بالكاد دافع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، عن نفسه وعن المنظمة، في وجه الاتهامات الأميركية، حتى أصبح الرجل عرضة لهجوم متعدد الأطراف، ولانتقادات لاذعة
"من فضلكم لا تسيّسوا الفيروس" هذه العبارة دافع بها المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، عن نفسه وعن المنظمة، في وجه اتهامات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بأنّ المنظمة تحابي الصين. لم يعجب ترامب الردّ المباشر عليه من هذه الشخصية التي باتت محط اهتمام وسائل الإعلام حول العالم، منذ بدأ يظهر بشكل شبه يومي للحديث عن آخر مستجدات جائحة فيروس كورونا الجديد.
الاتهامات الموجهة للمنظمة الدولية بمحاباة الصين، أو التستر عليها، جرّت منظمة الصحة العالمية إلى مواجهات تهدد علاقاتها بعدد من الدول. فإلى جانب تهديد ترامب بوقف مساهمة واشنطن المالية، في المنظمة، في سياق تلاسن وصراع يبدو صينياً - أميركيا حول مسؤولية بكين ومنظمة الصحة العالمية في تأخر الإعلان عن الوباء، ما يمكن أن يمثل ضربة قوية للمنظمة ومصداقيتها العالمية، وجد غيبريسوس نفسه وسط نزاع مع تايوان، التي لا تعترف بكين باستقلالها. لم يتردد غيبريسوس في اتهام الحكومة التايوانية بـ"تدبير حملة عنصرية منظمة" بحقه: "خلال الأشهر الثلاثة الماضية استمرت الهجمات موجهة نحوي من تايوان، وكانت خارجية البلاد تعرف الاتهامات ولم تحاول النأي عن الإهانات والتصريحات المسيئة". اتهام أثار غضب تايبيه التي ردت من خلال الناطق باسم خارجيتها بالقول إنّ "بلادنا لم تشجع أبداً الرأي العام على شنّ هجمات شخصية ضده أو الإدلاء بتصريحات عنصرية وتمييزية". هذا الردّ التايواني جاء على خلفية ما ذكره غيبريسوس في مؤتمر صحافي قبل أيام معتبراً أنّهم، في تايوان، شنوا حملة عليه منذ أشهر فنعتوه بالـ"نيغر (زنجي)" و"الأسود". تلك الاتهامات التي صدرت بحق تايبيه دعت حكومة البلاد إلى "طلب اعتذار رسمي من تيدروس أدهانوم غيبريسوس على اتهامات لا أساس لها". وبحسب ما ذهبت "وول ستريت جورنال" نقلاً عن مسؤولين تايوانيين، فإنّ "على منظمة الصحة العالمية تحمل تعرضها لانتقادات مشروعة وغضب الناس بعد تفشي وباء كورونا الجديد وطريقة تعاطي المنظمة معه، ومن حق البشر في المجتمعات الديمقراطية التعبير عن رأيهم بحرية".
اقــرأ أيضاً
وكان الرجل تعرض لهجوم على وسائل التواصل الاجتماعي في تايوان وهونغ كونغ باعتباره "في الجيب الصيني" أي أنّه موالٍ للصين. ويأخذ المنتقدون على منظمة الصحة العالمية تصريحاتها الإيجابية عن "سيطرة" الصين على الوباء. وبالرغم من أنّ تايوان ليست عضواً في منظمة الصحة العالمية، بسبب النفوذ الصيني الرافض لاعتبارها بلداً مستقلاً، ما تعتبره تايبيه تسييساً للمنظمة، فرئيسة البلاد، تاسي إنغ وينغ، تحدت أمين عام المنظمة غيبريسوس بأن يزور تايوان "إذا تجرأ على ذلك" في تلميح لخوف الرجل من بكين. واضطرت وينغ للتدخل شخصياً من خلال منشور على "فيسبوك" ترفض فيه اتهام بلادها بالتمييز، وشكت استبعاد تايوان من عدة منظمات دولية بفعل النفوذ الصيني المعترض. ويعتبر شعبا تايوان وهونغ كونغ أنّ منظمة الصحة العالمية لا تجرؤ على توجيه أيّ انتقاد للصين. ويتسلح المنتقدون، بمن فيهم الرئيس الأميركي وحكومة تايوان، وغيرهما حول العالم، بتصريحات لمنظمة الصحة العالمية في 14 يناير/ كانون الثاني الماضي، عبر "تويتر" تهاونت فيها مع خطر فيروس كورونا الجديد، واستندت في تغريدتها تلك إلى الصين التي ادعت أنّه "لا أدلة على انتقال الفيروس بين البشر" وتلك كانت سقطة كبيرة تُحسب على المنظمة الدولية التي شكك كثيرون منذ ذلك الحين، بمصداقيتها.
