حكاية طبيبَين فلسطينيَين رافقا مصابين بكورونا

05 ابريل 2020
أمام الفندق حيث كان المرضى محجورين (موسى الشاعر/فرانس برس)
+ الخط -

في أحد فنادق مدينة بيت جالا المحاذية لمدينة بيت لحم من جهة الغرب، وعلى مدى أيام، كان على الطبيبَين نبيل زواهرة وسامح الحوراني التصرّف بحكمة في أوقات الشدّة وتهدئة المصابين بفيروس كورونا وتقديم الخدمات الطبية لهم.

يبتعد الناس عن مكان حجر المصابين بفيروس كورونا الجديد، في مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية. أما الطبيبان الفلسطينيان نبيل زواهرة وسامح الحوراني، فقد أقاما مع 13 مصاباً منذ الخامس من شهر مارس/ آذار الماضي وحتى العشرين منه، قبل أن تفرح المدينة بخبر شفاء المصابين وعودتهم إلى منازلهم، بعد الحجر الصحي لأسبوعين آخرين.

توجّه رئيس قسم الطب الوقائي في مديرية الصحة في بيت لحم الطبيب نبيل زواهرة والطبيب في قسم الوبائيات في وزارة الصحة سامح الحوراني، إلى الفندق المشتبه بإصابة العاملين فيه لسحب عينات منهم في الرابع من الشهر الماضي، ثم انتظرا كما الجميع النتائج مساء اليوم التالي. لكن تلك الليلة كانت صعبة. يقول زواهرة لـ "العربي الجديد": "ليلة ظهور النتائج كانت صعبة للغاية بالنسبة إلينا كطبيبين، إذ إن مهمتنا كانت حجر المصابين في الفندق الذي أعلنت فيه الإصابات. البعض طلب إثباتاً رسمياً مكتوباً من وزارة الصحة. كان الجميع مشوّشاً. وعلى الرغم من ذلك، بدأنا مهمتنا في عزل المرضى في الطابق الثالث، كلٌّ في غرفة منفصلة. وفي الطابق الثاني، عزلنا المخالطين".

لم يتوقّف المصابون عن طرح الأسئلة حول الإصابة وطبيعة الأعراض، خصوصاً أن غالبيتهم لم تظهر عليهم أعراض الإصابة بالفيروس. وطمأن الطبيبان المرضى بأن تأثير الفيروس يكون أخف على الشباب، وقد لا يحتاجون بالفعل إلى علاج وهذا ما حصل. وحرص زواهرة والحوراني على تقوية مناعة المصابين بتزويدهم بأقراص فيتامين "سي" والزنك، وزيارتهم يومياً في الغرف لفحصهم والاطمئنان على صحتهم. كما طلبا توصيل الطعام الصحي لهم. وظلا طيلة 15 يوماً على أهبة الاستعداد لأي طارئ قد يحصل مع المرضى.



يقول الحوراني لـ "العربي الجديد": "كنّا 31 شخصاً في الفندق، و13 مصاباً، و16 من المخالطين للمصابين، إضافة إلي وإلى زميلي زواهرة، الذي خضت معه تجربة متابعة فيروس مجهول، وتطوراته المجهولة أيضاً. حرصنا على عدم السماح للمرضى بمغادرة غرفهم، ومتابعة تحركات المخالطين الذين كانوا يُساعدون في توزيع الطعام للمحجورين".

عمل الحوراني وزواهرة بنظام المناوبة مع المحجورين في الفندق. يعملان معاً خلال النهار، ويبقى أحدهما مساء في الحجر، فيما يذهب الآخر إلى الحجر في منزله". ويقول زواهرة: "أنا والحوراني عزلنا نفسَينا عن عائلتَينا طيلة فترة عملنا مع المصابين بفيروس كورونا. كنا نُقيم في غُرف بل طوابق منفصلة عن أماكن إقامة زوجة كل منا وأطفالنا".

ومرّ زواهرة بوقت قاسٍ جداً، حين أتت والدته إلى المكان الذي حجر ابنها نفسه فيه، ظناً منها أنه مصاب بفيروس كورونا الجديد نتيجة عمله مع المصابين. ويقول: "أتت والدتي إلى مدخل الطابق الذي أحجر نفسي فيه خلال الليالي التي لا أعمل فيها بالفندق، وبدأت تبكي من خلف الباب، راجيةً مني فتحه. ظنت أمي أنني مصاب، وكان ذلك مؤثراً للغاية".

أصغر أطفال الحوراني كان يرفض طيلة أيام عمل والده تناول الطعام من دونه. وإذا أراد بالفعل تناول الطعام، وضع صورة والده إلى جانبه. ويقول الحوراني: "كان أطفالي، خصوصاً يوسف وهو أصغرهم (ستة أعوام)، ينتظرونني عند باب المنزل للتلويح لي من بعيد لدى عودتي مساءً من الفندق. أما طفلي الصغير، فكان يضع صورتي على المائدة كلما أراد تناول الطعام".

ومن المواقف الحزينة خلال فترة الحجر الصحي، وفاة والدة أحد المصابين. وقد أثّر الأمر سلباً في ظل محاولاة الطبيبين رفع معنويات المصابين. وشعر الجميع بالحزن وشاركوا مصاب الابن. ويقولان: "لحظة وداع الشاب لوالدته أمام الفندق، وهي ترقد في السيارة المخصصة للموتى، كانت من أصعب اللحظات التي مرت علينا خلال أسبوعين من العمل المتواصل والمحفوف بخطر العدوى في الفندق. لكن الموت لم يُزعزع عزيمتنا لمواصلة العمل، ودعم المرضى نفسياً ومتابعتهم صحياً". يضيفان: "حاولنا تهدئة المُصاب، وطلبنا منه التفكير بعواقب خروجه إلى بيت العزاء، والأضرار التي سوف يتسبب بها الأمر لأفراد عائلته، واقتصر الأمر على وداعها أمام الفندق بعد اتخاذ إجراءات الوقاية".



في المقابل، كانت سعادتهما كبيرة حين علما بشفاء الحالات في تاريخ 20 مارس/ آذار الماضي، واعتبرا جهديهما في الاعتناء بالمصابين قصة نجاح في مسيرتهما المهنية، خصوصاً أن الحجر على المصابين جاء في منطقة هي أولى بؤر الانتشار المفترضة في مدينة بيت لحم ومحافظات الضفة الغربية الأُخرى، كما يقول الحوراني. من جهته، يوضح زواهرة: "كانت تجربة فريدة بالتعامل مع المرضى لمدة 15 يوماً، وكنا نتحمل مسؤولية مضاعفة في الفندق مختلفة عما هو عليه الحال في الأيام العادية، على الرغم من شعورنا بالخوف أو الرعب من الإصابة بالعدوى. لكن هذا الشعور زال خلال التعامل مع المصابين، وارتداء الزي الواقي وباقي معدات السلامة. وكنا نتواصل مع المصابين، من خلال الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي من دون انقطاع".

وانتهت مهمّة الطبيبين في الفندق الذي استقبل وفداً سياحياً يونانياً نقل الإصابة إلى الموظفين خلال فبراير/ شباط الماضي. وواصل زواهرة والحوراني عملهما في القطاع الصحي، بعد مغادرة المصابين الذين أُعلن عن شفائهم إضافة إلى خمسة آخرين خارج الفندق.
المساهمون