"أطفال السلفية" ظاهرة تقلق السلطات الأمنية الألمانية

22 مارس 2018
تأهّب أمني (توماس كينتسله/ فرانس برس)
+ الخط -

عاد الهاجس الأمني والخوف من أعمال تخريبية في ألمانيا على يد متطرفين إسلاميين إلى الواجهة، بعدما استقرّ الوضع سياسياً مع أداء المستشارة أنجيلا ميركل أخيراً اليمين الدستورية لولايتها الرابعة وتشكيل حكومة الائتلاف الكبير "غروكو". وكانت مجلة "دير شبيغل" الألمانية قد نشرت، نهاية الأسبوع الماضي، تقريراً ذكرت فيه أنّ الاستخبارات الداخلية الألمانية سجّلت ارتفاعاً ملحوظاً في الدعوات الجهادية، عبر شبكة الإنترنت، لشنّ هجمات في ألمانيا، عبر ما بات يُعرف بـ "الذئاب المنفردة"، وفق التقارير الأمنية. وبيّنت المجلّة، في تقريرها، أنّ المشكلة مع الإسلام الراديكالي تتفاقم، خصوصاً لدى الفئات العمرية الصغيرة التي تؤدي المنصات على شبكة الإنترنت إلى زيادة عددها.

بالتوازي، تعاني السلطات في البحث عن موظفين مؤهلين، مع تزايد الطلب على الاستشارات في مجال مكافحة التطرّف. وهذا ما أوضحه مدير مركز استشارات مكافحة التطرّف في المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، فلوريان أندريس، في حديث لوكالة الأنباء الألمانية أخيراً، إذ قال إنّ ثمّة 80 موظفاً فقط للمساعدة في هذا المجال، موضحاً أنّ المكتب يعمل على تطوير برنامج تدريب موحّد، وأنّ ثمّة عدداً من ورش العمل، مع العلم أنّ البلاد تستقبل بعض الذين كانوا قد غادروا ألمانيا للانضمام إلى تنظيم داعش في سورية والعراق، ومن بينهم نساء، ومنهم من أنجب أطفالاً هناك. وقد لفت أندريس كذلك إلى أنّه، ومنذ الإعلان عن الخط الساخن للتطرّف قبل ستّة أعوام، فقد وردت أكثر من أربعة آلاف مكالمة، 1200 منها تستوجب الاستشارة والإرشاد. والمتصلون في معظمهم كانوا من الآباء والأمهات الذين أرادوا التبليغ عن أبنائهم. وفي العام الماضي، سُجّل 800 طلب مساعدة، أي بأقلّ من 200 حالة، بالمقارنة مع عام 2016. أضاف أندريس أنّ ظاهرة "أطفال السلفية" تشغل السلطات منذ وقت طويل، والأخطر أنّ 10 في المائة منهم تقلّ أعمارهم عن 14 عاماً، والعمل حالياً يقوم على تطوير تعاون أقرب مع مكاتب رعاية الشباب.

وقد بيّنت "دير شبيغل" أن التحليلات السرية للأجهزة الأمنية تفيد بوجود تنوّع في المحتوى والرسائل، وأنّ التعليمات والدعوات تبثّ بصورة شبه يومية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال الرسائل النصية القصيرة، وتوجّه إلى أفراد يعملون بطريقة منفردة، من المحتمل أنّهم يحملون فكراً متطرفاً. والفئة المستهدفة بمعظمها هي من القصّر والأطفال، والخوف يكمن في وقوعهم ضحايا لهذا الفكر الذي يدعوهم إلى مهاجمة المرافق العامة في البلاد. وأوضحت "دير شبيغل" أنّ التنظيمات الإرهابية باتت في حاجة إلى الهجمات الفردية لإثبات استمرار وجودها وقوّتها، مبيّنة أنّ في العام الماضي جرى استخدام السكاكين في عدد من الهجمات في ألمانيا.


وفقاً لهيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية الألمانية) فإنّ الأطفال جزء لا يتجزأ من دعاية "داعش" ويمثّلون جيلاً جديداً من المتطرفين، والخطر الاجتماعي على هؤلاء يأتي من قبل الجهاديين العائدين إلى ألمانيا، والذين يساهمون في تلقينهم أفكارهم التي كسبوها في مناطق القتال في سورية والعراق. وهو ما حذّر منه رئيس جهاز الاستخبارات، هانز جورج ماسن، قائلاً "نتخوف من جيل جهادي جديد"، بحسب ما ذكرت صحيفة "غينيرال آنتسايغر" أخيراً. وقد أشارت الصحيفة إلى أنّ أطفالاً كثيرين منغمسين في هذا الفكر لديهم أسماء ذات صلة بمفاهيم التطرّف من قبيل "جندي الله" و"أسد الإسلام".

إلى ذلك، حذّرت الهيئة من الحضور المتزايد للنساء في "المشهد الإسلامي" في ألمانيا، بعد تمكنهنّ من بلوغ مناصب قيادية. وفي هذا الإطار، يتحدّث باحثون في علم الاجتماع السياسي عن أنّ النساء المتطرفات مسؤولات عن تربية الأطفال بالتحديد، ويمكن أن يعبّرنَ عن قناعتهنّ المتطرفة في بيئتهنّ الاجتماعية والأسرية، ويسهمنَ بطريقة أو بأخرى في تلقين أفكارهنّ للآخرين، وعلى سبيل المثال للأطفال. بالتالي، يكون هؤلاء ضحايا داخل عائلات متشددة، بحسب ما أوضحت سابا نور شيما، التي ترأس قسم التعليم في مركز آن فرانك التعليمي في فرانكفورت. وهي ترى أنّ الأمر يمثّل مشكلة كبيرة في سياق رفاه الطفل وحمايته، لأنّ لكل طفل الحق في حياة حرة وفي التمتع بالتعددية وتجربتها، أي عدم منعه من الاطلاع على وجهات نظر أخرى، وبالتالي عدم إخضاعه لأنّ أهله كانوا جزءاً من أيديولوجيا راديكالية.

في سياق متصل، تبيّن تقارير أمنية صادرة عن أجهزة الشرطة، أنّه في عدد من الولايات تحصل مداهمات للأماكن التي يُظنّ أنّها تساهم في بث الكراهية وتساعد في عمليات تمويل التطرّف، مع التأكيد على أنّ الخطر الفعلي للإسلاميين الذين يمارسون العنف ما زال بعيداً نسبياً. لكنّ التمارين التكتيكية حاضرة دائماً بين أجهزة شرطة الولايات، وهذا ما حصل خلال الأيام الأخيرة عندما قامت شرطة مدينتَي فرانكفورت وهسن وبمشاركة وحدة مكافحة الإرهاب ووحدات الإسعاف والإنقاذ والإطفاء، بمناورات شاملة لمواجهة سيناريوهات أعمال إرهابية عدّة في آن واحد، ومن بينها احتمال استخدام أسلحة تقليدية وبيولوجية وكيميائية، في حين يتخللها احتجاز رهائن وإخلاء مصابين في محطة القطارات الرئيسية في فرانكفورت.


تجدر الإشارة إلى أنّ وزارة داخلية ولاية ساكسونيا السفلى أوضحت أخيراً أنّ الولاية، كما باقي أرجاء ألمانيا، ما زالت عرضة لخطر إرهابي، وأنّه من المحتمل أن يكون 30 شخصاً خطرين عليها، مع توجهها الدائم لمراقبة وقمع كل ما يعتبر بمثابة ملتقى للإسلاميين الراديكاليين.