المنصب الأهم حالياً
بالرغم من نفي البعض صفة طبيب، عن غيبريسوس، فالرجل في الواقع تعرفه الدنمارك معرفة جيدة، قبل انتخابه في مايو/ أيار 2017 على رأس منظمة الصحة العالمية. فإلى كوبنهاغن وصل الشاب الإثيوبي، مواليد 1965، في عام 1988، ليلتحق في سن 23 عاماً بمعهد الدراسات المختبرية لمرض البلهارسيا الاستوائي. وكانت المرة الأولى في حياته، بحسب ما يذكر، التي يُمنح فيها بطاقة تأمين صحي: "كانت سعادتي كبيرة، وشعرت براحة كبيرة كوني مؤمّناً صحياً". حصل غيبريسوس عام 2017 على أرفع الجوائز الدنماركية التي تمنحها مؤسسة "دانيدا" للتعاون الدولي ومساعدة الدول النامية، التابعة للخارجية الدنماركية. ومن خلال تلك المؤسسة بالذات، حصل الشاب على منحته الدراسية في كوبنهاغن في أواخر الثمانينيات. عبّر خلال تسلمه الجائزة عن امتنانه للدنمارك: "كانت أياماً سعيدة لي في كوبنهاغن، أيام إنتاج جعلت مني شخصاً أفضل في مجال العلوم". وفي جعبة الرجل، بغض النظر عن الآراء التي انطلقت بحقه، على خلفية الأصل واللون و"الجرأة أو فقدانها أمام تصارع القوى الكبرى حتى في المسائل الطبية" تحصيل علمي في العلوم الصحية، بدرجة دكتوراه، وماجستير في الأمراض المعدية من جامعة "لندن".
وقبل أن يشغل مشارق الأرض ومغاربها بظهوره التلفزيوني المستمر منذ أشهر، بعد تحول فيروس كورونا الجديد إلى وباء عالمي، شغل في بلده إثيوبيا مناصب رفيعة، لعلّ أهمها وزارة الصحة، التي جعلته شخصاً معترفا به بعد تحويله النظام الصحي في بلده الفقير إلى نظام ناجح، مع محاولات لإدخال تجارب دول متقدمة في مجال تغطية الضمان الصحي لكلّ مواطني بلده، بالترافق مع إصلاحات كبيرة، كي تتمكن أديس أبابا من إتاحة رعاية صحية، ومعالجة حتى المرضى نفسياً الذين لم يكونوا يحظون بأيّ مساعدة هناك.
