لغتنا الجميلة

24 يونيو 2015
تقرأ رواية باللغة العربية (جوزيف براك/فرانس برس)
+ الخط -
كانت إحدى الطالبات الجامعيات تعرضُ أمام أستاذها وزملائها بحثاً أعدّته في مادة من مواد الاجتماعيات. المادة تُدرّس باللغة العربية، وأبحاثها ومناقشاتها تجري بالعربية أيضاً. لكن أستاذها لاحظ أنها تقرأ نصوصاً مختصرة بلغة أجنبية، قبل أن تشرع بشرح جميع النقاط. عندما سألها الأستاذ إن كانت قد كتبت الملخّص بالإنجليزية، بينما تلقيه بالعربية، فأجابته أن المادة مكتوبة بالعربية، لكن بالحرف اللاتيني.

برّرت الطالبة ما أقدمت عليه بسهولة التفاعل مع اللغة الإنجليزية، بينما تجد أن اعتماد العربية الفصحى يجعلها في موقف حرج باعتبارها لا تجيدها، لأنها سترتكب كثيراً من أخطاء القواعد، ما يضعف علاماتها. أضافت أنها تعتمد الحرف اللاتيني في كل مراسلاتها وزميلاتها.

لا يمكن تحميل الطالبة معضلة هذا الوضع، لكن الواقعة تؤشر إلى حال بالغ الخطورة تجتازه اللغة العربية التي حدثَ ويحدث إخراجها إلى هذا الحد أو ذاك من لغة العلم والتعليم. الآن، "يكتمل النقل بالزعرور"، بحسب المثل اللبناني، عندما تعتمد لغة التواصل الحرف اللاتيني وليس العربي. هذا ما يحدث اليوم، وغداً نصل على نحو كامل إلى التواصل الشفهي باللغات الأجنبية، ولا سيما الإنجليزية.

يحدث هذا في الجامعة اللبنانية. أما في الجامعات الأميركية، فيحصل التواصل اليومي باللغة الإنجليزية. وفي الجامعات الفرنكوفونية، يتواصل الطلاب بالفرنسية. هكذا تفقد لغتنا الجميلة يوماً بعد يوم مواقع محدودة كانت تشغلها في حرم التعليم العالي. ولا نتحدّث هنا عن المصادر المعرفية والمراجع والأبحاث، وحتى تدريس معظم المواد. من باب التذكير فقط، نشير إلى أن الجامعة الأميركية في بيروت، عند تأسيسها عام 1866، كانت تدرس طلابها جميع المواد باللغة العربية، بما فيها مواد الطب والتشريح والكيمياء وغيرها. ولم تتخل عن ذلك إلا بعد ربع قرن تقريباً.

الآن تفقد اللغة العربية هذا الامتياز. يحدث هذا ليس في الجامعات ذات المشارب الأجنبية، بل حتى في تلك التي تعلن عن هويتها العربية. ومثل هذا الأمر ينسحب على المدارس التي خاضت تجربة تدريس المواد العلمية والرياضيات بالعربية، لكنها ما لبثت أن تخلت عنها ورضخت للسائد، علما أن التجربة أثبتت نجاحها ونجاح طلابها في الشهادات الرسمية وامتحانات الدخول إلى الجامعات الأجنبية.

تفتح الواقعة التي أشرنا إليها بداية جراحاً نازفة حول الوضع الذي تجتازه المجتمعات واللغة العربية، وهو وضع يهدد الإنسان العربي في صميم شخصيته وثقافته وتوازنه الحضاري في هذا المفصل من الزمن، حيث يعم الخراب ويتمدد.
(أستاذ في كلية التربية – الجامعة اللبنانية)

اقرأ أيضاً: اليمن غير السعيد
المساهمون