ماذا يعني أن تكون ميتة أصلاً؟

19 يناير 2015
"أين يذهب الأموات عندما يموتون؟" (كريستوفر فورلونغ/Getty)
+ الخط -
أخرج من بيت الجيران في حيّنا في إهدن. ثلاث فتيات صغيرات يلعبن هناك. أتقدّم منهنّ وأقول: "هل تعلمن أنّ هذه اللعبة لا تنجح إلا بأربع لاعبات؟"، تجيب إحداهنّ: "نعم، نعرف. لكن صديقتنا الرابعة غائبة، ليست هنا". تضيف فتاة أخرى بحماسة غريبة بعض الشيء وبالفرنسيّة: "إنها مريضة، ومرضها أنها ميتة". حدّقت بوجوههن، ثم قلت بالفرنسيّة أيضاً: "ماذا يعني أن تكون ميتة أصلاً؟".

***

أعبر وصديقي من خلال فجوة عميقة في الحائط. إنها قلعة سوريّة، مشيّدة بأكملها بالصخر وفيها عقد وقناطر. تشبه قلعة طرابلس التي لم أزرها من قبل. في غرفة يؤدي درجها إلى حديقة خضراء، جثة حبيبته السابقة. أجد نفسي أكثر حزناً عليها منه. أبكي أكثر. أقترب من رأسها الذي ينزف، وألمس دماً ليلكيّاً يميل إلى الزهريّ. أهرب، لكن الليلكي يبقى مطبوعاً على أصابعي.

***

أسمع صراخاً في المبنى. أخرج من بيتنا وأنزل طابقَين. الباب مفتوح، وجدتي تقف عند العتبة. جدي في حالة سيئة ومن المرجّح أن يموت بعد قليل. الغريب أن واجبات العزاء لا تقام في بيت جدّي، إنما في بيتنا القديم الذي لم نعد نسكنه منذ بضع سنين. أبكي كثيراً، فتقول لي جدتي: "لا تبكي لأن الميت أكثر راحة حيث هو الآن".

***

- ما القاسم المشترك بين أحلامك هذه المرّة؟
- الموت؟
تسأل أكثر. لا أملك ولا أي جواب. لا أصدّق أن أحدهم يملك جواباً. المؤمنون وحدهم أكثر راحة واطمئناناً. تسألني: "أين يذهب الأموات عندما يموتون؟". أضحك. لا أعرف، فأنا لم أمت مرّة قبل اليوم. أظن أنها ضحكت أيضاً. مع ذلك، تحثني على البحث في كتاب سماويّ أو دنيويّ أو في أي رواية. تضيف أن في قراءة الكتب المقدسة مثلاً، منفعة ثقافيّة لا تقلّ قيمة عن أي كتاب آخر.

في طريق العودة، أفكّر بجدتي. كيف تصلّي للـ"موتى المقطوعين"، كما تسمّيهم. هؤلاء الذين لا أهل لهم يقيمون القداديس والصلوات عن راحة أنفسهم. تصلي أيضاً للنفوس في المطهر، علّ صلواتها تساعدهم في الانتقال إلى قرب الله بسرعة. حتى أنني كنت في صغري أسمعها تصلي لراحة أنفس الذين قتلوا أبيها، حتى يغفر الله لهم ذنوبهم.

حكت لي مرّة أن أمها الأرملة، التي ساعدها والدها في تربية الأولاد بعد موت زوجها، كانت تعاني من ضيق مادي، خصوصاً بعدما توفي والدها أيضاً. فظهر لها مرّة في الحلم وقال لها أن تذهب إلى "بيت البقر" وتخرج من جيب سترته الأموال التي تركها قبل موته، وأن تشتري بها الكتب التي تنقص ابنتها لدخول المدرسة. وهكذا كان. بحسب رواية جدتي، الأموات لا يموتون. فقط ينتقلون. لكن تلك رواية خاصة بجدتي، لا تشكل جواباً بل سؤالاً آخر.
المساهمون