يخوض مصنعو وتجار المصوغات (الحلي) في تونس، جولة جديدة من المفاوضات مع الحكومة، من أجل تحرير القطاع وتطوير القوانين التي يرون أنها تحول دون جلب الاستثمارات الأجنبية وخلق المزيد من فرص العمل.
ويقول تجار ومصنعون للمصوغات إن مستثمرين إيطاليين يرغبون في نقل جزء من استثماراتهم في القطاع إلى تونس للاستفادة من مهارات اليد العاملة التونسية في هذا المجال، وتواضع تكاليف التصنيع، مقارنة بالدول الأوروبية.
ويشير المهنيون إلى أن القوانين الحالية تمنع إعادة تصنيع الذهب المستعمل أو ما يصطلح عليه محليا بذهب "التكسير"، بينما ترتفع أسعار الذهب الجديد في ظل تراجع سعر صرف الدينار أمام الدولار الأميركي، لافتين إلى ركود المبيعات في أشهر الأسواق وأعرقها على غرار سوقي البركة في العاصمة تونس وسوق الذهب في محافظة صفاقس (جنوب).
ويصل سعر غرام الذهب عيار 24 إلى نحو 106.2 دنانير (38.79 دولارا)، بينما يبلغ سعر الغرام عيار 21 نحو 92.93 دينار (33.94 دولارا).
ويضيف بن يوسف أن "مستثمرين إيطاليين يقفون عاجزين عن إتمام مشاريع مشتركة مع مصنعين تونسيين بسبب قوانين بالية تمنع الاستثمار الأجنبي في هذا القطاع"، لافتا إلى أن العديد من مصانع وورش الذهب مهددة بالإغلاق وتسريح يد عاملة تتمتع بالكفاءة.
ويصف مسار تحرير قطاع المصوغ بالمتعثر، لافتا إلى أن الرغبة السياسية قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011 كانت متوفرة للتوجه نحو التحرير الشامل للقطاع غير أن هذا المسار توقف رغم مبادرة المهنيين بإحداث مراكز تدريب وتكوين للصناعيين وتدريب جزء منهم في كبار مصانع المصوغ والذهب في إيطاليا.
ويشير إلى قدرة اليد العاملة التونسية على منافسة نظيرتيها الإيطالية والتركية، معتبرا أن كل تأخير في تأهيل وتطوير القوانين يتسبب في خسارة البلاد لقيمة مضافة عالية كان من الممكن تحصيلها عبر تحويل تونس إلى قطب لتصنيع الذهب في شمال أفريقيا.
ووفق بيانات غرفة تجار المصوغ، ينشط حوالى 7 آلاف تاجر في القطاع، الذي يشهد ضغوطا منذ نحو 8 سنوات، حيث تراجعت القدرة الشرائية للكثير من التونسيين، ما انعكس سلباً على اقتناء الذهب بغرض الزينة أو الادخار.
وحاليا يتولى المخبر المركزي للتحاليل والتجارب التابع للبنك المركزي، عملية تذويب الذهب المستعمل، ودمغه من جديد. ومنذ سنوات يضغط مهنيو المصوغ على السلطة لتمكينهم من الآليات القانونية للاستفادة من كميات الذهب التي ترد إلى السوق (الذهب المستعمل)، خارج الحصة التي يحددها المصرف المركزي بإعادة تدويرها وتسويقها، فضلاً عن مطالبتهم بإلغاء تعدد الطوابع والاكتفاء بالطابع العالمي المعمول به دولياً.
وبموجب قانون 2005 يحتكر البنك المركزي توريد الذهب وتبدي السلطات التونسية بالرغم من عمليات التصعيد التي يقودها المهنيون تمسكاً كبيراً بالمحافظة على مراقبة تجارة المصوغ.
ويقول مسؤول في البنك المركزي، إن تحرير القطاع سيفتح الباب على مصراعيه أمام الغش والاتجار غير القانوني بهذه المادة النفيسة، وهو ما يدفع الحكومة للتمسك بقوانين ضبط هذا السوق.
وكانت اللجنة التونسية للتحاليل المالية (التابعة للبنك المركزي)، قد كشفت في تقرير لها في أغسطس/ آب 2017، أن المهربين يستغلون تونس كبلد عبور لكميات مهمة من الذهب في اتجاه دول آسيوية لتصنيعها وإعادتها إلى دول الجوار، موفرة مسلكا آمنا لتهريب 19 طنا و400 كيلوغرام من الذهب بين سنتي 2012 و2014، مما يشكل تهديدا في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأقرت اللجنة آنذاك بأن قطاع الذهب في تونس معرض لـ "تهديدات مرتفعة" بسبب سوء تنظيم القطاع والأوضاع المضطربة بمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط وتفشي التهريب مقارنة بمستوى احتياطي الدولة من الذهب.
وتحتل تونس المرتبة 78 دوليا و12 عربيا في احتياطات الذهب، وفق بيانات مجلس الذهب العالمي باحتياطي يناهز 6.8 أطنان.
ويضيف بن غربال لـ"العربي الجديد" أن الأسواق تشهد عزوفا عن الشراء لتدهور القدرة الشرائية للمواطن واستغناء جزء من المقبلين على الزواج على شراء المصوغ، ما أدى إلى تأزم الوضع المالي والمهني لقطاع الصاغة.
ولامس سعر صرف الدينار مستوى 2.77 مقابل الدولار و3.152 مقابل اليورو منتصف أغسطس/ آب الجاري، بينما كان يجري تداوله بنحو 2.2 دينار مقابل الدولار مطلع العام الماضي 2017.