طلاب خليجيون.. كراهية في ولاية إيداهو الأميركية

20 ابريل 2016
هل يعترضه أحد؟ (Getty)
+ الخط -

خلال الفترة الأخيرة، تعرّض طلاب خليجيون يتابعون دراستهم في الولايات المتحدة الأميركيّة، تحديداً في جامعة ولاية إيداهو، لتهديدات واعتداءات مختلفة. وهو الأمر الذي استنفر هيئات محليّة وأخرى رسميّة سعودية وكويتية عاملة في البلاد.

عند الفجر، يطرق أحدهم باب الدار. تنظر إليه من خلال الزجاج. لا تعرفه، ولا تعرف ماذا يريد. تخبره أنك لن تفتح له الباب، فيصرّ على البقاء في مكانه. تتركه قبل أن تعود وتنظر ثانية، فتجده على وقفته ذاتها. ويراقبك.

لن تدفعه بعيداً عنك، خوفاً من إشكالات قانونية، كذلك فأنت لا تعرف ما في جعبته من أذى. قد يكون مسلحاً. تكتفي بالتصوير لتوثيق الحالة، وبنشر تسجيل الفيديو مستعيناً بوسائل التواصل الاجتماعي، وبإبلاغ الشرطة، في انتظار تدخّل طرف ثالث ينهي لحظات الترقّب وتبادل النظرات بينكما. أنت داخل منزلك، والزائر الغريب أمام بابك.

قد يبدو هذا السيناريو مخيفاً في أيّ وقت وأيّ مكان، وربما يناسب بدايات أحد أفلام الرعب التي تنتجها هوليوود. ويزداد الأمر رهبة، عندما تعرف بأنك مستهدف في هذا المكان تحديداً. سبقت هذه الحادثة سلسلة من الاعتداءات عليك وعلى ممتلكاتك.

هذا ما حدث لمجموعة من الطلاب الخليجيين، قبل أيام عدّة، في جامعة ولاية إيداهو الأميركية الواقعة في مدينة بوكاتيلو ذات الأغلبية البيضاء عرقياً. انتهت الحادثة بوصول الشرطة إلى الموقع، واعتقال الرجل الخمسيني الواقف أمام باب منزلهم.

تُدرَج هذه الحادثة على قائمة طويلة لاعتداءات تعرّض لها طلاب سعوديون وكويتيون منذ منتصف الصيف الماضي. على مدى الأشهر الماضية، تفاقم الوضع، حتى اتخذت الملحقية الثقافية السعودية وكذلك السفارة الكويتية إجراءات لنقل الطلاب البالغ عددهم نحو 1200 طالب من بوكاتيلو. يُذكر أنهم يمثّلون 10% من طلاب الجامعة الأجانب.

الاعتداءات التي تعرّض لها الطلاب السعوديون والكويتيون، شملت لصق أوراق تحمل عبارات عنصرية على ممتلكاتهم، ودعوات إلى طردهم من المدينة، بالإضافة إلى توزيع أقراص مدمجة في بوكاتيلو تتضمن خطابات كراهية ضد الإسلام واتهامات للمسلمين بالإرهاب والتطرف. وقد سُجّلت أكثر من 50 حالة سطو على منازل الطلاب الخليجيين وتخريب سياراتهم. وهو الأمر الذي اضطر الطلاب إلى حماية أنفسهم بأنفسهم والتناوب على مراقبة ممتلكاتهم. كذلك، حدثت اعتداءات جسدية محدودة، كان آخرها تعرّض شاب عربي من غير الخليجيين، يحمل الجنسية المصرية، للضرب والطعن من قبل مجهولين، في 14 أبريل/ نيسان الجاري.

تدخّل رسميّ مختصر

في هذا الإطار، أصدر المكتب الثقافي الكويتي التابع للقنصلية العامة في لوس أنجلوس، بياناً ذكر فيه تلقيه "شكاوى عديدة من الطلبة الدارسين في مدينة بوكاتيلو والمتعلقة بالمضايقات التي يواجهونها من السكان والجامعة هناك". وقد نصح الطلبة "الذين يواجهون المشاكل مع الجامعة أو السكان، بالانتقال إلى جامعات أخرى في أقرب وقت".

من جهتها، أصدرت الملحقية الثقافية السعودية في الولايات المتحدة الأميركية، بياناً تضمّن "إشارة إلى الشكوى المقدّمة من عدد من الطلاب الدارسين في الجامعة (إيداهو ستييت) وما تضمنته من حوادث متعددة حصلت لبعض الطلبة، وأن الأمر أصبح لا يطاق في المدينة...". وتناول البيان الخيارات المتاحة أمام الطلاب والتي تشمل البقاء والدراسة "على مسؤولية الطالب الخاصة" أو الانتقال إلى مدينة أخرى لمواصل الدراسة، مع وعود بتسهيل إجراءات انتقال الطلاب. وقد اتخذت الملحقية أيضاً إجراءات تمنع إرسال مزيد من الطلاب إلى الجامعة خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى وقف منح الدراسة فيها.