ولد غيبريسوس في أسمرة (باتت عاصمة إريتريا بعد انفصالها عن إثيوبيا) وهو مواطن إثيوبي رسمياً. انضم في أواخر عشرينياته إلى "الجبهة الشعبية لتحرير شعب تيغراي"، التي قاتلت وأسقطت، مع قوى أخرى، في عام 1991، نظام منغستو هيلا مريام، الشيوعي، الذي اعتبرته معظم الحركات المعارضة له نظاماً ديكتاتورياً، وكان مدعوماً من الاتحاد السوفييتي طوال فترة حكمه. كان في دراسته في الدنمارك في ذلك الحين، لكنّ التغيير السياسي، سمح له بعد عودته إلى إثيوبيا، بالتدرج في مناصب عدة حتى وصل إلى رتبة وزير الصحة عام 2005 في بلد يعاني من اكتظاظ سكاني وفقر كبير. وأُخذ عليه، وفقاً لتقارير تناولت مسيرته، أنّه حاول ثني الصحافيين عن الإبلاغ عن تفشي الكوليرا في بلده. وحقق في فترته كوزير صحة حتى عام 2012 نقلة نوعية في إنشاء 16 ألف مركز صحي، بعدما كان العدد فقط 3500 عام 2005، وانخفض معدل وفيات الرضّع بمقدار الثلثين، وارتفع عدد موظفي القطاع الصحي من 16 ألفاً إلى 115 ألفاً. وواجهت وزارته بنجاح أمراضاً فتاكة، كالسلّ والملاريا ونقص المناعة المكتسبة. واعتبر الرجل ما حققته اثيوبيا في قطاعها الصحي "نموذجاً يمكن أن تحتذيه أفريقيا". وفي فترة تسلمه منصب وزير الخارجية، من 2012 إلى 2016، أصر الرجل على مشروع بلده في بناء سدّ النهضة، ولعب دوراً كبيراً في إقناع دول أفريقية وعالمية بدعم موقف بلاده في مواجهة موقف مصري ضعيف، حتى اليوم.
في مايو/ أيار 2017 كان أول أفريقي يصل إلى منصب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية. وعند تقديم ترشحه، تحدث الرجل بتأثر عن فقدان أخيه الصغير بمرض الحصبة، إذ يموت كثيرون من أطفال أفريقيا قبل بلوغهم سنّ الخامسة بأمراض عدة من بينها الحصبة. واعتبر أنّه نجا بأعجوبة من الموت بأحد تلك الأمراض المنتشرة في قارته. لقي الرجل تعاطفاً كبيراً بين الوفود التي صوتت له في جنيف، ليعتلي الخمسيني، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أهم المناصب العالمية في زمننا الحالي؛ زمن وباء كورونا.
صحة وسياسة
التهجمات الأخيرة، التي طاولته هو والمنظمة الدولية، تمثل ضربة لفلسفته التي تقوم على أنّ "من غير الممكن مواجهة الجائحة من دون تعاون كلّ الـ194 بلداً التي تضمها المنظمة حول العالم، فذلك التعاون شرط للتفوق على الفيروس". ودافع عن تحركاته في زيارة الصين أستاذ قانون الصحة العالمية في جامعة "جورج تاون" الأميركية، لاورنس غوستين، أنّ المديرة العامة السابقة للمنظمة، مارغريت تشان، سافرت عدة مرات إلى الكونغو الديمقراطية، لدى انتشار وباء إيبولا قبل سنوات، للتحدث مع الحكومة والمسؤولين عن قطاع الصحة. واعتبر غوستين أن "زيارة غيبريسوس الصين في بداية تفشي كورونا كانت بهدف دفع بكين إلى الشفافية وليس انتقادها، فهو يؤمن باستراتيجية التعاون الدولي لمواجهة الوباء".
التشنج الذي تشهده علاقة منظمة الصحة العالمية بواشنطن وتايوان ودول أخرى، وباستخدام خطاب سياسي قاس، يختزل بعض الغضب الكامن لدى دول كثيرة تجاه سياسات بكين التي لم تتعامل بشكل شفاف مع الوباء، وربما وقعت المنظمة ضحية سيطرة نظام شمولي على المعلومات، وتقديم تقارير مغلوطة تشير إلى أنّ الفيروس لا ينتقل بالعدوى بين البشر. وبالرغم من محاولات المنظمة الدفاع عن موقفها بأنّها حذرت في العاشر من يناير/ كانون الثاني الماضي دولاً عدة من بينها الولايات المتحدة وتايوان حول انتشار الفيروس، فوزير خارجية تايوان، جوزيف وو، ذكر أنّ بلاده لم تتلقَّ أيّ تحذير من منظمة الصحة العالمية. ونقلت "نيويورك تايمز" أنّ أصواتاً عدة في آسيا، لا سيما من اليابان، راحت تطلق على منظمة الصحة العالمية، اسم "منظمة الصحة الصينية".
