المحطة الأخيرة لقطارات مصر... السيسي يُنهي 180 عامًا من خدمات النقل للفقراء

13 مارس 2018
تكرار حوادث القطارات بسبب تهالك المرفق (Getty)
+ الخط -
كان القطار في مصر أرخص وسيلة للسفر من مكان لآخر والطريق الوحيد لملايين الفقراء للانتقال من القرى حيث يقيمون، إلى المدن حيث أشغالهم ومدارسهم وجامعاتهم، والعكس، لكن هذه الخدمة التي تقدم للمصريين منذ أكثر من 180 عاماً أصبحت مهددة بعد أن وافق مجلس النواب نهائيًا، على تعديل قانون إنشاء الهيئة القومية لسكك حديد مصر، ليسمح للقطاع الخاص بالاستثمار في إدارة وتشغيل هذا المرفق، ما يفتح الباب أمام خصخصته وما يتبع هذا الإجراء من ارتفاع كبير في أسعار التذاكر.

وتأتي خطوة خصخصة السكك الحديدية كإحدى نتائج سياسة "الإصلاح الاقتصادي" التي تتبعها الحكومة وأبرز محاورها التخلي عن الدعم تحت ضغوط صندوق النقد الدولي الذي وافق على إقراض مصر 12 مليار دولار لمساندتها في تجاوز الأزمة المالية الحادة التي تواجهها.
قرار البرلمان بالسماح للقطاع الخاص بالاستثمار في السكك الحديدية الذي صدر، الأسبوع الماضي، جاء بعد أقل من 72 ساعة من حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن حاجة المرفق من 200 إلى 250 مليار جنيه مصري (الدولار = 17.6 جنيهاً)، وقوله "أنا مش هدفع حاجة من جيبي".

ذريعة الحوادث

وبدوره تلقّف رئيس مجلس النواب على عبد العال حديث السيسي، وقال في الجلسة المخصصة للتصويت النهائي على المشروع، إن "الحادث الذي وقع في البحيرة (شمال العاصمة القاهرة) لن يكون الأخير، وليس هناك مخرج من هذا النفق المظلم إلا بمشاركة القطاع الخاص"، مضيفاً أن "أي كلام عن أن الدولة تستطيع أن تدير المرفق بكفاءة يكاد يكون مستحيلا، المشاركة ثم المشاركة مثل دول عربية وأجنبية".
وأوضح مقرر لجنة المواصلات بالبرلمان خالد عبد العظيم في تصريحات صحافية، أن "القانون يستهدف تحقيق المعادلة الصعبة بإشراك القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية والمرافق العامة، بغرض التوسع في الاستثمارات، من دون المساس بطبيعة تلك المشروعات، أو كونها مرافق عامة".

وفي المقابل، يرى خبير النقل المصري ياسر الشامي في حديثه لـ "العربي الجديد" أن مشكلة السكك الحديدية تكمن في عدم كفاءة الإدارة وضعف استخدام الموارد المتاحة لتقديم أفضل خدمة ممكنة، إضافة إلى عدم وجود آليات رادعة لحساب المقصرين عن العمل. وأكد الشامي أن "المرفق لا يحتاج إلى الخصخصة بقدر حاجته إلى إدارة ناجحة، وأن إصلاح المرفق من أجل تفادي وقوع الحوادث، لا يحتاج إلى المليارات التي تحدث عنها السيسي".

رفض السيسي لدور الدولة

وكان السيسي أعلن في 14 مايو/ أيار الماضي، رفْضه تحمُّل الدولة تكلفة تطوير السكك الحديد، قائلاً "لما تقولي أصرف 10 مليارات جنيه عشان أكهرب وأعمل ميكنة للسكة الحديد، العشرة مليارات لو وضعتها في البنك وأخدت عليهم 10% فائدة هايجيبولي مليار أو 2 مليار جنيه بسعر الفائدة الحالية". وأضاف: "لما مرفق عايز أكتر من 100 مليار جنيه لرفع كفاءته في الصعيد والوجه البحري هانسده منين، هندفع قروض كوريا وفرنسا وغيرها منين، الدولة ما تقدرش تدفع".

