لم تتمكن الدول الأوروبية بعد من التعامل كما يجب مع المهاجرين. فهؤلاء الهاربون من أزمات بلادهم، يجدون أنفسهم محرومين من حقوق كثيرة في بعض الدول، لا سيما حق اللجوء، بانتظار تقرير مصيرهم
تتواصل عذابات طالبي اللجوء داخل بعض دول الاتحاد الأوروبي، بينما ينتظرون البتّ بطلبات لجوئهم أو لمّ شملهم مع أقاربهم في بلدان أخرى، إذ يعانون من أوضاع مأساوية ومعاملة غير إنسانية ولا أخلاقية وتجاوزات قانونية في بلدان مثل المجر وإيطاليا واليونان حيث يتكدس الآلاف منهم في الشوارع والمخيمات.
في اليونان، ما زالت مخيمات المهاجرين تعاني من تزايد أعدادهم، فمع تحسن الطقس، ارتفعت أعدادهم بوصول الآلاف منهم عبر تركيا الى الجزر اليونانية خلال شهر مايو/ أيار الماضي، بحسب وكالة الأنباء الألمانية. ذكرت الوكالة أنّه خلال الأيام العشرة الأخيرة من مايو/ أيار الماضي وصل نحو 1230 مهاجراً، وهذا ما زاد من الاكتظاظ في ما يعرف بالنقاط الساخنة أو مراكز الاستقبال الأولية في جزر ليسبوس وساموس وخيوس وكوس، وفاقت الأعداد كلّ التوقعات وفق ما أفادت قوات خفر السواحل فيها. ويوجد هناك نحو 15.600 طالب لجوء ينتظرون مصيرهم، مع العلم أنّ المخيمات وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لا تستوعب أكثر من 9 آلاف شخص. ولتقليص العدد، تعمد السلطات اليونانية إلى نقلهم باتجاه مراكز في الداخل اليوناني. ووصل منذ بداية العام الجاري، حتى نهاية مايو/ أيار الماضي نحو 13.600 مهاجر وفقاً للمفوضية.
معاملة غير إنسانية
ما زاد الوضع سوءاً كان رفض السلطات الألمانية مئات طلبات لمّ الشمل، ففي الأشهر الأولى من هذا العام، رفض المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا 472 طلباً من أصل 626 طلب لمّ شمل لأسر من اليونان، وفق ما بينت التقارير. وجاء نشر الرقم في إطار ردّ من وزارة الداخلية على استفسار من حزب اليسار.
في خضم ذلك، كانت معاناة المهاجرين الإنسانية محلّ انتقاد وجهه المجلس الأوروبي تجاه المجر، إذ حذر المجلس من حال الطوارئ غير المبررة المفروضة على المهاجرين في المجر، من خلال وضعهم خلف أسوار شائكة مع تقديم القليل من الغذاء والترحيل السريع وطرد عناصر الشرطة لهم، إذ لم يجرِ قبول سوى سبعة طلبات لجوء فقط منذ سبتمبر/ أيلول 2018 إلى يناير/ كانون الثاني 2019 ولأسباب سياسية، بحسب مفوضة حقوق الإنسان، في المجلس الأوروبي، دنيا مياتوفيتش.
كذلك، فإنّ المفوض السامي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، تحدّث عن عمليات طرد من المجر، وعن أنّ أفراداً نقلوا ليلاً إلى الحدود مع صربيا حيث واجهوا مصيراً مجهولاً. وهو ما كشفه أيضاً عضو لجنة هلسنكي لحقوق الإنسان، في المجر، أندرياس ليدرر، مشيراً إلى أنّهم يوجدون حالياً في منطقة العبور بين البلدين، مضيفاً أنّ هناك نحو 200 شخص آخرين في هذه النقطة مهددون بمواجهة المصير نفسه. وطالب بإعادة النظر في طلبات لجوئهم، لأنّ إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية صعبة، وهناك خطر على حياتهم، فيما صربيا ترفض معظم حالات اللجوء، وتشير إلى أنّ دخول المهاجرين عنوة إلى أراضيها يشكل خرقاً للقانون وقد يعرضهم لعقوبة السجن. وأبدى غراندي امتعاضه في تعليق أخير عبر "تويتر": "إنّ عدم درس الحكومة المجرية حق أسر باللجوء مروع، ويشكل مخالفة صارخة للقوانين الدولية وقانون الاتحاد الأوروبي"، معتبراً أنّ "ما يحدث في المجر يسلط الضوء على مخاوفنا العميقة".
إلى ذلك، أعربت مياتوفيتش عن قلقها إزاء الاستخدام الواضح للعنف ضد المهاجرين وطالبت بالتحقيق في جميع الحوادث، كما اشتكت من صعوبة الحصول على اللجوء في المجر، نظراً لاعتراف السلطات فيها بصربيا كدولة آمنة، ولا يمكن تقديم طلب الحماية إلّا للأشخاص الذين وصلوا من منطقتي العبور على الحدود الصربية، قبل أن تطالب الحكومة المجرية بأن تضع حداً فورياً لهذه المعاملة غير الإنسانية، خصوصاً تجاه المهاجرين القاصرين ممن يعامَلون معاملة البالغين، ويُحتجزون في الأماكن نفسها، ما يمثل انتهاكاً لاتفاقية حقوق الطفل، والتي تنصّ على وضع القاصرين تحت حماية خاصة. في المقابل، أشارت الحكومة المجرية في ردّها إلى أنّ سبب حالة الطوارئ له ما يبرره، وهي الأعداد الكبيرة من المهاجرين في البلدان المجاورة لصربيا والبوسنة والهرسك وشمال مقدونيا، وهو ما لا ينتهك القانون الدولي أو الأوروبي.
