تتزايد وتيرة المؤشرات السلبية للاقتصاد الأميركي، في مواجهة تداعيات فيروس كورونا الجديد، الذي نال من العديد من القطاعات، ودفع الملايين إلى صفوف البطالة، في أكبر اقتصاد بالعالم، الأمر الذي يضع المستقبل السياسي للرئيس الأميركي دونالد ترامب على المحك، ما دعاه إلى تصعيد التوتر مع الصين التي حمّلها مسؤولية انتشار الجائحة، مهدداً بقطع العلاقات معها، ما يوفر لبلاده نحو 500 مليار دولار سنوياً.
وتلتهم خسائر كورونا كل المكتسبات التي حققها الاقتصاد الأميركي، والتي طالما راهن عليها ترامب لتكون أحد الأعمدة الرئيسية في حملته للحصول على فترة رئاسية ثانية عبر الانتخابات المقرر إجراؤها في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، حيث ذهب أغلب ما تحقق في نحو ثلاث سنوات أدراج الرياح في أقل من ثلاثة أشهر.
وفي أحدث حلقات تعطيل الوباء للاقتصاد، أعلنت وزارة التجارة تهاوي مبيعات التجزئة خلال إبريل/ نيسان الماضي بنسبة 16.4%، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي 2019، في أكبر انخفاض لها منذ بدء تسجيلها في أوائل التسعينيات من القرن الماضي. وأظهرت بيانات الوزارة الصادرة، الجمعة، تراجع الإنفاق الاستهلاكي الأميركي، بينما ظل الداعم الرئيس لانتعاش الاقتصاد خلال السنوات العشر الماضية.
وهوى إنفاق المواطن الأميركي، المفروض عليه البقاء في منزله، في ظل إجراءات مكافحة كورونا، بنسبة 90% على الملابس، و50% على المطاعم والمقاهي والبارات.
وتزامنت هذه المؤشرات مع بيانات أخرى صادرة عن بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي)، تظهر تراجعاً حاداً للإنتاج الصناعي بنسبة 13.7% خلال الشهر الماضي، وهو أكبر تراجع له منذ بدء تسجيله قبل أكثر من قرنٍ من الزمان، بعدما أدت أوامر "الإغلاق الكبير"، إلى هبوط الطلب لدى أغلب الشركات.
وجاءت بيانات وزارة التجارة والبنك الفيدرالي، بعد يومٍ واحدٍ فقط من إعلان وزارة العمل، يوم الخميس، انضمام ثلاثة ملايين أميركي إلى طابور المتقدمين للحصول على تعويضات البطالة، ليصل إجمالي من فقدوا وظائفهم خلال الأسابيع الثمانية الأخيرة، منذ إصدار أوامر الإغلاق في الولايات الأميركية، إلى أكثر من 36 مليون مواطن.
ومع استمرار الإضافات الأسبوعية للمتعطلين، تشير التوقعات إلى تجاوز معدل البطالة أعلى مستوياته التاريخية، البالغ 24.9%، والذي سُجِّل خلال سنوات الكساد العظيم، أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، وهو ما أشار إليه ستيفن منوشن، وزير الخزانة الأميركي، حين قال إن "معدل البطالة قد يسوء أكثر، قبل أن يتحسن".
ويراهن الاقتصاديون على تراجع وتيرة المسجلين في صفوف البطالة. فقد ذكر بنك جي بي مورغان في تقرير له أنه "على الرغم من استمرار ارتفاع أعداد من يحصلون على إعانات البطالة، إلا أن الزيادة الأخيرة هي الأقل منذ أوائل شهر مارس/ آذار الماضي"، خاصة مع بداية الفتح الجزئي لبعض الأعمال والشركات في 48 ولاية منذ نحو 11 يوماً.
وبدءاً من الأسبوع الماضي، ومع إعلان العديد من الولايات توافر أدوات اختبار الإصابة بفيروس كورونا لديها بأعداد كافية، بدأت الأماكن التي تستعين بالعمالة المؤقتة بالتواصل مع العاملين، وتشجيعهم على العودة، وفي بعض الأحيان، كما في حالة شركات النقل التشاركي، وشركات توصيل الوجبات، تقديم بعض الحوافز لتحفيزهم على النزول، إلا أن العديد منهم لم يستجب، أملاً في استمرار حصولهم على إعانات البطالة، التي تجاوزت في كثير من الأحيان ما كان يحصل عليه في أثناء عمله.
وفي إطار الجهود المبذولة لإنقاذ الاقتصاد الأميركي وتشجيع الشركات على الإبقاء على العاملين لديها، رغم تراجع الطلب وانخفاض الإيرادات، صوّت مجلس النواب، مساء الجمعة، على حزمة مساعدات تاريخية تقضي بتخصيص 3 تريليونات دولار لدعم الاقتصاد في مواجهة الجائحة.