"من فضلكم لا تسيّسوا الفيروس" هذه العبارة دافع بها المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، عن نفسه وعن المنظمة، في وجه اتهامات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بأنّ المنظمة تحابي الصين. لم يعجب ترامب الردّ المباشر عليه من هذه الشخصية التي باتت محط اهتمام وسائل الإعلام حول العالم، منذ بدأ يظهر بشكل شبه يومي للحديث عن آخر مستجدات جائحة فيروس كورونا الجديد.
الاتهامات الموجهة للمنظمة الدولية بمحاباة الصين، أو التستر عليها، جرّت منظمة الصحة العالمية إلى مواجهات تهدد علاقاتها بعدد من الدول. فإلى جانب تهديد ترامب بوقف مساهمة واشنطن المالية، في المنظمة، في سياق تلاسن وصراع يبدو صينياً - أميركيا حول مسؤولية بكين ومنظمة الصحة العالمية في تأخر الإعلان عن الوباء، ما يمكن أن يمثل ضربة قوية للمنظمة ومصداقيتها العالمية، وجد غيبريسوس نفسه وسط نزاع مع تايوان، التي لا تعترف بكين باستقلالها. لم يتردد غيبريسوس في اتهام الحكومة التايوانية بـ"تدبير حملة عنصرية منظمة" بحقه: "خلال الأشهر الثلاثة الماضية استمرت الهجمات موجهة نحوي من تايوان، وكانت خارجية البلاد تعرف الاتهامات ولم تحاول النأي عن الإهانات والتصريحات المسيئة". اتهام أثار غضب تايبيه التي ردت من خلال الناطق باسم خارجيتها بالقول إنّ "بلادنا لم تشجع أبداً الرأي العام على شنّ هجمات شخصية ضده أو الإدلاء بتصريحات عنصرية وتمييزية". هذا الردّ التايواني جاء على خلفية ما ذكره غيبريسوس في مؤتمر صحافي قبل أيام معتبراً أنّهم، في تايوان، شنوا حملة عليه منذ أشهر فنعتوه بالـ"نيغر (زنجي)" و"الأسود". تلك الاتهامات التي صدرت بحق تايبيه دعت حكومة البلاد إلى "طلب اعتذار رسمي من تيدروس أدهانوم غيبريسوس على اتهامات لا أساس لها". وبحسب ما ذهبت "وول ستريت جورنال" نقلاً عن مسؤولين تايوانيين، فإنّ "على منظمة الصحة العالمية تحمل تعرضها لانتقادات مشروعة وغضب الناس بعد تفشي وباء كورونا الجديد وطريقة تعاطي المنظمة معه، ومن حق البشر في المجتمعات الديمقراطية التعبير عن رأيهم بحرية".
وكان الرجل تعرض لهجوم على وسائل التواصل الاجتماعي في تايوان وهونغ كونغ باعتباره "في الجيب الصيني" أي أنّه موالٍ للصين. ويأخذ المنتقدون على منظمة الصحة العالمية تصريحاتها الإيجابية عن "سيطرة" الصين على الوباء. وبالرغم من أنّ تايوان ليست عضواً في منظمة الصحة العالمية، بسبب النفوذ الصيني الرافض لاعتبارها بلداً مستقلاً، ما تعتبره تايبيه تسييساً للمنظمة، فرئيسة البلاد، تاسي إنغ وينغ، تحدت أمين عام المنظمة غيبريسوس بأن يزور تايوان "إذا تجرأ على ذلك" في تلميح لخوف الرجل من بكين. واضطرت وينغ للتدخل شخصياً من خلال منشور على "فيسبوك" ترفض فيه اتهام بلادها بالتمييز، وشكت استبعاد تايوان من عدة منظمات دولية بفعل النفوذ الصيني المعترض. ويعتبر شعبا تايوان وهونغ كونغ أنّ منظمة الصحة العالمية لا تجرؤ على توجيه أيّ انتقاد للصين. ويتسلح المنتقدون، بمن فيهم الرئيس الأميركي وحكومة تايوان، وغيرهما حول العالم، بتصريحات لمنظمة الصحة العالمية في 14 يناير/ كانون الثاني الماضي، عبر "تويتر" تهاونت فيها مع خطر فيروس كورونا الجديد، واستندت في تغريدتها تلك إلى الصين التي ادعت أنّه "لا أدلة على انتقال الفيروس بين البشر" وتلك كانت سقطة كبيرة تُحسب على المنظمة الدولية التي شكك كثيرون منذ ذلك الحين، بمصداقيتها.
