مع تعقّد علاقات البشر بموراد الأرض، باتت مشكلة إدارة الموارد الطبيعية والمائية خصوصاً على رأس أولويات المفكرين والباحثين والقائمين على إدارة ذلك المورد الذي يمثل حياة البشر. لذلك، اهتمت الدول المتشاركة في أحواض الأنهار بالدراسات والبحوث، وإعداد الاتفاقيات التي تنظم عمليات الاستغلال الأمثل للموارد خصوصاً المياه. ومن ذلك ما جاء في المادة "8/ أ" من اتفاقية استخدام المجاري المائية: "تتعاون دول المجرى المائي على أساس المساواة في السيادة والسلامة الإقليمية والفائدة المتبادلة وحسن النية، من أجل الانتفاع الأمثل من المجرى المائي الدولي، وتوفير الحماية الكافية له".
في كتابه "نهر النيل" يكتب الدكتور محمد عوض محمد: "النيل أعظم أنهار الدنيا من حيث الجريان المنتظم الرتيب، ومن حيث الدور الذي أسهم به في خلق الحضارات، ودعم وجودها المادي والروحي". يؤكد هذا التميز إميل لودفيغ مؤلف كتاب "النيل... قصة حياة نهر" حين يورد أنّ "النيل في كلّ عام يثبت نشاطه وإبداعه، وذلك بقلبه نظام المواسم رأساً على عقب، فالنيل في الصيف حين تجف مياه الأنهار الأخرى، أو تنقص إلى أدنى درجة، يبلغ الغاية من الزيادة. والنيل في ما بين يونيو/ حزيران وسبتمبر/ أيلول يبلغ من الارتفاع ما بين ثلاثة إلى سبعة أمتار، وفي هذه الأيام المائة يقبض على هذه الأرض التي تنتظره، ثم يرتد كإله غير تارك وراءه سوى كُهّان يقومون مقامه، ويحرسون معبده".
كذلك، يتميّز النيل إلى جانب طوله أنّه النهر الوحيد الذي يجري من الجنوب إلى الشمال، مغطياً خمسة أقاليم مناخية، من المناخ الاستوائي عند منابعه الاستوائية، إلى المناخ المداري حيث يقع حوض بحر الجبل والنيل الأبيض، إلى المناخ الموسمي في الهضبة الإثيوبية منبع النيل الأزرق، إلى المناخ الصحرواي في جزء كبير من السودان ومصر، إلى مناخ البحر الأبيض المتوسط عند حافة الدلتا الشمالية.
كان وراء التقديس والتعامل الرشيد الذي حظي به النهر في الماضي البعيد، الوعي والإيمان أنّه شريان الحياة الذي يحافظ على إيقاعات النبض الحي من حوله. لكن، مع تطور الحياة تطورت أساليب البشر في الاستفادة القصوى منه من دون الانتباه إلى الأثر السلبي. صحيح أنّ الخزانات والسدود تحقق من الايجابيات الاقتصادية الكثير، لكنها تأتي بسلبيات كثيرة تتمثل في تلوث المياه وتغير التضاريس.
ذلك هو النهر الذي كان الأجداد يمنحونه كلّ عام فتاة قرباناً، في اعتراف بما يمنح. وجاء الأحفاد ليطمروا فيه مخلفاتهم، وخلافاتهم السياسية... فهل من جحود أكبر؟
(متخصص في شؤون البيئة)
اقــرأ أيضاً
في كتابه "نهر النيل" يكتب الدكتور محمد عوض محمد: "النيل أعظم أنهار الدنيا من حيث الجريان المنتظم الرتيب، ومن حيث الدور الذي أسهم به في خلق الحضارات، ودعم وجودها المادي والروحي". يؤكد هذا التميز إميل لودفيغ مؤلف كتاب "النيل... قصة حياة نهر" حين يورد أنّ "النيل في كلّ عام يثبت نشاطه وإبداعه، وذلك بقلبه نظام المواسم رأساً على عقب، فالنيل في الصيف حين تجف مياه الأنهار الأخرى، أو تنقص إلى أدنى درجة، يبلغ الغاية من الزيادة. والنيل في ما بين يونيو/ حزيران وسبتمبر/ أيلول يبلغ من الارتفاع ما بين ثلاثة إلى سبعة أمتار، وفي هذه الأيام المائة يقبض على هذه الأرض التي تنتظره، ثم يرتد كإله غير تارك وراءه سوى كُهّان يقومون مقامه، ويحرسون معبده".
كذلك، يتميّز النيل إلى جانب طوله أنّه النهر الوحيد الذي يجري من الجنوب إلى الشمال، مغطياً خمسة أقاليم مناخية، من المناخ الاستوائي عند منابعه الاستوائية، إلى المناخ المداري حيث يقع حوض بحر الجبل والنيل الأبيض، إلى المناخ الموسمي في الهضبة الإثيوبية منبع النيل الأزرق، إلى المناخ الصحرواي في جزء كبير من السودان ومصر، إلى مناخ البحر الأبيض المتوسط عند حافة الدلتا الشمالية.
كان وراء التقديس والتعامل الرشيد الذي حظي به النهر في الماضي البعيد، الوعي والإيمان أنّه شريان الحياة الذي يحافظ على إيقاعات النبض الحي من حوله. لكن، مع تطور الحياة تطورت أساليب البشر في الاستفادة القصوى منه من دون الانتباه إلى الأثر السلبي. صحيح أنّ الخزانات والسدود تحقق من الايجابيات الاقتصادية الكثير، لكنها تأتي بسلبيات كثيرة تتمثل في تلوث المياه وتغير التضاريس.
ذلك هو النهر الذي كان الأجداد يمنحونه كلّ عام فتاة قرباناً، في اعتراف بما يمنح. وجاء الأحفاد ليطمروا فيه مخلفاتهم، وخلافاتهم السياسية... فهل من جحود أكبر؟
(متخصص في شؤون البيئة)