يأتي ذلك فيما بدأ الاتحاد الأوروبي في سبتمبر/ أيلول الماضي إجراءات جنائية ضد الحكومة المجرية بسب السياسة التقييدية لسياسة اللجوء بعد انتقادات متكررة من الاتحاد الأوروبي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمات حقوق الإنسان، وهذا ما قد يعرضها لسحب حق التصويت في المجلس الأوروبي وفقاً للمعاهدة التي تنص على أنّ هذا الإجراء يصبح ممكناً في حال انتهكت دولة ما وبشكل منهجي القيم الديمقراطية الأساسية للاتحاد.
انتهاك الحق في السكن
في إيطاليا، يعاني كثير من المهاجرين، خصوصاً من أعادتهم ألمانيا العام الماضي، من خطر فقدانهم أماكن سكنهم وفق بحث لمجلة "مونيتور". توضح أنّ في إيطاليا من السهل أن يفقد طالب اللجوء حقه في السكن بسهولة وهذا ما يواجه الآلاف من المهاجرين الذين ينتهي بهم المطاف في الشارع، من دون أيّ قدرة على المطالبة بالسكن أو الطعام أو الرعاية الصحية، وهو ممكن بحسب القانون الإيطالي، إذ إنّ ترك طالب اللجوء المسكن الجماعي لفترة قصيرة من دون إبداء الأسباب، يسمح بسحب حقه في الإقامة.
وبحسب التحقيقات فإنّ ما لا يقل عن 40 ألف لاجئ فقدوا حق المطالبة بالإقامة ما بين عامي 2016 و2017 في عدد من المحافظات الإيطالية. وهذا النوع من الممارسات مستمر حتى اليوم في مختلف المدن الإيطالية ويعاني منه العائدون إلى إيطاليا من ألمانيا، عملاً باتفاقية دبلن، وتؤكده منظمات الإغاثة، مثل "أطباء بلا حدود". في هذا الإطار، طالب البعض الحكومة الألمانية بوقف إعادة المهاجرين إلى إيطاليا إلى حين تغير الأوضاع في الأخيرة، مع ما يعانيه هؤلاء من تشرد وتصرفات تمس الكرامة الانسانية التي يعاني منها المهاجرون المشمولون باتفاقية دبلن.
من جهة أخرى، لم يتردد أحد مناهضي العولمة، الباحث جان زيغلر، في مقابلة مع جريدة "دي تسايت" الألمانية أخيراً، وهو الذي زار مخيم موريا للمهاجرين في اليونان بصفته نائباً لرئيس لجنة الخبراء التي تقدم المشورة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في اتهام الاتحاد الأوروبي بأنّه يريد أن يبقي الوضع على ما هو عليه. وبعدما عايش وضع المخيم أطلق في الواقع صرخة أنّ "الناس يعيشون هنا مثل الحيوانات... وهم يقيمون في أكواخ من دون صرف صحي وبلا أمل". وانتقد إجراءات النقل السريعة التي يخضع لها المهاجرون في تلك المخيمات، باتجاه المراكز غير الرسمية حول بساتين الزيتون، وحيث يوجد الآلاف من دول مثل العراق وأفغانستان وسورية في بيوت بلاستيكية مؤقتة.
يشرح زيغلر أنّ في المخيم أكثر من 100 شخص يتشاركون المرحاض نفسه مع الافتقار للمياه الساخنة، كما أنّ الطعام غير صالح للأكل وتقدمه شركات تحضير الوجبات نيابة عن السلطة، كذلك تغيب المدارس، وهناك نقص في الرعاية الصحية ولا يوجد في المخيم غير طبيبين لكلّ خمسة آلاف شخص. كذلك، يضاف البؤس النفسي بسبب الوضع المادي والاجتماعي المتردي. وبينما تتأخر الإجراءات الإدارية عادة تمارس الأجهزة الأمنية السلطة الحقيقية على المهاجرين، لا السلطة القضائية، علماً أنّ هؤلاء يعانون من الاضطهاد والخوف والفقر والقهر والظلم في بلدانهم ولا يمنحون الحق والفرصة لشرح أوضاعهم كأنّ السلطات اليونانية تستند الى محاكم مبرمجة لرفض طلبات اللجوء، بالرغم من محاولة مجموعة من المحامين الشباب اليونانيين مع المنظمات غير الحكومية لتقديم اعتراضات في أثينا.
يقترح زيغلر تفكيك مخيم موريا، لأنّ الوضع فيه يشكل جريمة ضد الإنسانية، وبعدها يصبح المهاجرون أحراراً ويمكنهم الحصول على إجراءات لجوء دستورية قانونية في أوروبا. وينتقد كيف تختفي ملايين الدولارات المخصصة لإطعام المهاجرين مع النقص في الكفاءات التنظيمية ومن بينها خيام الطوارئ، ويشير الى أنّ اليونان تقدمت بطلب خلال إبريل/ نيسان الماضي إلى الاتحاد الأوروبي تطالبه بتوزيع 20 ألف شخص من المهاجرين على أراضيها، على الدول الأعضاء ولم تتلق أثينا أيّ ردّ.