين رمضان الأمس واليوم التفكك العائلي الذي ينتشر في المجتمعات العربية والإسلامية، فضلاً عن الانتشار الواسع لوسائط التواصل الاجتماعي والفضائيات". ويوضح أن ليالي رمضان التي كان الإنسان المسلم يقضيها وسط أجواء عائلية ودينية باتت ترفيهية. من جهة أخرى، تكثر العروضات في المراكز التجارية، ما يدفع الناس إلى التسوّق.

يتابع عايش: "اختلفت القيم الاجتماعية وصار الناس أكثر ميلاً إلى التسوق. ويقضون أوقاتاً طويلة بين المحال التجارية، أو ما يسمى بهمزات رمضان، التي تقدم عروضاً مغرية للمستهلكين، ما يدفعهم إلى الاقتراض بفوائد قليلة".


وقت للمقاهي
خلال شهر رمضان في المغرب، تزدحم المقاهي بعد الإفطار، خصوصاً تلك التي تقدم النراجيل. ويفضل البعض السهر حتى حلول موعد السحور، وإن كان آخرون يختارون البقاء في البيت. وتضفي أضواء المساجد وصلاة التراويح وملاقاة الناس بعضهم بعضاً، أجواء روحانية جميلة، وإن اختلفت عما كانت عليه قبل أعوام.