وتشمل المساعدات دفعات جديدة مباشرة للأميركيين يمكن أن تبلغ ستة آلاف دولار لكل أسرة، ونحو تريليون دولار للولايات والمجتمعات المحلية لتؤمن أجور الموظفين العامين "الأساسيين" في المستشفيات والمدارس وغيرها.
وينص أيضاً على دفع أموال للعاملين الصحيين ومسعفي الحالات الطارئة والأبحاث حول كشف الوباء وتتبع المصابين به، ويعزز إقراض الشركات الصغيرة والأمن الغذائي للأسر الفقيرة.
ورغم اتفاق أغلب الاقتصاديين على ضرورة زيادة الدعم النقدي الحكومي لمن أجبروا على ترك أعمالهم، لمساعدتهم على الوفاء بالتزاماتهم، ولمساعدة الاقتصاد على الانتعاش من جديد بإنفاقهم، انتقد جيفري جوندلاك، الرئيس التنفيذي لشركة إدارة الاستثمار "دوبل لاين"، على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، تقديم إعانات البطالة في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن "ما يقرب من ثلثيها يذهب إلى من لا يستحقونها".
وبدأ الكثير من الشركات والمصانع باستدعاء موظفيها، لتتمكن من الاستفادة من مميزات "برنامج حماية الأجور" الذي طرحته وزارة الخزانة، ويسمح بإلغاء القرض الممنوح للشركة، واعتباره منحة لا ترد، في حالة استخدام أكثر من 75% من قيمته في دفع أجور العاملين خلال الأسابيع القادمة.
وتخشى الإدارة الأميركية من أن يسبب الوباء الذي ظهر في البداية في الصين، انهيار الاستهلاك، المحرك الرئيسي لأكبر اقتصاد في العالم، بينما يتسرب القلق كثيراً إلى الرئيس الأميركي من استمرار التداعيات الاقتصادية، ليوجه انتقادات حادة إلى بكين، وصلت إلى حد التهديد بقطع العلاقات وتوفير نحو 500 مليار دولار سنوياً لبلاده من المعاملات التجارية معها.
وقال ترامب في مقابلة مع شبكة "فوكس بيزنس" الخميس الماضي: "هناك أشياء عديدة يمكننا القيام بها... يمكننا قطع العلاقات بالكامل"، مضيفاً: "الآن، ماذا سيحدث إذا فعلنا ذلك؟ سنوفر 500 مليار دولار"، في إشارة إلى قيمة واردات الولايات المتحدة السنوية من الصين، التي كثيراً ما يصفها بالأموال المهدرة.
لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية، تشاو لي جيان، قال للصحافيين في بكين، يوم الجمعة، إن الحفاظ على علاقة ثنائية مستقرة يخدم مصالح الشعبين، وسيدعم السلام العالمي والاستقرار.
في المقابل، قال لاري كودلو، كبير مستشاري البيت الأبيض الاقتصاديين، للصحافيين، الجمعة، إن اتفاق التجارة الأميركي الصيني، الذي جرى التوصل إلى المرحلة الأولى منه في يناير/ كانون الثاني لم ينهَر.
لكنه أضاف أن الصينيين يعملون في اتجاه تعطيل الجانب الذي يخصهم من الاتفاق، والذي يتطلب من بكين زيادة مشتريات من السلع الأميركية الزراعية والسلع المصنعة والطاقة والخدمات بمقدار 200 مليار دولار على مدار عامين.
وانعكس التوتر على شركة هواوي، عملاق التكنولوجيا الصينية، التي طالما ظلت هدفاً للإدارة الأميركية خلال الحرب التجارية التي شنتها على الصين لأشهر طويلة قبل الاتفاق المبرم مطلع العام الجاري.
ودعت بكين الولايات المتحدة، أمس السبت، إلى وضع حد "للقمع غير المنطقي لهواوي والشركات الصينية"، بعدما أعلنت واشنطن إجراءات جديدة لمراقبة الصادرات من أجل تقليص حصول المجموعة العملاقة للاتصالات على أشباه النواقل.
وقالت وزارة الخارجية الصينية، في بيان، إن "الحكومة الصينية ستدافع بحزم عن حقوق الشركات الصينية ومصالحها المشروعة والقانونية"، مؤكدة أن أعمال ترامب "تدمر الشبكات العالمية للإنتاج والتموين والتقييم".
وكانت الإدارة الأميركية قد أعلنت، الجمعة، سلسلة من الإجراءات للحد من قدرة مجموعة هواوي التي تعتبرها "تهديداً للأمن القومي"، على تطوير أشباه النواقل في الخارج باستخدام التكنولوجيا الأميركية.
وقالت وزارة التجارة الأميركية، في بيان، إن "هذا الإعلان يعرقل جهود هواوي للتحايل على ضوابط التصدير". وأعلنت الوزارة أنها استهدفت "بشكل استراتيجي ودقيق للغاية عمليات شراء هواوي أشباه النواقل التي طُورت مباشرة" بفضل الدراية الأميركية في البرمجيات والتكنولوجيا.