تسعى شبكات التهريب في تونس، إلى الاستفادة من أزمة الغذاء في ليبيا بتنشيط التجارة الموازية، خاصة مع حلول شهر رمضان، بينما تشهد حركة تبادل السلع المنظمة توقفاً تاماً منذ إغلاق المعابر الحدودية من الجانبين، في منتصف مارس/آذار الماضي، في إطار إجراءات لكبح انتشار فيروس كورونا الجديد.
ولم يكن تهريب المواد الغذائية قبل كورونا من القطاعات النشيطة، مقارنة بتهريب البنزين والمواد الإلكترونية والمفروشات، غير أن الأزمة الحالية غيرت خيارات تجار السوق السوداء، وفق ما أكد الناطق الرسمي باسم الجمارك التونسية، العميد هيثم زناد، في تصريحات لـ"العربي الجديد".
وتعتبر مدينة وازن الليبية نقطة التقاء المهربين من الجانبين، حيث يتم إجراء الصفقات بتبادل السلع، وتوجد هناك صهاريج كبيرة أعدها السكان لتخزين الوقود بغرض نقله إلى التجار التونسيين على الجانب الآخر مقابل الحصول على السلع التونسية.
لكن الناطق الرسمي باسم الجمارك التونسية، قال إن الجمارك تشدد المراقبة على المعابر الحدودية والمسالك الصحراوية، تحسبا لازدهار تهريب الغذاء خلال شهر رمضان، مؤكدا أن مصالح الجمارك حجزت منذ بداية جائحة كورونا شحنات من مختلف السلع الغذائية، كان المهربون ينوون إيصالها إلى ليبيا.
وأوضح أن الغذاء المحجوز، بحسب آخر بيانات لدى الحرس الديواني، تتمثل في الأجبان والبقوليات الجافة والزيت النباتي المدعم والمعجنات.
وأوقفت أزمة كورونا صادرات الغذاء التونسي إلى ليبيا، بعد تعطيل المعابر البرية بين البلدين، وإعطاء الأولوية لتغطية احتياجات السوق المحلية. ويأتي ذلك رغم أهمية السوق الليبية للمصدرين التونسيين، خاصة في مجالي الأغذية ومواد البناء.
ولم تسجل المعابر الحدودية في وازن الذهيبة ورأس الجدير منذ 17 مارس/آذار الماضي، أي عبور لشاحنات الغذاء. وأكد المدير الجهوي للتجارة في محافظة مدنين الحدودية، توفيق الفرشيشي، لـ"العربي الجديد"، أن حركة نقل السلع بمختلف أصنافها بين تونس وليبيا توقفت تماما، موضحا أن آخر عملية تجارية جرت كانت في بداية الشهر الماضي.
وتمثل السوق الليبية أرضا خصبة لمهربي السلع الغذائية، خاصة في ظل المخاوف المتزايدة من تصاعد تداعيات انتشار فيروس كورونا في البلد الذي يشهد صعوبات معيشية بالأساس، في ظل الحرب التي يخوضها اللواء المتقاعد خليفة حفتر ضد حكومة الوفاق الوطني في طرابلس المعترف بها دولياً.
وتتزايد الصعوبات مع الخلاف المالي بين حكومة الوفاق والمصرف المركزي حول عدد من قضايا الإنفاق، والتي أدت إلى تعطيل إجراءات استيراد بعض السلع في الآونة الأخيرة.
وقال الخبير الاقتصادي التونسي، مراد سعد الله، إن "المهربين يجيدون استغلال الأزمات، فالسوق الموازية تنتعش في مثل هذه الظروف الصعبة، ما يرجّح إمكانية ازدياد معدلات تهريب الغذاء في شهر رمضان".
وأضاف سعد الله أن القطاع الموازي يعيش من النشاطات الموسمية في جزء كبير منه، ويتميز بالتأقلم السريع مع التطورات المستجدة، بما فيها أيضا الأزمة التي تشهدها تونس جراء تداعيات كورونا مثل أغلب بلدان العالم.
