مع تواصل ضغوط الحراك الشعبي المتصاعد قررت السلطات المختصة في الجزائر فتح ملف نهب الثروات عبر اعتقال ومنع رجال أعمال بارزين للتحقيق معهم. وأصدرت السلطات القضائية رسمياً أوامر بمنع السفر في حق رجال أعمال جزائريين، أمس.
كما أمر القضاء وحدة تابعة للدرك الوطني (جهاز تابع لوزارة الدفاع) مقرها العاصمة الجزائرية، بمباشرة عملية سحب جوازات السفر الخاصة بهم وبعائلاتهم، بالإضافة إلى جمع الملفات والوثائق، لفتح تحقيقات بتهمة نهب المال العام، تشمل التدقيق في ممتلكاتهم في الجزائر وخارجها.
وتشمل قائمة المنع من السفر رجال أعمال بارزين، منهم رأس الكارتل المالي علي حداد وشقيقه عمر، بالإضافة إلى بعيري محمد صاحب مصنع "ايفيكو" لتجميع السيارات، وطاحكوت محي الدين مالك مصنع "هيونداي" لتجميع السيارات رفقة ابنه بلال وشقيقيه رشيد وناصر، بالإضافة إلى عائلة "كونيناف" ويقودها ثلاثة إخوة وهم كريم ورضا ونوح، وهي عائلة "غامضة" مجهولة لدى الجزائريين، مقربة جداً من عائلة بوتفليقة .
كذلك تم منع رجلي الأعمال ولد بوسيف محمد وبودينة إبراهيم من السفر، وطلبت النيابة العامة من رجال الأعمال المتهمين إيداع جوازات سفرهم لدى محكمة سيدي امحمد وسط العاصمة الجزائرية.
وكان حداد قد تم توقيفه من طرف شرطة الحدود الجزائرية فجر أول من أمس، في النقطة الحدودية "أم طبول" مع تونس، حاملاً جواز سفر بريطانياً، ومبلغاً مالياً 500 ألف دينار (5 آلاف دولار)، واللافت أن حداد كان متنكراً، حسب ما علمته "العربي الجديد" من مصادر أمنية، الأمر الذي أثار شك شرطة الحدود.
وأضاف نفس المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أنه "حتى أول من أمس، لم تكن هناك أي قائمة رسمية، لكن تم منع حداد كإجراء احترازي، ونفس الإجراء تم تنفيذه مع رجل الأعمال طاحكوت محي الدين، فيما تم السماح لرجل الأعمال أسعد ربراب بالسفر إلى ألمانيا للمشاركة في معرض هانوفر".
وتأتي هذه الخطوة استجابة لمطالب الحراك الشعبي، الذي ضغط على السلطات الحاكمة من أجل محاسبة رجال الأعمال أصحاب "الثروات المشبوهة"، واسترجاع الأموال التي جمعت عن طريق استغلال النفوذ السياسي والاقتصادي.
وفي السياق يرى محامي متخصص في الجرائم الاقتصادية، رضا بو فلاح، أن "إصدار القائمة الاسمية لرجال الأعمال الممنوعين من السفر جاء لإجهاض أي محاولة لإنقاذهم مستقبلاً، فمثلاً عملية توقيف حداد تمت دون أمر قضائي، فالقانون الجزائري يمنح منذ 2016 وكيل الجمهورية أو القاضي منع أي مواطن مشتبه فيه من السفر، بعدما كان قبل ذلك حكراً على المخابرات فقط التي كانت ترسل القوائم الاسمية للنقاط الحدودية والمعابر البرية والبحرية والجوية، وبالتالي هناك محاولة من الجهات القضائية لفرض منطق القانون".
وأضاف بو فلاح لـ"العربي الجديد" أن "الجديد هذه المرة بعمليات التحقيق في شبهة نهب المال العام، هو إحالة الملفات على الدرك الوطني الذي يملك الضبطية القضائية، بعدما كانت هذه الآلية لدى المخابرات أيضا، وهي من كانت تحقق وتكيف القضايا حسب الحسابات السياسية، إلا أن المهم ليس في الإجراءات القانونية، بل في مدى وجود نية سياسية لمحاسبة رجال الأعمال أصحاب الاغتناء السريع والمشبوه، وألا تكون هذه مجرد محاولات للالتفاف على مطالب الشعب".
وكان حداد قد قدم نهاية الأسبوع الماضي، رسمياً، استقالته من منتدى رؤساء المؤسسات، أكبر تكتل لرجال الأعمال في البلاد، في رسالة موجهة إلى أعضاء المنتدى الذي ظل يديره منذ عام 2014، وذلك بتأثير من حراك الشارع الجزائري.
وقال حداد في رسالته إن "خيار دعم عبد العزيز بوتفليقة كان خياراً اتخذ بكل ديمقراطية وبالإجماع داخل المنتدى"، مضيفاً أن "المرحلة التاريخية التي تمر بها البلاد، تحمل آمالاً كبيرة للجزائريين، التي ندعمها ونتبناها".
ومنذ بداية الحراك الشعبي، يعيش الكارتل المالي ضغطاً كبيراً، على غرار العديد من المنظمات والأحزاب السياسية القريبة من السلطة.
وانتقل الحراك الشعبي المناهض لنظام بوتفليقة، من الشارع إلى ما يوصف بـ"الكارتل المالي"، حيث توالت الانشقاقات داخل منتدى رؤساء المؤسسات، الذي يعدّ أكبر تكتل لرجال الأعمال في الدولة، بحجم مالي يفوق 3 مليارات دولار، إذ استقال عشرة رجال أعمال نافذين فيه، في مقدمتهم نائب علي حداد ورئيس غرفة التجارة والصناعة التجارة، العيد بن عمر.
ويصف الجزائريون حداد بـ"رجل الزفت" نسبة لاحتكاره مشاريع إنشاء الطرق الكبرى، فيما يشبهه البعض بـ"الأخطبوط" و"ابن الجنرالات"، ويحوز العديد من الشركات والمؤسسات الناشطة في مجال الأشغال العامّة والفندقة والصحة، بالإضافة إلى جريدتين وقناتي تلفزة.
أما العامل الثاني، حسب فرحات علي، فقد يكون مصدر قلق لدى بعض رجال الأعمال خوفاً من المحاسبة التعسفية، أو استعمال القضاء لأغراض سياسية مستقبلاً وبالتالي سيكون هناك ضحايا.
وأضاف الخبير الجزائري لـ "العربي الجديد" أنه "على السلطات بعث رسائل ثقة وطمأنينة، خاصة أن رجال الأعمال محل المتابعة لديهم الآلاف من العمال المتخوفين على قوتهم، بالإضافة إلى استثماراته الكبيرة في السوق، ما يعني وجود حالة قلق بالأوساط الاقتصادية يمكن أن يولد قلقاً اجتماعياً حاداً".