الأدمغة تهرب من تركيا ولا تعود

18 أكتوبر 2017
محاولة الانقلاب من دوافع الهجرة (أوزان كوزي/ فرانس برس)
+ الخط -

 
بالرغم من النمو الكبير الذي شهدته تركيا في مختلف المجالات بما في ذلك قطاع التعليم العالي، إلاّ أنّها ما زالت تعاني من هجرة كبيرة للأدمغة تزايدت بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، متأثرة بالعوامل السياسية الداخلية والظروف المحيطة بتركيا. 

في الوقت الذي لا تتواجد فيه أيّ إحصائيات حكومية تركية، يشير التقرير الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، إلى أنّ تركيا على الرغم من تصنيفها من الدول المصدّرة للعمالة غير المدرّبة، فإنّها في السنوات الأخيرة شهدت هجرة في قوة العمل ذات التعليم المرتفع سريعاً. ومنذ نهاية 2011 وصل تعداد المواطنين الأتراك الذين هاجروا من تركيا للعمل في دول المنظمة إلى مليون و281 ألف شخص. وعند مقارنة الرقم بالأرقام المتوفرة من عام 2001 فإنّ نسبة الزيادة وصلت إلى 25.3 في المائة. وبينما غادر تركيا عام 2001 تسعة وتسعون ألفاً و500 شخص من القوة العاملة ذات التعليم المرتفع، فإنّ الرقم شهد عام 2011 زيادة بنحو 83 في المائة إذ وصل الرقم في ذلك العام وحده إلى 182 ألف شخص، كما ارتفعت نسبة المهاجرين من ذوي التعليم المرتفع بين الرجال بنسبة 69 في المائة، وكانت أكبر في صفوف النساء إذ بلغت 82 في المائة.
وتتجه الأدمغة التركية بشكل رئيسي إلى كلّ من ألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وهولندا.

يترافق ذلك مع ازدياد عدد الطلاب الجامعيين الأتراك خارج البلاد، وبحسب إحصائيات البنك الدولي فإنّ تركيا تحتل المرتبة 11 بين الدول الأكثر إرسالاً للطلاب إلى خارج البلاد.
في هذا الإطار، تؤكد أستاذة الاقتصاد في جامعة "الشرق الأوسط التقنية" في العاصمة التركية أنقرة، أيشت تانسيل، الباحثة في مجال هجرة الأدمغة التركية، أنّ "أحد أهم أسباب هجرة الأدمغة التركية عدم الاستقرار الاقتصادي وكذلك السياسي الذي أعقب المحاولة الانقلابية في منتصف يوليو/ تموز 2016، ما أعاد فكرة الحياة خارج البلاد إلى الأذهان". تضيف: "كذلك، فإنّ إمكانيات الجامعات التركية ما زالت محدودة مقارنة بتلك التي في أوروبا الغربية والولايات المتحدة".

من جانبه، يشير أستاذ العلوم المالية أوزغور دميرتاش من جامعة "صابانجي" المرموقة في مدينة إسطنبول، والذي عمل في الولايات المتحدة لمدة 15 عاماً، إلى أنّ أحد الأسباب المهمة أيضاً لهجرة الأدمغة، يتمثل في الدخل المرتفع للأكاديميين في الخارج. يفسر: "الأمر يتعلق بذلك بعد الاستقرار السياسي والاقتصادي والظروف الأكاديمية. فعلى سبيل المثال، أيّ أستاذ مساعد في المالية في الخارج يحصل على دخل سنوي يبلغ 250 ألف دولار أميركي أي نحو مليون ليرة تركية. أما أستاذ الكرسي فيصل دخله إلى نصف مليون دولار سنوياً. وهو ما لا يحصل عليه الأكاديمي في تركيا إذ لا يتجاوز راتب الأستاذ المساعد 120 ألف ليرة سنوياً، كما أنّ النظام الأكاديمي التركي يجبر الأكاديميين على التقاعد من الجامعة في سن 65 عاماً، وهو ما لا يجري في الولايات المتحدة، إذ في إمكان الأكاديمي هناك توقيع عقد مدى الحياة، يسمح له بممارسة العمل حتى آخر يوم في عمره".

بدوره، يقول أحمد مولود أوغلو، خريج قسم إدارة الأعمال في جامعة "قدير" في إسطنبول، المقيم حالياً في ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية إنّه ذهب إليها ليكمل دراسة الماجستير بعدما حصل على منحة، ولم يكن في باله الاستقرار هناك. لكنّه يضيف: "الآن أبحث عن عمل في كاليفورنيا، وأود أن أكتسب المزيد من الخبرات، لتحسين فرصي في الحصول على عمل لائق في تركيا لاحقاً، إذ يكفي أن تكتب على السيرة الذاتية أنّك تخرجت وعملت في الولايات المتحدة حتى تحصل على عمل في أفضل الشركات التركية".



عانى الأكاديميون والمؤسسات التعليمية التركية من ضغوط كبيرة بسبب القرارات القاسية التي اتخذتها الحكومة التركية بعد المحاولة الانقلابية عام 2016، إذ تشير إحصائيات منظمات المجتمع المدني إلى فصل 5247 أكاديمياً من 117 جامعة تركية، منهم من اتهم بالتعاون مع حركة فتح الله غولن التي أغلقت الحكومة عشر جامعات تابعة لها، أو هم من اليساريين المتعاطفين مع حزب العمال الكردستاني، ممن وقعوا عريضة من أجل السلام، بعد انهيار المحادثات بين الحكومة التركية والحزب.

من جانبها، تؤكد رئيسة مركز الاستعلامات الخاص ببرنامج التبادل الأكاديمي (الألماني) في مدينة إسطنبول ويبكة باخمان ارتفاع عدد الطلاب الراغبين في الدراسة في ألمانيا وكذلك الأكاديميين الراغبيين بالتوجه إليها لأغراض بحثية.

تزايد هجرة الأدمغة التركية في الأعوام الأخيرة يتناقض مع الفترة بين عامي 2006 و2012 التي شهدت موجة كبيرة من عودة الأدمغة وذوي الكفاءات إلى البلاد. تشير الدراسة التي أجرتها المؤسسة التركية الأوروبية لأبحاث الاقتصاد والتعليم، أنّ 253 ألفاً معظمهم من ذوي التعليم العالي عادوا من ألمانيا إلى تركيا في تلك الفترة، وتمكنوا من الاندماج والحصول على وظائف جيدة، لكنّ الأمر تغير منذ 2014 تحديداً فالعائدون افتقدوا الشعور بالرضا، بل هاجر 90 ألفاً منهم بالذات مجدداً إلى ألمانيا.

دلالات
المساهمون