وكان حاكم المدينة براين بليد قد حاول إقناع الطلاب السعوديين والكويتيين بالبقاء في المدينة خلال الشهر الجاري، مشيراً بحسب ما أفادت صحف محلية، إلى تواصله مع مسؤول سعودي في محاولة لإقناعه بإبقاء الطلاب السعوديين على أن يقوم بالمثل مع مسؤولين كويتيين. يأتي ذلك بالتزامن مع عزم الجامعة تنظيم مؤتمر داعم للطلاب "الوافدين من الشرق الأوسط"، بهدف التضامن معهم وتدارك الإجراءات التي قد تضرّ بالجامعة. وقد تحدّث بليد عن مساهمة هؤلاء الطلاب في الاقتصاد المحلي للمدينة، بما يتراوح ما بين 100 مليون و150 مليون دولار أميركي سنوياً. مبلغ يُعدّ مهماً في مدينة لا يتجاوز عدد سكانها 60 ألف نسمة.




موضوع إعلامي دسم

وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية قد تطرقت إلى وضع الطلاب السعوديين والكويتيين في المدينة، في تقارير عدّة. على سبيل المثال، نشرت في مارس/ آذار الماضي تقريراً تناول التغيّرات الاقتصادية والاجتماعية التي واكبت تدفّق الطلاب السعوديين والكويتيين إلى المدينة خلال السنوات القليلة الماضية. وأشار التقرير إلى شكوى مسؤولين في الجامعة من تأثير رحيل الطلاب السعوديين والكويتيين عنها، مؤكدين أنهم "يستعدّون للأسوأ" خصوصاً مع مغادرة 100 طالب خلال الفصل الماضي، وهو ما أدّى إلى خسارة الجامعة مليونَي دولار، كرسوم تسجيل فقط.

إلى ذلك، لفتت "نيويورك تايمز" في تقريرها إلى شكاوى أساتذة جامعيين من أنّ هؤلاء الطلاب حمّلوهم "عبئاً إضافياً بسبب ضعفهم في اللغة الإنجليزية، الأمر الذي يتطلب جهوداً إضافية بعد الفصول الدراسية". كذلك، "يظنّ الأساتذة أنّ الطلاب لا يملكون خلفية مناسبة في الرياضيات والفيزياء"، بالإضافة إلى اتهام بعضهم للطلاب الخليجيين بـ "الغشّ". ووصل الأمر بالجامعة بحسب الصحيفة، إلى شراء كاميرات وتطبيقات برمجية للتأكّد من أمانة الطلاب الأكاديمية.

لا تبدو المبررات مسوغاً كافياً لما يحدث للطلاب الخليجيين في الجامعة، في حال افتراض دقّة هذه الاتهامات، لا سيما مع حرص الجامعة على بقاء الطلاب. حتى لو أتى حرصها لأسباب اقتصادية، إلا أنّ من شأنه التأثير على سمعتها الأكاديمية، إذا صدقت هذه المزاعم حول هؤلاء الطلاب الخليجيين.

وفي تقرير آخر نشرته "نيويورك تايمز" في 14 أبريل/نيسان الجاري، أشارت إلى حوادث السطو والكراهية التي يتعرض لها الطلاب الخليجيين في المدينة. وذكرت تعرّض 50 منزلاً عائداً لـ "شرق أوسطيين" لحوادث سطو، بالإضافة إلى بيانات للشرطة بيّنت "وقوع 17 حادثة تخريب لسيارات، يعود معظمها لشرق أوسطيين". وقد وصف أحد الطلاب السعوديين في حديث إلى الصحيفة المذكورة، الأوضاع في المدينة بـ "المرعبة"، مشيراً إلى خمس حالات سطو على منازل طلاب خلال صلاة الجمعة الأسبوع الماضي. بالنسبة إليه، فإنّ حالات السطو "تستهدف الطلاب المسلمين بشكل متعمد".

من جهته، أشار رئيس رابطة الطلاب العرب في المدينة نزار النجيدي في لقاء تلفزيوني، إلى صعوبة مغادرة المدينة حالياً بسبب اقتراب موعد اختبارات نهاية الفصل الدراسي الحالي التي تبدأ بعد ثلاثة أسابيع، مؤكداً أنّ الطلاب الكويتيين والسعوديين بأكثرهم سوف يتركون الجامعة بعد نهاية الفصل الدراسي الجاري.

بهدف مواجهة الاعتداءات التي يتعرّض لها الطلاب السعوديون والكويتيون، نظّمت الجامعة اجتماعاً الخميس الماضي، ضمّ إلى المدعية العامة العليا في ولاية أيداهو وممثل عن مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي "إف بي آي" والمدعي العام في بوكاتيلو، مجموعة من الطلاب السعوديين والكويتيين في الجامعة ومسؤولين فيها. وقد ناقش المجتمعون التهديدات التي يتعرّض لها الطلاب الخليجيون أخيراً، فيما قدّمت المدعية العام في الولاية وعوداً للطلاب بمتابعة الأمر مع شرطة المدينة من أجل وضع حد لتلك الاعتداءات.