ابتزاز وتحرّش في دوائر العراق

14 يوليو 2019
في مركز انتخابي (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

ترتفع نسب التحرّش والابتزاز في الدوائر الرسمية العراقية، علماً أن معظم النساء يخترن الصمت خوفاً من التبعات سواء في العمل أو داخل العائلة

تتكرّر حوادث التحرش والابتزاز في دوائر الدولة العراقية، وغالباً ما تطاول الموظفات اللواتي يترددن على الدوائر والمؤسسات بهدف استكمال أوراق أو معاملات المراجعين، والمراجعات أنفسهن، خصوصاً من قبل بعض الموظفين الذين يكونون على الأغلب من النافذين أو المديرين.

ولعلّ الحادثة الأخيرة التي تناقلتها وسائل إعلامية محلية وتداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، هي تسجيل صوتي تضمن قيام موظف في الهيئة العامة للضرائب بابتزاز إحدى المحاميات أثناء مراجعتها للهيئة، والتحرش بها. وفي التسجيل، يطلب الموظف من المحامية لقاءها، والتعرف إليها، ويلمح إلى علاقة حميمة، علماً أن المحامية كررت رفضها. واستمر الموظف في محاولة ابتزازها قائلاً إن ما تريده من إجراءات داخل الدائرة لن يتم إذا لم تتحقق رغبته.




وأكدت وزارة المالية، وهي الجهة المسؤولة عن هيئة الضرائب، تشكيل لجنة تحقيق لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق من يثبت تورّطه بالابتزاز، لافتة إلى أنها تعمل على الحدّ من الظواهر السلبية التي تؤدي إلى إلحاق الضرر بالمواطن والمال العام، وتفعيل الدور الإصلاحي في مؤسسات وزارة المالية. إلّا أنّ معاقبة المتورطين تبقى سريّة.

مثل هذه الحالة وغيرها يجدها قانونيّون "كارثية"، في ظلّ استمرار الموظفات والمحاميات والمراجعات لدوائر الدولة بالسكوت. من جهة أخرى، تؤكّد برلمانيات داخل مجلس النواب أن التحرش والابتزاز في مؤسسات الدولة أكبر من مجرد حالات بل تحول الأمر إلى ظاهرة، ولا بد من تحقيق تقدم فيها على مستوى معاقبة المتحرشين والمبتزين وتطبيق القانون على المتنفذين المدعومين من جهات سياسية.

في هذا الإطار، تروي العراقية ع. ر كيف تعرضت للابتزاز من قبل موظف في دائرة التقاعد العامة في بغداد، في مقابل استكمال معاملة تقاعد والدها المتوفى وتحويل راتبه لاسمها. وتقول إن الموظف كان لطيفاً ومتعاوناً في البداية، "وقد ساعدني في أولى خطوات إجراء المعاملة وتحويل الراتب، لكن المعاملة تحتاج إلى أكثر من أسبوع من أجل استكمالها بالكامل. لذلك، أعطاني رقم هاتفه الشخصي، وأخبرني أن نتواصل ليطلعني على المعاملة. وبعد أيام، طلب مني أن نتوجه إلى مطعمٍ لتناول وجبة غداء، ورفضت ذلك" مبينة لـ "العربي الجديد" أن "الموظف، وبعد تكرار طلب الخروج، هددني بعدم استكمال المعاملة، وإلغاء الراتب التقاعدي، بحجة زواجي من ضابط، مع العلم أنني لست متزوجة وأستحقّ الراتب".



وتلفت إلى أنها في النهاية، اضطرت إلى اللجوء إلى الشعبة القانونية في دائرة التقاعد، وتقديم شكوى في حق الموظف، بعنوان الابتزاز والتحرش. "وبعد أيام، اتصلوا بي من الشعبة القانونية وقالوا إن المعاملة اكتملت، لكن تأكدت أن الموظف لم يعاقَب، وهو مستمرٌ بعمله". وتشير إلى أن هذه الأمور تتكرر كثيراً، وتحديداً مع الفتيات اللواتي يراجعن الدائرة بهدف تحويل الرواتب من المتقاعدين إلى مستحقيها.

من جهتها، تُبيّن الباحثة في شؤون المرأة والمحامية رواء الموسوي، أنّ "المحاميات هُن الأكثر عرضة للتحرش في دوائر الدولة العراقية. وعلى الرغم من كونهن يعلمن بقوة القانون والعقوبات ضد المبتزين والمتحرشين، إلا أنهن لا يتوجهن إلى المحاكم من أجل تقديم الأدلة التي تُدين المتحرشين، وذلك خوفاً على سمعتهن التي قد تتعرض للتشويه بعد الشكوى".

وتوضح لـ "العربي الجديد" أن "سكوت المرأة التي تتعرض لهذه الحالات، يدفع الموظفين من المتحرشين والمبتزين إلى الاستمرار بهذا السلوك، لأن القانون العراقي يضمن للمرأة حماية من هذه التصرفات. لكنّ هناك أمراً معقداً أثناء تقديم الشكاوى يتمثّل في الإجراءات الروتينية المتبعة في المحاكم والدوائر القانونية في البلاد، وهي بالعادة تقف عائقاً أمام تفعيل الشكاوى ضد الذكور المتنفذين. لذلك، لا بد من تسهيل هذه الإجراءات لوضع حدّ لهذه التصرفات السيئة، التي لا تليق بسمعة الرجل العراقي، ولا بدوائر الدولة الرصينة"، موضحة أن استمرارها قد يحوّلها إلى ظاهرة اعتيادية، وهذا أمر خطر.

إلى ذلك، تشير عضو لجنة المرأة في البرلمان العراقي هيفاء الأمين إلى أن "ملف الابتزاز والتحرش هو الأخطر على المرأة أثناء مراجعتها للدوائر الحكومية، لدرجة أن ما يحدث اليوم في المؤسسات أكبر من القول إنه مجرد حالات فردية، وإنما وصل إلى مرحلة الظاهرة. وإذ تعاني النساء العراقيات في البلاد من جراء عمليات الابتزاز والتحرش المستمرة، كالمحامية والموظفة والمواطنة العادية والنازحة والسجينة".




وتقول لـ "العربي الجديد" إن "بعض النساء يتحدثن بشكل صريح عما يتعرضن له. لكن الغالبية العظمى منهن يخترن الصمت بسبب القيود الاجتماعية المفروضة على النساء، وتحديداً الموظفات اللواتي قد يؤدي حديثهن إلى تبعات مثل خسارة أعمالهن وتشويه سمعتهن أو نقلهن إلى دائرة أخرى، ناهيك بالضغوط العائلية". وتؤكّد أن هناك "جهوداً نيابية للعمل على حماية المرأة في الدوائر الرسمية، ولا بد من تفعيل الملف من قبل القانونيين في دوائر الدولة، خصوصاً أن هناك قوانين تُجرم وتعاقب المبتزين، ونحن في البرلمان بصدد فتح الملف والحديث عن دور الشرطة النسائية، التي لا بد أن تتبنى هذه الملفات. في الوقت نفسه، نحتاج إلى تضافر جهود الإعلام والسلطات التشريعية والقانونية والمجتمعية وممارسة حملات تثقيف وتوعية في هذا الشأن، إضافة إلى إشاعة ثقافة فضح المتحرشين".
المساهمون