حرائق موريتانيا تهدّد بشرها وحجرها وطبيعتها

30 يناير 2017
مواجهة الحرائق تتطلّب تجهيزات حديثة (العربي الجديد)
+ الخط -

مدينة إفديرك في أقصى شمال موريتانيا، من أكثر المدن تعرضاً للحرائق. وعندما لم تسفر التحقيقات عن اكتشاف أسبابها، انتشرت شائعات حول غضب "الجنّ والعفاريت" على سكانها بعد قطعهم أغصان شجرة معمرة وسط المدينة.

تشغل الحرائق المتكررة الموريتانيين وتقلقهم، فيما تتسبب بخسائر بشرية ومادية وبيئية. وقد شهدت الفترة الأخيرة تزايداً في معدّلات الحرائق في المدن والقرى على حدّ سواء، الأمر الذي دعا النواب إلى اتهام الحكومة بالإهمال في مواجهتها وترك السكان عرضة لمخاطرها.

ويتكرّر اندلاع الحرائق في الأحياء العشوائية المنتشرة في المدن الموريتانية، بسبب الكثافة السكانية فيها وتقارب المنازل بعضها من البعض بالإضافة إلى أنّها من الخشب أو من مواد أخرى قابلة للاشتعال، فيما تنتشر التوصيلات الكهربائية العشوائية ومولدات الكهرباء بين المنازل والأكواخ. وهذه تؤدّي إلى الحرائق وانتشارها بسرعة كبيرة. ويؤدّي التوسع العمراني الذي لم يواكَب بتخطيط وهيكلة للمناطق السكنية حتى في الأحياء الراقية، إلى انتشار الأسواق العشوائية وورش الحرفيين والمحال التجارية التي لا تلتزم بمعايير الأمان في عرض قوارير الغاز والعقاقير والمواد الخطرة وغيرها من المواد التي تمثّل بيئة مساعدة على اندلاع الحرائق.

أمّا في القرى، فيتسبب إهمال السكان وارتفاع درجات الحرارة والخلل الذي يطاول الغابات بسبب عوامل طبيعية كـالجفاف والتصحّر، في ارتفاع معدّل المساحات المحروقة في الريف الموريتاني إلى نحو ثلاثة آلاف هكتار. ويؤدّي النمو السكاني في القرى إلى استغلال مفرط للموارد الطبيعية في الأنشطة الفلاحية والحرفية ولأغراض التدفئة والطبخ، بالتالي تتراجع مساحة الغابات والواحات نتيجة إهدار تلك الموارد وتندلع الحرائق.

إزاء هذا الواقع، راح الخبراء يحذّرون من خطر الحرائق مطالبين الجهات المعنية باتخاذ التدابير اللازمة للاستغلال المستدام لموارد الغابات وحمايتها من الحرائق. يقول الباحث في المجال البيئي مراد ولد الشيخ إنّ "بعض المزارعين يقومون بحرق الغابات للحصول على أراضٍ صالحة للزراعة. وأحياناً، يهملون إطفاءها فتمتدّ إلى مناطق أخرى، خصوصاً أنّ ثمّة عوامل مساعدة على انتشارها كالحرارة المرتفعة وسرعة الرياح". يضيف أنّ "هذه السلوكيات تتسبّب في ضرر كبير من الناحيتين الإيكولوجية والاقتصادية وتؤدّي الى تراجع مساحة الغابات والواحات في بلد صحراوي، عليه المحافظة عمّا تبقى من مساحاته الخضراء". ويشدّد على أنّ "إهمال مواجهة خطر الحرائق سوف يؤدّي إلى تدهور النظام البيئي ويتسبّب في تراجع الكتلة الحرجيّة وتقلصها تدريجياً".




وتُعدّ الحرائق والتصحّر والمدّ البحري من المشكلات البيئية الخطيرة التي تقف السلطات الموريتانية عاجزة عن إيجاد حلّ لها. وقد أعدّت وزارة البيئة والتنمية المستدامة خريطة لاستخدام الأراضي في موريتانيا، بهدف مواجهة المخاطر التي تعانيها مناطق مختلفة من البلاد وحصر الأنشطة التي لها انعكاسات سلبيّة على البيئة. بالنسبة إلى الوزارة، من شأن هذه الخريطة أن تحافظ على خصوصية الأراضي الشاسعة التي تملكها موريتانيا في مواجهة الأنشطة ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي، لا سيما أنّ لهذه الأنشطة انعكاسات سلبية على البيئة نظراً إلى ما تسبّب به من حرائق غابات وزحف رمال. وسوف توفّر الخريطة مؤشّراً تحليلياً يساعد في معرفة استخدام الأراضي الموريتانية وتعميق المعرفة بوضع الموارد الطبيعية من خلال إشراك جميع المعنيّين من الخبراء والمجتمع المدني وقطاعات البيطرة والزراعة واستغلال المعادن والصناعة.

تجدر الإشارة إلى أنّ مساحة موريتانيا تبلغ مليوناً و30 ألف كيلومتر مربّع، وتتألّف تضاريسها من سلاسل جبلية وأحواض صخرية وسهول رمليّة تمتد على مساحات شاسعة.

في السياق، وبهدف السيطرة على الحرائق التي تشهدها مناطق واسعة من الشرق الموريتاني، ومن أجل التغلّب على ضعف خدمات الوقاية المدنيّة، تحاول السلطات الموريتانية تفعيل دور السلطات الجهوية لمواجهة الحرائق. يأتي ذلك من خلال تنشيط 560 لجنة قروية لتوعية السكان من أجل تفادي الحرائق، وإعادة تأهيل ألفَين و564 كيلومتراً من الحواجز الواقية من الحرائق بالإضافة إلى استحداث حواجز جديدة.

وبالفعل، شهدت ولايات داخلية عدّة أنشطة لمناهضة انتشار الحرائق، في محاولة لامتصاص غضب سكان الريف إزاء افتقار المصالح البيئية إلى الوسائل الضرورية للتدخل من أجل إخماد الحرائق. وبحسب بيانات رسميّة، فإنّ البلاد شهدت تراجعاً كبيراً في حرائق الريف بنسبة 77 في المائة لجهة العدد، و86 في المائة لجهة المساحات المحروقة، بعدما خُصّصت 500 مليون أوقية موريتانية (نحو مليون و400 ألف دولار أميركي) لمواجهة الحرائق.

المساهمون