وتابع أن الكسب في زمان الأزمات يمكن أن يكون مضاعفا في هذه الفترة بالنسبة للمهربين الذين يسعون إلى اقتناص الفرص عبر توفير احتياجات السوق الليبية من مواد غذائية في شهر رمضان بعد توقف نشاط التصدير المنظم.
وأكد ضرورة أن يكون للنشاط التجاري المنظم نصيب من "مزايا" الأزمة بتصدير فوائض المنتجات الزراعية والغذائية نحو البلدان التي تشكو من نقص المواد التموينية، بما في ذلك ليبيا التي تمثل سوقا مهمة للصناعات الغذائية التونسية ولصادرات القطاع الزراعي.
وكانت وزارة الزراعة التونسية قد أعلنت مؤخرا، أن المجمع المهني المشترك للغلال (مجمع حكومي) وناقلة بحرية خاصة اتفقا على إحداث خط بحري مباشر بين ميناء صفاقس التونسي وميناء طرابلس، بداية من 26 إبريل/نيسان الماضي، لتصدير الفواكه التونسية.
ومن المرجح أن تزيد الضغوط المالية التي تتعرض لها تونس من إجراءات فتح باب تصدير السلع، خاصة أن فيروس كورونا واسع الانتشار تسبب في أضرار بالغة لقطاع السياحة، الذي يمثل نحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأظهرت رسالة وجّهتها الحكومة التونسية إلى صندوق النقد الدولي، في وقت سابق من الشهر الماضي، أن قطاع السياحة مهدد بخسائر قد تصل إلى أربعة مليارات دينار (1.4 مليار دولار)، وفقدان 400 ألف وظيفة بسبب تداعيات الوباء، متوقعة أن ينكمش الاقتصاد بأكثر من 4.3 في المائة خلال العام الجاري، 2020، في أسوأ ركود منذ استقلال البلاد في 1956.
وبفضل صادرات الغذاء، كانت ليبيا قبل عام 2011 الشريك الاقتصادي الثاني لتونس، حيث وصل رقم المعاملات إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار، قبل أن يهبط إلى نحو 800 مليون دولار سنويا، وفق آخر بيانات رسمية.
وعام 2011 إبان الثورة الليبية، استفادت تونس من تصدير الغذاء نحو ليبيا بطرق نظامية وأخرى موازية، حيث تضاعفت الصادرات حينها 4 مرات مقارنة بعام 2010.
وفي سبتمبر/أيلول 2018، تم التوصل إلى اتفاق تونسي ليبي، لاعتماد آلية تقوم بمقتضاها ليبيا بتوريد النفط الخام إلى تونس مقابل تصدير السلع التونسية إلى طرابلس.
وبالإضافة إلى نفاذ المنتجات التونسية إلى ليبيا عبر التصدير، يقبل الليبيون على التزود من تونس، ولا سيما المدن الحدودية، في إطار رحلاتهم السياحية البرية إلى المدن التونسية.
وتراقب مصالح وزارة التجارة التونسية في مدن الجنوب، بشكل يومي، مستوى الطلب على الغذاء لضمان انتظام الإمدادات من دون فسح المجال للمضاربين لتخزين كميات كبيرة من المواد الاستهلاكية القابلة للتصدير.
وفي مقابل استفادة أنشطة التهريب وتضرر القطاعات الرسمية، تتصاعد مطالب القطاعات الاقتصادية المختلفة باستئناف النشاط بعد انقضاء فترة الحجر الصحي الشامل المحددة بنهاية الرابع من مايو/أيار المقبل.
وأعلن مهنيون في عدد من القطاعات الخدمية التزامهم التام بالشروط الصحية التي ستضعها الحكومة في كراسات شروط، داعين إلى إنهاء الحجر الصحي الشامل مع تحسّن الوضع الوبائي في البلاد وانحسار العدد اليومي للإصابات بفيروس كورونا.
وطالبت منظمة رجال الأعمال، منذ منتصف إبريل/نيسان، في بيان لها، بضرورة العودة التدريجية للعمل، مع تأكيدها وجوب توافر جميع شروط الصحة والسلامة في المؤسسات لحماية العنصر البشري.