وبدأ تاريخ الكنيسة الروسية في فلسطين من البعثة الدينية الروسية إلى القدس التي كان لها الحق في امتلاك الأراضي أو البناء وفق أمر من الإمبراطور الروسي نيكولاي الأول عام 1847، وتبعا لذلك، باتت تلك الأراضي والمباني مملوكة للإمبراطورية الروسية التي ضمت عددا من الممتلكات التي كانت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية، لتقدر المساحة الإجمالية للممتلكات الروسية في فلسطين، مع حلول القرن الـ20 بنحو 23 هكتارا.
وانخرط المجتمع الروسي بنشاط في الأعمال الخيرية في المناطق الفلسطينية، حيث قدموا الطعام والشراب والملابس للفقراء، وقدموا المساعدات للأرامل والأيتام، كما ساعدوا في بناء نحو 100 مدرسة وعدة مستشفيات، وذهب العديد من الأطفال العرب الذين تخرجوا من المدارس الروسية لمواصلة الدراسات العليا في مدينة سان بطرسبرغ، عاصمة الإمبراطورية الروسية حينها.
وفي العهد السوفياتي، تجاهلت موسكو، فلسطين كمركز للحج الروسي، وفي أوائل العشرينيات من القرن الماضي، قررت السلطات السوفياتية تأجير الأراضي والمباني إلى بريطانيا، قبل أن تعود تلك الممتلكات إلى ملكية الاتحاد السوفياتي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية؛ إذ رأى ستالين في هذه الأراضي إمكانية للتأثير على السياسة بمنطقة الشرق الأوسط.
وفي عام 1964، خلال فترة حكم خروشوف، تم تنفيذ ما يسمى بـ"صفقة البرتقال"، والتي تم خلالها بيع معظم العقارات الروسية في فلسطين إلى إسرائيل مقابل 4.5 ملايين دولار، في حين بقي مبنى البعثة الدينية الروسية، وكاتدرائية "ترويتسكي"، ومجمع "سيرغييفسكي" في حوزة الدولة الروسية، وكلها تقع بالبلدة القديمة من القدس، وملاصقة لكنيسة القيامة.
ومع انهيار الاتحاد السوفياتي، أنشأ الاتحاد الروسي "المجمع الإمبراطوري الأرثوذكسي الفلسطيني". وفي عام 2008، قامت الحكومة الفلسطينية بمشاركة شخصية من الرئيس محمود عباس بنقل "المجمع الإمبراطوري الأرثوذكسي الروسي الفلسطيني" إلى بيت لحم، وتم بناء المركز الروسي للثقافة والعلوم.
وفي 1 سبتمبر/ أيلول 2014، فتحت مدرسة روسية أبوابها في بيت لحم، وقررت القيادة الفلسطينية أن تنقل إلى روسيا قطعة أرض في مدينة أريحا. وفي العام نفسه، سلمت الحكومة الإسرائيلية إلى الاتحاد الروسي المبنى التاريخي لمجمع "سيرغيوس" في المركز التاريخي للقدس.
ولا تزال المفاوضات جارية حول شراء أو استئجار أو بيع مواقع أخرى، وترميم المباني، ففي اجتماع عقد يوم 12 سبتمبر/أيلول 2019، ناقش الرئيس الروسي بوتين ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش زيارة الأخير إلى روسيا "قضايا الملكية الروسية في الأراضي المقدسة"، إذ تملك الكنيسة الروسية كنيسة "مريم المجدلية"، وكنيسة "فوق الجثمانية" ذات القباب الذهبية في جبل الزيتون، وكاتدرائية "الثالوث الأقدس" في القدس التي تعرف أيضاً باسم الكاتدرائية "المسكوبية" وسط مدينة القدس.
كما تمتلك الكنيسة الروسية "دير المسكوبية" في الخليل، وكنيسة "ألكسندر نيفيسكي" وهو أمير الحرب الروسي من القرون الوسطى والمرشد الروحي للقيصر ألكسندر الثالث، وتلاصق كنيسة القيامة. وأُنشئ الدير الروسي في سنة 1871 عند مدخل مدينة الخليل، فضلا عن الدير القائم على جبل الزيتون منذ سنة 1907، والدير القائم عند كنيسة "مريم المجدلية" التي بنيت سنة 1887 في "الجسمانية"، و"دير بيت عنيا" (العيزرية) حيث توجد مدرسة وعيادة منذ سنة 1933، و"مضافة إسكندر" قرب كنيسة القيامة التي أنشئت سنة 1860، و"دير عين كارم" الذي يعود تاريخه إلى سنة 1871.
ووفق وسائل إعلام إسرائيلية، فإن نتنياهو يسعى لإقناع بوتين في الاجتماع المقرر بينهما اليوم الخميس، بإصدار عفو عن الإسرائيلية نعمة يسسخار المدانة في روسيا بتهريب المخدرات، لكن روسيا تتطلع إلى أن تقوم إسرائيل مقابل العفو عن يسخار، بالتوقف عن ترحيل الروس، وتبني الرواية الروسية في النقاش التاريخي حول مسؤولية بولندا عن الهولوكوست، إلى جانب منح ملكية ساحة ألكسندر نيفسكي في البلدة القديمة في القدس، إلى الكنيسة الروسية، وشطب ديونها، وإبعاد مسار سكة القطار الخفيف في القدس عن أملاك الكنيسة الروسية.
يشار إلى أن بوتين اختصر زيارته إلى الأراضي المحتلة إلى يوم واحد بدلا من يومين، على خلفية تشكيل الحكومة الروسية الجديدة. ويشارك بوتين الذي وصل إلى تل أبيب اليوم، في إحياء إسرائيل الذكرى الـ75 للمحرقة النازية "الهولوكوست" وتحرير معسكر "أوشفيتز" للإبادة خلال الحرب العالمية الثانية، في مؤتمر دولي من المقرر أن يحضره رؤساء وملوك وأمراء 41 دولة حول العالم، وفق وسائل إعلام روسية، وسيزور بعد ذلك مدينة بيت لحم ليلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مساء اليوم الخميس.