المنصب الأهم حالياً
بالرغم من نفي البعض صفة طبيب، عن غيبريسوس، فالرجل في الواقع تعرفه الدنمارك معرفة جيدة، قبل انتخابه في مايو/ أيار 2017 على رأس منظمة الصحة العالمية. فإلى كوبنهاغن وصل الشاب الإثيوبي، مواليد 1965، في عام 1988، ليلتحق في سن 23 عاماً بمعهد الدراسات المختبرية لمرض البلهارسيا الاستوائي. وكانت المرة الأولى في حياته، بحسب ما يذكر، التي يُمنح فيها بطاقة تأمين صحي: "كانت سعادتي كبيرة، وشعرت براحة كبيرة كوني مؤمّناً صحياً". حصل غيبريسوس عام 2017 على أرفع الجوائز الدنماركية التي تمنحها مؤسسة "دانيدا" للتعاون الدولي ومساعدة الدول النامية، التابعة للخارجية الدنماركية. ومن خلال تلك المؤسسة بالذات، حصل الشاب على منحته الدراسية في كوبنهاغن في أواخر الثمانينيات. عبّر خلال تسلمه الجائزة عن امتنانه للدنمارك: "كانت أياماً سعيدة لي في كوبنهاغن، أيام إنتاج جعلت مني شخصاً أفضل في مجال العلوم". وفي جعبة الرجل، بغض النظر عن الآراء التي انطلقت بحقه، على خلفية الأصل واللون و"الجرأة أو فقدانها أمام تصارع القوى الكبرى حتى في المسائل الطبية" تحصيل علمي في العلوم الصحية، بدرجة دكتوراه، وماجستير في الأمراض المعدية من جامعة "لندن".
وقبل أن يشغل مشارق الأرض ومغاربها بظهوره التلفزيوني المستمر منذ أشهر، بعد تحول فيروس كورونا الجديد إلى وباء عالمي، شغل في بلده إثيوبيا مناصب رفيعة، لعلّ أهمها وزارة الصحة، التي جعلته شخصاً معترفا به بعد تحويله النظام الصحي في بلده الفقير إلى نظام ناجح، مع محاولات لإدخال تجارب دول متقدمة في مجال تغطية الضمان الصحي لكلّ مواطني بلده، بالترافق مع إصلاحات كبيرة، كي تتمكن أديس أبابا من إتاحة رعاية صحية، ومعالجة حتى المرضى نفسياً الذين لم يكونوا يحظون بأيّ مساعدة هناك.
