شهود الزور... ظاهرة تفسد عدالة المغرب

04 يناير 2017
يكثر شهود الزور بمحاكم المدن الصغيرة(عبد الحق سنا/فرانس برس)
+ الخط -

تشهد ظاهرة "شهود الزور" في المحاكم المغربية تزايداً منذ سنوات، مع ارتفاع أعداد الأشخاص البالغين سنّ الرشد الذين يدلون بشهاداتهم لفائدة آخرين في قضايا ينظر فيها القضاة، لقاء مبالغ مالية أو عائدات عينية أو فقط للمجاملة. بذلك، يكون تزوير الحقائق.

ويكثر شهود الزور، خصوصاً في القضايا التي تتعلّق بالأحوال الشخصية والأسرية، من قبيل ملفات النفقة والهجر والضرر. كذلك نجدهم في قضايا تتعلّق بخصومة ما بين جيران أو نزاعات إدارية أو ملكيّة عقارات وغيرها، إذ يلجأ بعض المتقاضين إلى خدمات هؤلاء، من أجل دعم حجّتهم وملفهم وبالتالي الفوز بالقضية.

ويرى مراقبون أنّ شهود الزور يكثرون، لا سيّما في محاكم المدن الصغيرة أو المناطق الهامشية. هناك، ينتشر الجهل بين الناس وتكثر الأمية القانونية بين المتقاضين، فيما تسود الرغبة في الانتقام من الآخرين، وبالتالي، لا مانع من اللجوء إلى شهود زور يقسمون أمام القاضي باطلاً للإدلاء بشهاداتهم التي ترجّح كفّة طرف ضدّ آخر.

تغيب الإحصاءات الدقيقة الخاصة بعدد شهود الزور في المحاكم المغربية، إلا أنّ ثمّة بيانات تفيد أنّ 427 شخصاً لوحقوا خلال عام 2012 بسبب شهادة زور وكذلك 374 شاهد زور في قضايا جنح مختلفة خلال عام 2013. يُذكر أنّ القانون المغربي يعاقب مرتكب جريمة شهادة الزور بالسجن لمدّة قد تصل إلى 10 سنوات.

في هذا السياق، يتحدّث مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبد الإله الخضري، كيف أنّه تابع شخصياً "قضية استحواذ على عقار في إقليم شيشاوة في الجنوب المغربي، بطلها شخص يدير مجموعة من شهود الزور أمام محكمة إيمنتانوت يتقاضون مبالغ مالية في الملفات التي يدلون بشهادتهم فيها". ويضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "هذا الشخص قام بتحايل رهيب، حصل إثره على منزل في مقابل بيع أرض ليست من ضمن ملكيته"، مؤكداً أنّ "الخطير في الموضوع هو إثبات تهمة شهادة الزور في حقّه في حين أنّه يدفع كذلك بآخرين إلى شهادة الزور. صحيح أنّ أربعة أحكام بالسجن صدرت في حقّه، إلا أنّه ما زال حراً طليقاً. لم يدخل السجن ولا حتى يوماً واحداً".




تجدر الإشارة إلى أنّ وزير العدل المغربي، مصطفى الرميد، تنبّه إلى تفشّي ظاهرة شهود الزور في المحاكم، فأمر أخيراً بنصب كاميرات مراقبة لتتبع ممتهني ومحترفي شهادة الزور في محاكم المملكة ولرصد تحركات الأشخاص المعتادين على دخول المحكمة والذين يشتبه بسلوكهم. لكنّه أقرّ أنّه على الرغم من نصب كاميرات مراقبة لضبط تحركات شهود الزور الذين يترددون بكثرة على المحاكم لقاء بدلات مالية من المتقاضين، إلا أنّ الظاهرة لن تنتهي بجرّة قلم. فالمسؤولية مشتركة بين الجميع، والمواطن هو أوّل من يتوجّب عليه رفض هذه الآفة السيئة.

ويعود الخضري للتأكيد على أنّ "ظاهرة شهود الزور في المغرب من أسوأ مظاهر الفساد في تدبير العدالة بالبلاد. وهي تعرف انتعاشاً بين الفينة والأخرى، في ظل غياب الحزم في تعقّب مرتكبيها ووجود مصالح فساد متقاطعة في هذا الشأن، يغذّيها انتشار الأمية والجهل وغياب الوازع الأخلاقي والديني". ويشير إلى أنّ "المركز المغربي لحقوق الإنسان أعدّ تحقيقات ميدانية في بعض المناطق، بعدما توقّف عند الأسباب الكامنة وراء حرمان ذوي الحقوق من حقوقهم أمام القضاء أو وراء الزج بأبرياء في السجون. وتبيّن أنّ ذلك يعود إلى حالات من شهادة الزور واليمين الكاذبة، من دون أيّ رادع فعال".

ويتابع الخضري أنّ "المحاكم في المناطق النائية والمهمشة هي الأكثر عرضة لمثل هذه الظواهر المرضية الخطيرة. فهناك، باتت شهادة الزور مهنة قائمة بذاتها، وأصبح ممتهنوها أكثر إتقاناً لمهامهم اللاأخلاقية، وأصبحوا كذلك متخصصين في قضايا بعينها". ويوضح أنّ هؤلاء "يفتقدون إلى الوازع الأخلاقي والديني، ويشتغلون من دون تأنيب من الضمير. كذلك فإنّهم يتمتّعون بحماية منهجية، يؤمّنها لهم بعض المنتسبين إلى سلك القضاء". ويؤكد عضو المركز الدولي للوساطة والتحكيم على أنّه "لو لم يكن شهود الزور يتمتعون بمثل تلك الحماية، لما ظلت هذه الظاهرة رائجة بصورة كبيرة وخطيرة للغاية، ولما تعرّض آلاف المواطنين للظلم باسم القانون كلّ هذه السنين، ولما استمرّ نزيف الحقوق قائماً في محاكم المملكة".

إلى ذلك، يكشف الخضري أنّ "المركز المغربي لحقوق الإنسان يعدّ دراسة لظاهرة شهود الزور في المحاكم المغربية، يقدّم من خلالها تقريراً يشمل إحصاءات ونماذج دقيقة لهذه الآفة التي تنخر جسم العدالة، من دون أن تتمكّن يد القانون من الوصول إلى ردع المرتكبين".

دلالات