عين زارة... حيّ ليبي منكوب في طرابلس

19 مايو 2019
مقاتلون في كلّ مكان (عمرو صلاح الدين/ الأناضول)
+ الخط -

أحياء كثيرة في طرابلس منكوبة اليوم من جرّاء المعارك الدائرة هناك، عين زارة واحد منها. ذلك الحيّ الذي نقل بعض الشهود صوراً عمّا أصابه، تضرّر فيه الحجر وكذلك البشر الذين اضطروا إلى النزوح منه.

تُعَدّ عين زارة من أبرز أحياء العاصمة الليبية طرابلس، وتقع على بعد نحو 18 كيلومتراً إلى جنوب شرق المدينة. وهي من بين البلديات التي تضمّ العدد الأكبر من السكان، غير أنّها اليوم منطقة منكوبة هجرتها 16 ألف أسرة بعدما دمّر فيها أكثر من 300 منزل. وتلك الأسر المهجّرة لجأت بمعظمها إلى مراكز إيواء موزّعة على بلديات العاصمة، فيما نزحت أخرى نحو بلديات مجاورة أو بعيدة، بحسب ما يقول عميد بلدية عين زارة عبد الواحد بلوق لـ"العربي الجديد". يضيف بلوق أنّ "أقلية ما زالت في مساكنها عند أطراف المنطقة، وهي مصرّة على البقاء خوفاً على ممتلكاتها، ولا سيّما بعدما عبثت قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر بمنازل أخرى".

لا يوضح كلام بلوق الصورة كلّها، فالأضرار غير محصورة بالمنازل، بل طاولت المحالّ التجارية والمزارع والممتلكات العامة كذلك. وبما أنّ السيطرة على الحيّ تتقاسمها قوات حكومة الوفاق في ليبيا وقوات حفتر، صار من الصعب الدخول إليها. لكنّ عناصر من قوات حكومة الوفاق أكدوا أنّ ما لا يقلّ عن نصف المحالّ التجارية في الحيّ تضررت بصورة كبيرة، الأمر الذي يرتب على أصحابها ميزانية كبيرة لترميمها.

يقول عمران قبيص، وهو من مقاتلي تجمع ثوّار تاجوراء، إنّ "أحياء الكحيلي والدبلوماسي والاستراحة الحمراء وفاطمة الزهراء منكوبة كلياً، ولا أظنّ أنّ سكانها قادرون على العودة إلى منازلهم بسهولة". ويشير إلى أنه "في حين تتطلب بعض الممتلكات أعمال ترميم كبيرة، ثمّة أخرى في حاجة إلى إعادة إعمار". وتأتي شهادة قبيص متطابقة مع شهادات مقاتلين آخرين، كانوا في خطوط القتال الأولى، يؤكدون أنّ "مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة من قبيل الدبابات والمدفعية تُستخدم في المعارك".




كذلك، لم يسلم حيّ عين زارة من القصف الجوي، فأولى غارات قوات حفتر عليه استهدفت معسكر السعداوي، في 12 إبريل/ نيسان الماضي. وقد أصابت الصواريخ "مدرسة القدس" التي تقع في جوار المعسكر بالإضافة إلى مخزن كتب أعلنت وزارة التعليم أنّه احترق بالكامل. وتأتي الأضرار المادية إلى جانب أخرى نفسية طاولت سكّان الحيّ، من جرّاء القصف المفاجئ في الأيام الأولى من المعارك، علماً أنّهم اضطروا إلى الهرب من منازلهم على الفور. ويلفت قبيص إلى أنّ "عين زارة القريبة من بلدية قصر بن غشير حيث تنتشر مقارّ ومواقع عسكرية، جعل منها هدف متكرر للقصف الجوي".

المنتصر البوري أب لأربعة أولاد، هُجّر من عين زارة ولجأ مع أسرته إلى مركز إيواء في "جامعة ناصر" منذ نحو 25 يوماً. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "العيش في أماكن مكتظة، حتى لو توفّرت فيها سبل العيش، لا يعود محتمَلاً مع مرور الوقت". ويشير البوري إلى أنّ "كيلومترات قليلة فقط تفصلنا عن منطقة سكننا الأصلية، لكنّ كلّ ما نعرفه عنها يأتينا من خلال وسائل الإعلام أو المقاتلين الراجعين من محاور القتال"، مشدداً على أمله بـ"توقّف الحرب والعودة مع عائلتي إلى منزلنا حتى لو كان متضرراً". يضيف البوري أنّ "أوضاعاً كثيرة لم تسوَّ بالنسبة إلينا نحن النازحين، في مقدّمتها تعليم أولادنا. فقد انتهى العام الدراسي وهم لم يلتحقوا بالامتحانات النهائية ولا نعرف مصير دراستهم". في سياق متصل، يتحدث قبيص عن "أضرار بالغة جداً لحقت بثلاث مدارس بالإضافة إلى مدرسة القدس، منها مدرسة خاصة كان أطفال المنطقة بمعظمهم يقصدونها على مستوى التعليم المتطوّر فيها".

تجدر الإشارة إلى أنّ المصارف تماماً كما هي حال عشرات المقارّ الحكومية، أقفلت أبوابها على خلفية الحرب الدائرة في المنطقة واختفاء مظاهر الحياة منها، وهو ما تسبّب في إرباك كبير، ولا سيّما مع عدم إمكانية حصول مواطني المنطقة النازحين على رواتبهم الشهرية. يقول البوري إنّ "قرارات الحكومة تقضي بأن تُحوَّل حساباتنا إلى فروع أخرى من المصارف، غير أنّ إدارات الفروع المعنية لم تنفّذ القرار، ولولا المساعدات الإنسانية التي تصلنا من ذوي الإحسان، لما عرفنا كيف نوفّر الطعام لأولادنا".

حتى يومنا هذا، لم تولِ حكومة الوفاق في ليبيا أهميّة تُذكر لملفّ النازحين الذين يعتمدون بمعظمهم على المساعدات المجتمعية، بحسب تصريح لعميد بلدية طرابلس المركز، عبد الرؤوف بيت المال، وذلك في خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده عمداء بلديات طرابلس قبل أيام. من جهته، أكّد بلوق في المؤتمر الصحافي نفسه، أنّ المركز الوحيد الذي خصّصته الحكومة لإيواء نازحي عين زارة هو عدد من مباني "جامعة الناصر"، التي استقبلت 1500 أسرة قبل أن تلتحق 500 أسرة أخرى بها. ولفت بلوق إلى أنّ خطوات الحكومة اقتصرت على فتح مبانٍ من الجامعة، في حين أنّ المساعدات المقدّمة للمهجّرين تأتي من جمعيات خيرية وأخرى كشفية ومن الهلال الأحمر.



من جهة أخرى، أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنّها تمكّنت من إجلاء مئات المهاجرين السريّين بالتنسيق مع جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية الحكومي، إلى مناطق أكثر أماناً. ومئات من هؤلاء المهاجرين السرّيين يقبعون اليوم في مركز احتجاز، من دون أيّ معلومات حول إمكانية وجود آخرين في المناطق المشتعلة. يُذكر أنّ المفوضية كانت قد أشارت إلى تعرّض عشرات المهاجرين السريّين لإصابات مباشرة، على أثر اقتحام قوات حفتر مركز إيواء في حيّ قصر بن غشير.