انتهت حقبة سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي على مناطق بعينها في العراق، ولم يبق لهذا التنظيم الموغل بدماء سكان المناطق التي احتلّها أولاً قبل غيرها، سوى المناطق الجبلية والصحارى المقفرة غرب وشمال البلاد، داخل تضاريس صعبة يجدها مناسبة لمساعدته على الاختباء، غير أن آثار هذا التنظيم ما زالت تلاحق الأهالي، إذ توجه لهم تهماً بإيواء عناصر في التنظيم الإرهابي في مناطق لا يوجد بها.
وأصبحت التهم التي تصدر من جهات أمنية مثار رعب لدى الأهالي، في وقت يحاولون العودة إلى حياتهم الطبيعية، وممارسة أعمالهم وترميم منازلهم التي تضررت في الحقبة السابقة.
ووفقاً لمصادر قضائية، فقد جرى إطلاق سراح ما لا يقل عن 30 مدنياً منذ مطلع الشهر الجاري، اعتقلتهم جهات أمنية مختلفة بتهمة إيواء عناصر "داعش"، بعدما لم يجد القضاء دليلاً ملموساً على هذه الادعاءات.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن هذه التهمة باتت واحدة من الذرائع الشائعة لعمليات الاعتقال في المدن العراقية المحررة من قبضة التنظيم، وهناك العشرات الذين تم اعتقالهم بهذه التهمة في الأسابيع الماضية، دون أن تقدم قوات الأمن ما يثبت صحة ادعائها أو حتى أسماء من تم إيواؤهم أو أي تفاصيل أخرى.
وتتركز عمليات الاعتقال في نينوى وديالى على وجه التحديد أكثر من غيرها.
ويطلق قادة أمن في الشرطة والجيش العراقي وفصائل عدة ضمن مليشيا "الحشد الشعبي"، اتهامات مستمرة على مناطق برمتها أو قبائل أو أفراد بعينهم بإيواء التنظيم، بينما يعجز الأهالي عن التصدي لهذه التهم ودحضها، رغم أنّ الواقع يثبت عكس ذلك.
وفي ديالى العراقية، المحافظة المرتبطة حدودياً مع إيران، تعدّ هذه التهمة الأخطر بين التهم، إذ توجه بشكل مستمر بدوافع وصفت بأنها سياسية. وفي هذا الصدد، حذّر رئيس اللجنة الأمنية في حكومة ديالى المحلية، القيادي في مليشيا "الحشد الشعبي" صادق الحسيني، العائلات التي تتعاون مع خلايا "داعش"، موضحاً أنّ "القوات الأمنية ستتعامل معها كمضافات للتنظيم".
وقال الحسيني في تصريح صحافي، إنّ "أي عائلة تقدم العون والمساعدة للتنظيم، سيكون لدى الأجهزة الأمنية الصلاحيات الكاملة في مواجهتها، والتعامل معها كمضافة لداعش"، مبيناً أنّ "ذلك يأتي لأجل حماية الأمن والاستقرار في المحافظة".
وأشار إلى أنّ "اللجنة الأمنية أبوابها مفتوحة للذين يتعرضون إلى التهديد والابتزاز من قبل داعش، وأنّ القوات الأمنية قادرة على حمايتهم".
وتعدّ هذه التهم الأخطر التي تواجهها الأسر العراقية، كما أنّها تسببت بعدم الاستقرار الأمني في بعض المناطق، ودفعت الكثير من العائلات لعدم العودة إلى منازلها خوفاً من تهم كهذه.
ووفقاً لمسؤول أمني في إدارة المحافظة، فإنّ "الملف الأمني يجب أن يدار من قبل شخصيات مستقلة غير منتمية إلى الحشد أو أي جهة حزبية أخرى"، وقال المسؤول لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذه التهم تطلق من قبل قيادات الحشد، وهم مسؤولون وقادة الملف الأمني والسياسي في ديالى، وقد أربكت العديد من المناطق".
وأشار إلى أنّ "العديد من الأهالي وخاصة في المناطق غير المستقرة أمنياً، رحلوا عنها بسبب تلك التهم، الأمر الذي انعكس سلباً على الأمن العام"، مطالباً بـ"عدم إطلاق التهم جزافاً، فحقبة داعش انتهت، وما يجري في المحافظة هو سوء إدارة في ملفها الأمني وتسلط حزبي عليه".
ويؤكد الأهالي ضرورة أن يدعم المسؤولون الملف الأمني في المحافظة، وأن يتعاونوا مع الأهالي بدلاً من إطلاق التهم ضدّهم.
وقال أبو عبد الله، وهو أحد أهالي بلدة المخيسة في المحافظة لـ"العربي الجديد"، إن "الملف الأمني لا يدار بمهنية، جهات حزبية تتحكم فيه. تركت منطقتي خوفاً من الاتهامات التي تطلق ضد الأهالي بإيواء عناصر داعش"، مؤكداً: "الجميع يعلم أنّ المنطقة لا يوجد فيها أي عنصر للتنظيم، وما تتعرض له هو قصف بالهاون من مناطق أخرى، فكيف يتهم الأهالي بإيواء داعش".
وأكد أنه "يجب أن يحافظ المسؤولون على أمن المناطق، وأن يتعاونوا مع الأهالي لا أن يوجهوا التهم لهم".
وتشهد بعض مناطق محافظة ديالى ارتباكاً أمنياً، إذ تتعرض لقصف أحياناً، بينما تؤكد المعطيات عدم وجود أي عنصر من عناصر "داعش" فيها عدا أطراف المحافظة، وأنّ مشاكلها الأمنية هي بسبب وجود مليشيات وعصابات منفلتة.