مصر وإسرائيل والغاز.. تطبيع وخراب ديار

06 ديسمبر 2015
غرامات ضخمة رغم التطبيع بين مصر وإسرائيل (فرانس برس)
+ الخط -

 

هل أدركنا الآن أبعاد جريمة تصدير الغاز المصري لإسرائيل عقب الحكم الصادر اليوم، الأحد، لصالح إسرائيل، ويقضي بمنحها تعويضاً تقدر قيمته بنحو 1.67 مليار دولار (أي ما يعادل 13.3 مليار جنيه) بسبب توقف ضخ الغاز منذ  عام 2012؟

نحن لم نعد نتحدث فقط عن خسارة فادحة تعرّض لها الاقتصاد المصري والموازنة العامة للدولة، على مدى سنوات، بسبب تصدير غاز مصر لدولة الاحتلال بأبخس الأسعار، علماً بأن هذه الخسائر تعد ضخمة حيث قدّرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بنحو 10 مليارات دولار في الفترة من عام 2005 إلى عام 2010، في حين قدرتها مصادر أخرى، من بينهم مساعد وزير الخارجية السابق، السفير إبراهيم يسري، بنحو 45 مليار دولار.

ولا نتحدث هنا أيضاً عن جريمة أخرى أخطر تفوق خسائرها الخسائر الناجمة عن بيع الغاز المصري لتل أبيب بثمن بخس، ألا وهي جريمة التنازل عن حقول الغاز والنفط، التي سطت عليها إسرائيل قبالة سواحل مصر ومياهها الإقليمية.

نحن الآن نتحدث عن خسارة ثالثة يتعرض لها الاقتصاد المصري هذه الأيام وتتمثل في تعويضات باهظة، مطلوب من مصر سدادها لشركات حكومية إسرائيلية، تحت زعم توقف شركات مصرية تابعة للدولة عن بيع الغاز للكيان الصهيوني منذ عام 2012.

اليوم الأحد، حصلت شركة كهرباء إسرائيل التابعة لدولة الاحتلال على حكم تحكيم دولي يلزم وزارة البترول المصرية، ومؤسسات تابعة لها، مثل الهيئة العامة للبترول وشركة الغاز الوطنية إيغاس  EGAS، بدفع 1.76 مليار دولار لشركة الكهرباء، تعويضا لها عن وقف إمدادات الغاز، وإذا ما أضفنا لرقم التعويض الفوائد والنفقات القانونية للدعوى المقامة من جانب الشركة الإسرائيلية و288 مليون دولار تعويضات مستحقة على شركة شرق البحر المتوسط، فإن مبلغ التعويض قد يقترب من الملياري دولار.

حكم اليوم خطير، لأسباب عدة، منها أوّلاً: أنه يفتح الباب أمام مؤسسات وهيئات إسرائيلية أخرى للحصول على تعويضات ضخمة من مصر، بزعم تعرضها لأضرار فادحة جراء وقف إمدادات الغاز واضطرارها إلى شراء الوقود بأسعار أعلى، وهو ما أثر على مركزها المالي ودفعها إلى زيادة فاتورة الكهرباء على المواطنين، وكأن مصر مسؤولة عن توفير غاز ووقود رخيص لشركات ومواطني دولة الاحتلال.

اقرأ أيضاً: تغريم مصر 1.76 مليار دولار لوقفها تصدير الغاز لإسرائيل

وثانياً: أن حكم اليوم صادر عن غرفة التجارة الدولية في باريس، وهي هيئة تحكيم دولية، وذلك بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من المناقشات والمداولات، وهو واجب النفاذ شأن كل الأحكام الصادرة عن محاكم التحكيم الدولية، لأن اللجوء للتحكيم يعني موافقة الطرفين على الحكم الصادر، وطعن الحكومة المصرية عليه، أمس، ربما يكون إجراء شكليّاً.

وثالثاً: أنه بدلاً من أن تلزم المحكمة الدولية شركة شرق البحر المتوسط للغاز EMG، التي يساهم فيها رجل الأعمال المصري الهارب إلى إسبانيا، حسين سالم، بدفع مبلغ التعويضات للشركة الإسرائيلية، غرّمت الحكومة المصرية، وكأن الحكومة هي من تعاقدت مع شركة الكهرباء الإسرائيلية، وهي المسؤولة عن وقف تصدير الغاز، علماً بأن شركة EMG هي صاحبة حق امتياز تصدير الغاز المصري لإسرائيل، وهي من أبرمت الاتفاق مع الشركات الإسرائيلية، وهي التي جنت أرباحاً بمليارات الدولارات مقابل بيع الغاز المصري لدولة الاحتلال بثمن بخس.  

قد يقول البعض: لتضرب مصر عرض الحائط بحكم التعويضات الصادر لصالح إسرائيل، ولتذهب دولة الاحتلال وشركة الكهرباء التابعة لها إلى الجحيم، ولكن دعني أذكّر هؤلاء بحكم تحكيم حصل عليه رجل الأعمال المصري الفرنسي، وجيه سياج، قبل الثورة المصرية عن سحب أرض تم تخصيصها له بسيناء، حيث حكمت غرفة التجارة الدولية بباريس له بتعويض قيمته 139 مليون دولار، وعندما رفضت الحكومة المصرية سداد التعويضات سلّم سياج مذكرة الحكم للسلطات البريطانية والفرنسية لتنفيذه، والتي قامت بدورها بالحجز على فروع البنوك المصرية بالدولتين.

حكم اليوم بصرف هذا التعويض الضخم لشركة الكهرباء الإسرائيلية هو بمثابة لغز قد يعادل لغز إصرار مصر على استيراد الغاز الإسرائيلي، رغم اكتشاف شركة إيني الإيطالية لحقل "ظهر العملاق" قبالة الساحل المصري في أغسطس/ آب الماضي، ورغم وجود بدائل كثيرة للحصول على الغاز، وربما بسعر أرخص وبتسهيلات أفضل.

خطورة حكم اليوم أنه قد يفتح الباب أمام الشركات الإسرائيلية لتكرار ما فعله، وجيه سياج، مع حكومة أحمد نظيف والمطالبة بوضع يدها على استثمارات مصر المودعة في البنوك العالمية.

هل أدركنا الآن حجم وأبعاد جريمة التفريط في ثروات مصر، التي ارتكبها نظام مبارك؟



اقرأ أيضاً:
وزير مصري: سنستورد الغاز من إسرائيل رغم الكشف الجديد
مصر تجمّد مفاوضات استيراد الغاز الإسرائيلي

دلالات
المساهمون