وأشار السيسي إلى ضرورة زيادة أسعار التذاكر. وبعد وقوع حادث قطار "المناشي" في محافظة البحيرة منذ نحو أسبوعين، عاد السيسي ليكرر حديثه عن عدم قدرة الدولة على تحمل تكاليف تطوير المرفق، لكنه قال هذه المرة "أنا عايز 200 مليار إلى 250 مليار جنيه عشان أعمل سكة حديد مضبوط".
ويعود تاريخ السكك الحديدية في مصر والتي يرمز لها بـ(س.ح.م) إلى عام 1834 عندما تقدم أحد بيوت الخبرة الإنكليزية إلى والي مصر، محمد علي باشا، باقتراح لإنشاء خط سكة حديد بين مدينتي القاهرة والسويس تسير عليه القطارات بسرعة (20 - 30 كيلو متر في الساعة) وبطول 128 كيلومتر. وفي العام التالي، وصلت تجهيزات الخط صيفًا إلى مدينة الإسكندرية (شمال)، وبذلك تعتبر مصر هي ثاني دول العالم والأولى في أفريقيا في مجال إنشاء السكك الحديدية.

وفي خريف عام 1850 تقدم المهندس روبرت استيفنسن، ابن مخترع القاطرة البخارية، لحاكم مصر آنذاك عباس باشا حلمي بمشروع لإنشاء أول خط سكة حديد بين القاهرة والإسكندرية، وفي 12 يوليو/ تموز من عام 1851، وقّع مندوب عن الوالي ومندوب عن استيفنسن، العقد في قرية "كفر مجر" بمدينة دسوق.
ومنذ ذلك التاريخ الذي يقترب من القرنين، تخضع "سكك حديد مصر" إلى الملكية التامة للدولة وتتولى إدارتها منفردة. وتوالت زيادة أعداد الخطوط على مدار السنوات التالية حتى بلغ عددها 52 خطًا، في عام 2016، وأطوال الخطوط نحو 7 آلاف كيلومتر، حسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي.

وحسب تعديل القانون الذي أقرّه مجلس النواب، يسمح للمستثمرين الراغبين في الاستثمار في عقود التزام تتعلق بمكونات منظومة السكك الحديدية، وإفساح المجال نحو إبرام عقود التزام لأعمال إنشاء وإدارة وتشغيل وصيانة كافة مرافق السكك الحديدية، التي كانت حكرًا على الهيئة في القانون الحالي، بشرط أن تقتصر مدة الالتزام على 15 عامًا بدلًا من 99 الواردة في القانون الحالي.

تخوفات من الغلاء

لكن عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، عفيفي كامل، قال في تصريحات صحافية إن "مشروع القانون الذي أقره البرلمان، يطلق يد المستثمر في التحكم في تسعير خدمة السكك الحديدية دون رقيب"، مضيفًا أنه تقدم في جلسة بطلب إلى رئيس البرلمان موقع من 20 نائبا آخر، لإعادة المداولة بشأن تعديل المادة الرابعة، إلا أن رئيس البرلمان رفض الطلب بحجة أنه يستهدف تعطيل إقرار القانون.

وتنص المادة الرابعة من قانون إنشاء الهيئة القومية لسكك حديد مصر، التي وافق عليها البرلمان على أنه "يجوز للهيئة في سبيل تحقيق أغراضها، وبعد موافقة وزير النقل، إنشاء شركات مساهمة بمفردها أو مع شركاء آخرين ويجوز تداول أسهم هذه الشركات بمجرد تأسيسها، وللعاملين في الهيئة شراء نسبة لا تتجاوز 10% من أسهم تلك الشركات.

كما يجوز للهيئة منح التزامات المرافق العامة للمستثمرين، سواء لأشخاص طبيعيين أو اعتباريين، لإنشاء وإدارة تشغيل وصيانة مرفق السكك الحديدية دون التقيد بأحكام قانون المرافق العامة، وقانون الامتيازات المتعلقة باستثمار موارد الثروة الطبيعية والمرافق العامة وتعديل شروط الامتياز، وذلك طبقا لقواعد وإجراءات محدّدة.
وتنص المادة 32 من الدستور المصري على أنه "لا يجوز التصرف في أملاك الدولة العامة، ويكون منح حق استغلال الموارد الطبيعية أو التزام المرافق العامة بقانون ولمدة محدّدة".


المساهمون