ولد غيبريسوس في أسمرة (باتت عاصمة إريتريا بعد انفصالها عن إثيوبيا) وهو مواطن إثيوبي رسمياً. انضم في أواخر عشرينياته إلى "الجبهة الشعبية لتحرير شعب تيغراي"، التي قاتلت وأسقطت، مع قوى أخرى، في عام 1991، نظام منغستو هيلا مريام، الشيوعي، الذي اعتبرته معظم الحركات المعارضة له نظاماً ديكتاتورياً، وكان مدعوماً من الاتحاد السوفييتي طوال فترة حكمه. كان في دراسته في الدنمارك في ذلك الحين، لكنّ التغيير السياسي، سمح له بعد عودته إلى إثيوبيا، بالتدرج في مناصب عدة حتى وصل إلى رتبة وزير الصحة عام 2005 في بلد يعاني من اكتظاظ سكاني وفقر كبير. وأُخذ عليه، وفقاً لتقارير تناولت مسيرته، أنّه حاول ثني الصحافيين عن الإبلاغ عن تفشي الكوليرا في بلده. وحقق في فترته كوزير صحة حتى عام 2012 نقلة نوعية في إنشاء 16 ألف مركز صحي، بعدما كان العدد فقط 3500 عام 2005، وانخفض معدل وفيات الرضّع بمقدار الثلثين، وارتفع عدد موظفي القطاع الصحي من 16 ألفاً إلى 115 ألفاً. وواجهت وزارته بنجاح أمراضاً فتاكة، كالسلّ والملاريا ونقص المناعة المكتسبة. واعتبر الرجل ما حققته اثيوبيا في قطاعها الصحي "نموذجاً يمكن أن تحتذيه أفريقيا". وفي فترة تسلمه منصب وزير الخارجية، من 2012 إلى 2016، أصر الرجل على مشروع بلده في بناء سدّ النهضة، ولعب دوراً كبيراً في إقناع دول أفريقية وعالمية بدعم موقف بلاده في مواجهة موقف مصري ضعيف، حتى اليوم.
في مايو/ أيار 2017 كان أول أفريقي يصل إلى منصب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية. وعند تقديم ترشحه، تحدث الرجل بتأثر عن فقدان أخيه الصغير بمرض الحصبة، إذ يموت كثيرون من أطفال أفريقيا قبل بلوغهم سنّ الخامسة بأمراض عدة من بينها الحصبة. واعتبر أنّه نجا بأعجوبة من الموت بأحد تلك الأمراض المنتشرة في قارته. لقي الرجل تعاطفاً كبيراً بين الوفود التي صوتت له في جنيف، ليعتلي الخمسيني، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أهم المناصب العالمية في زمننا الحالي؛ زمن وباء كورونا.
صحة وسياسة
التهجمات الأخيرة، التي طاولته هو والمنظمة الدولية، تمثل ضربة لفلسفته التي تقوم على أنّ "من غير الممكن مواجهة الجائحة من دون تعاون كلّ الـ194 بلداً التي تضمها المنظمة حول العالم، فذلك التعاون شرط للتفوق على الفيروس". ودافع عن تحركاته في زيارة الصين أستاذ قانون الصحة العالمية في جامعة "جورج تاون" الأميركية، لاورنس غوستين، أنّ المديرة العامة السابقة للمنظمة، مارغريت تشان، سافرت عدة مرات إلى الكونغو الديمقراطية، لدى انتشار وباء إيبولا قبل سنوات، للتحدث مع الحكومة والمسؤولين عن قطاع الصحة. واعتبر غوستين أن "زيارة غيبريسوس الصين في بداية تفشي كورونا كانت بهدف دفع بكين إلى الشفافية وليس انتقادها، فهو يؤمن باستراتيجية التعاون الدولي لمواجهة الوباء".
التشنج الذي تشهده علاقة منظمة الصحة العالمية بواشنطن وتايوان ودول أخرى، وباستخدام خطاب سياسي قاس، يختزل بعض الغضب الكامن لدى دول كثيرة تجاه سياسات بكين التي لم تتعامل بشكل شفاف مع الوباء، وربما وقعت المنظمة ضحية سيطرة نظام شمولي على المعلومات، وتقديم تقارير مغلوطة تشير إلى أنّ الفيروس لا ينتقل بالعدوى بين البشر. وبالرغم من محاولات المنظمة الدفاع عن موقفها بأنّها حذرت في العاشر من يناير/ كانون الثاني الماضي دولاً عدة من بينها الولايات المتحدة وتايوان حول انتشار الفيروس، فوزير خارجية تايوان، جوزيف وو، ذكر أنّ بلاده لم تتلقَّ أيّ تحذير من منظمة الصحة العالمية. ونقلت "نيويورك تايمز" أنّ أصواتاً عدة في آسيا، لا سيما من اليابان، راحت تطلق على منظمة الصحة العالمية، اسم "منظمة الصحة الصينية".