يسعى البنك المركزي المغربي إلى تبديد المخاوف التي يثيرها اتجاه المملكة نحو التحول من نظام سعر صرف ثابت للدرهم إلى نظام مرن تحدده قوى العرض والطلب في السوق.
ومن المنتظر الانتقال إلى نظام الصرف الجديد للعملة المحلية في النصف الثاني من العام الجاري 2017، دون موعد نهائي بعد من قبل السلطات المالية.
وعلى مدى الأسبوع الماضي، عقد البنك المركزي لقاءين مع الصحافة في الدار البيضاء، وبرجال الأعمال من أجل توضيح أسباب ورهانات التحول إلى نظام سعر صرف مرن.
وكان حضور المركزي المغربي طاغياً في توضيح أسباب التحول إلى نظام صرف مرن، علما أنه كان مرافقا من قبل مسؤولين من وزارة الاقتصاد والمالية ومكتب الصرف (حكومي).
ويعتبر مسؤولو المركزي المغربي أن تحرير سعر الصرف لم يكن إذعانا لإملاءات صندوق النقد الدولي، بل كان قراراً محلياً تقتضي الظروف الاقتصادية اتخاذه.
لكن مسؤولي البنك أقروا بأن صندوق النقد يقدم المشورة للمغرب بالنظر للخبرة، التي توفرت لدى الصندوق في هذا المجال، غير أن المغرب اطلع كذلك على تجربة بلدان مثل تركيا والمكسيك وروسيا.
ويرون أن المغرب ينتقل إلى نظام سعر صرف مرن في وقت يتوفر فيه على احتياطي من النقد الأجنبي مريح، خلافاً لبلد مثل مصر، التي اضطرت لذلك في سياق تراجع احتياطها.
ويشير مسؤول في المركزي المغربي في تصريح لـ "العربي الجديد" إلى أن أساسيات الاقتصاد حالياً تشجع على هذا الانتقال (تحرير سوق الصرف)، سواء على مستوى احتياطي النقد الأجنبي أو التضخم أو عجز الموازنة.
ويصل احتياطي النقد الأجنبي لدى المغرب إلى نحو 25 مليار دولار. وتحدد قيمة الدرهم المغربي على أساس سلة مكونة بنسبة 60% من اليورو و40% من الدولار الأميركي، حيث يتحمل المركزي مسؤولية ضخ العملة الصعبة للقطاعات الاقتصادية.
ويؤكد المسؤول في المركزي المغربي، أن الاحتياطي من العملة الصعبة يتجاوز الطلب حالياً، ما يجعله قادراً على تلبية مطالب الفاعلين الاقتصاديين (المستثمرين).
غير أن احتمالات ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية بات يطرح تساؤلات حول مرونة احتياطي النقد الأجنبي وقدرته على تلبية الطلب خلال الفترة المقبلة، حيث تستورد المملكة أغلب احتياجاتها من الطاقة من الخارج.
ويقول المسؤول المصرفي إنه "يجري في الغالب اختبار وجاهة سعر الصرف الثابت في حال وقوع أزمات خارجية، وهي أزمات لا يمكن التحكم في تداعياتها على الاقتصاد الوطني".
ويشير إلى أنه من الأفضل اتحاذ قرار الانتقال إلى نظام الصرف المرن حالياً في ظل تحسن أساسيات الاقتصاد، بدلاً من الاضطرار إلى ذلك في حالة حدوث أزمة.
ويلفت مسؤولو المركزي المغربي إلى حالة مصر التي احتاجت إلى اقتراض 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، فكان من بين شروط الصندوق، إعادة النظر في نظام صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية.
ويحرص المركزي المغربي على التشديد على أن عملية تحرير العملة ستتم بشكل تدريجي وعلى مراحل، حيث ستحاط كل مرحلة بشروط وضمانات.
ويلحون على أن عملية التحرير ستستغرق عدة سنوات، حيث سيستمر تدخل المركزي المغربي في سوق العملة الذي سيكون خاضعا لقانون العرض والطلب.
غير أنه في مسار رفع اليد عن تلك السوق، سوف يحدد تدريجياً هامشاً ضيقاً لمرونة سعر صرف العملة، وهو هامش سيجري توسيعه إلى حين الوصول إلى المرونة الكاملة.
وفي سياق مسلسل المرونة، ينتظر بلورة آليات التحوط التي تمكن الشركات من التعامل مع تقلبات سعر الصرف، وهو هاجس سيسكن أكثر الشركات ذات الارتباطات الخارجية.
كما تثار العديد من التساؤلات حول تأثير تحرير سعر الصرف على القدرة الشرائية للأسر، بينما يرى مسؤولو البنك المركزي أن البنك سيحرص على التحكم في تضخم أسعار المستهلكين.
غير أنهم يراهنون أكثر على ما يمكن أن يفضي إليه هذا الانتقال من خفض الاستيراد ورفع الصادرات، وتوجيه الأسر استهلاكها نحو السلع الأساسية. ويقول إدريس الفينا، الخبير الاقتصادي المغربي لـ "العربي الجديد"، إن نظام سعر الصرف الثابت، لا يعكس القيمة الحقيقية للدرهم، وإن النظام المرن سيفضي إلى ما وصفه بـ"عقلنة السلوكيات الاستهلاكية".
ويرى الفينا أن تحقيق هذه النتيجة مشروط بتوجيه التصنيع نحو توفير سلع تتيح التخفيف من اللجوء إلى تلك المستوردة لتلبية حاجيات الأسر.
وكان عجز الميزان التجاري في المغرب وصل إلى نحو 18.4 مليار دولار بنهاية العام الماضي 2016، في ظل الأقبال الكبير على الاستيراد.
وتراجع النمو الاقتصادي في المغرب بفعل الجفاف الذي انعكس بشكل كبير على محصول الحبوب، الذي يعتبر حاسماً في الدورة الاقتصادية بالمغرب. وانخفض محصول الحبوب من 11 مليون طن في 2015 إلى حوالي 3.3 ملايين طن العام الماضي.
وجاءت نتائج الاقتصاد المغربي في العام الماضي دون التوقعات، حيث شهد النمو تراجعاً حاداً مسجلا 1.6%، ولم تتمكن الحكومة من حصر العجز كما تعهدت بذلك.
وكان وزير الاقتصاد والمالية المغربي، محمد بوسعيد، قد قال في مؤتمر صحافي نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، إن عجز الموازنة ارتفع إلى 3.9% في 2016، رغم أن الحكومة كانت تستهدف خفض هذا العجز إلى 3.5% في 2017، ثم إلى 3% خلال العام الجاري.
وبخصوص 2017، توقعت وزارة الاقتصاد والمالية أن يبلغ النمو الاقتصادي للمملكة 4.5%، ما يجعل الحكومة المنتظر تشكيلها أمام تحديات عدة للوصول إلى هذا المعدل.